الرباط– يزيل المزارع المغربي أحمد الأعشاب الضارة من حقل الخضراوات، فهي عملية ضرورية للحصول على مردود ذي جودة عالية وبكمية كبيرة. ويعمل في ضيعة بمنطقة السهول القروية التي تبعد حوالي 50 كيلومترا عن العاصمة الرباط، حيث يزرع خضراوات متنوعة من فلفل وباذنجان وطماطم وبطاطس وجزر وخس وغيرها، إلى جانب البطيخ والأشجار المثمرة.

ويوضح المواطن المغربي للجزيرة نت أنهم يزرعون منتجاتهم بطريقة طبيعية، ودون الاعتماد على أي مواد أو أسمدة كيميائية خلال مختلف مراحل الإنتاج.

ويعتمد في معالجة المزروعات وحمايتها من الطفيليات والحشرات الضارة على طرق طبيعية، شارحا إحدى الطرق فيقول “نمزج نبتة القراص مع الفلفل الحار وأحيانا الثوم نهرسها جميعها ثم نرشها على المزروعات لطرد الحشرات”.

ويشرف مصطفى بلحرشة على هذه الضيعة العائلية، حيث يعمل على تطبيق معارفه في مجال الزراعة البيولوجية (العضوية) ويعمل بجدية على نشر خبرته بين فلاحي المنطقة.

وبدأ بلحرشة الاهتمام بالزراعة البيولوجية منذ عام 2007 ضمن مشروع يهتم بالربط بين البادية والمدينة، في إطار نظام شراكة تضامني ما بين المستهلك والمنتج.

ويوضح للجزيرة نت أن هذا المشروع يلزم المنتج بإنتاج خضراوات طبيعية خالية من المواد الكيميائية أو المبيدات السامة بينما يلتزم المستهلك بشراء “القفة البيولوجية” من منتوج الحقل مرة في الأسبوع على طول السنة بعقد موقع بين الطرفين.

ومع مرور الوقت، انضم مزارعون آخرون لهذا النمط من الزراعة وتم تأسيس تعاونية في المنطقة تضم حاليا 13 ضيعة حصلت على شهادة التصديق البيولوجي، ويعتمد المزارعون على البذور الأصيلة والدورة الزراعية ويستعملون الماء بشكل مقنن.

يوضح بلحرشة للجزيرة نت أن الفلاحين يبيعون منتجاتهم البيولوجية بنظام أسبوعي خاص، ويتم توصيلها للزبائن أو عن طريق سوق خاص في الرباط يستقبل الزبائن الباحثين عن المنتجات الزراعية البيولوجية كل أحد.

ويشير إلى أنه -مع مرور السنوات- طور مزارعو المنطقة طرقا للتواصل مع الزبائن المخلصين حيث ارتفع عددهم بشكل مطرد.

بداية متواضعة

بدأت الزراعة البيولوجية بالمغرب تسعينيات القرن الماضي باعتبارها نمط إنتاج يرتكز على عدم استعمال المواد الكيميائية الاصطناعية من أسمدة ومبيدات في كل مراحل الإنتاج.

ووفق بيانات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فإن هذه الزراعة تخضع لأحكام قانون دخل حيز التنفيذ سنة 2018 ويتعلق بالإنتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية والمائية، ويعد المغرب ثاني بلد أفريقي يسن قانونا خاصا في مجال الإنتاج البيولوجي، يتماشى مع مقتضيات القوانين والتنظيمات الدولية بهذا المجال.

ووفق نفس المصدر، فإن المنتوجات الحاملة لعلامة “بيو المغرب” تخضع مسبقا للمراقبة والحصول على شهادة المطابقة من هيئة المراقبة والمصادقة لتسويقها في السوق الوطنية.

ويشكل الزيتون والحوامض واللوز والنباتات العطرية والطبية والخضراوات أبرز الأنواع المزروعة وفق نمط الإنتاج البيولوجي (العضوي) حاليا في المملكة.

وقد تطورت المساحات المزروعة -وفق نمط الإنتاج البيولوجي- خلال السنوات الماضية، إذ انتقلت من 4 آلاف هكتار سنة 2010 إلى 12 ألفا سنة 2019 بالإضافة إلى حوالي 200 ألف هكتار من المساحات التلقائية حيث أنواع الأركان والنباتات العطرية والطبية والتين الشوكي والخروب والكبار.

ويقدر الإنتاج الإجمالي من المنتجات البيولوجية لموسم 2020 حوالي 130 ألف طن مقابل 120 ألفا سنة 2019 و40 ألفا سنة 2010، في وقت تم إحداث ما لا يقل عن 1.4 مليون يوم عمل خلال سنة 2019.

وتتوزع 80% من المساحات المزروعة بين 5 جهات أساسية: فاس-مكناس، مراكش-آسفي، سوس-ماسة، الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة.

وبالنسبة لصادرات المنتوجات الفلاحية البيولوجية، فقد بلغ حجمها نحو 17 ألف طن منها 10 آلاف طن. وفي صدارة الأنواع التي يتم تصديرها، الحوامض والبواكر وعصير البرتقال المجمد والتوت المجمد وزيت الزيتون وزيت الأركان.

الفلاح أحمد في الضيعة البيولوجية في منطقة

تحسين الإنتاج

وحسب رئيس اتحاد المنتجين البيولوجيين رضا الطاهري، فإن قطاع الزراعة البيولوجية ما زال في طور النمو، لافتا إلى أن اهتمام الفلاحين بهذه الزراعة كان سابقا على اهتمام المسؤولين عن القطاع.

وأضاف أن المساحة المزروعة بالمنتجات البيولوجية بلغت خلال الموسم الزراعي 2022-2023 حوالي 16 ألف هكتار، وهو ما يعني زيادة بـ 12 ألفا خلال 10 سنوات.

ويقول الطاهري “هذه الزيادة المتواضعة في المساحات المزروعة كانت بفضل اهتمام الفلاحين الصغار وجهودهم الذاتية” مشيرا إلى أن تونس -على سبيل المثال- تتوفر مساحة 350 ألف هكتار مصنفة ضمن الزراعة البيولوجية، أما إسبانيا فتمتلك 2.5 مليون.

ويوضح أن السوق المحلية في طور التشكيل، لافتا إلى أن المستهلك المغربي لديه رغبة في اقتناء المنتجات البيولوجية ذات جودة، مشيرا إلى أن دور الهيئات المهنية هو تكريس علاقة ثقة بين المنتج والمستهلك حتى يقتني هذا الأخير المنتجات وهو مطمئن وواثق في جودتها.

وأضاف الطاهري أن هدف المنتجين -الوقت الراهن- ليس التصدير بل تنظيم القطاع وتجاوز العراقيل التي حالت دون ارتفاع المساحات المزروعة خلال 20 سنة الماضية بشكل كبير.

ودعا وزارة الفلاحة إلى وضع إستراتيجيات وسياسات واضحة، وتقديم الدعم والإمكانيات للمنتجين، وإشراك جميع الفاعلين في وضع خطط لتطوير هذه الزراعة الواعدة.

وفي ظل الاهتمام المتزايد بالزراعة البيولوجية سواء من طرف المنتجين والمستهلكين، وقعت وزارة الفلاحة والصيد البحري عقد برنامج مع المهنيين بهدف مضاعفة المساحة المخصصة للزراعة البيولوجية بحوالي 10 مرات.

وبموجب هذا العقد، يتوقع أن يصل الإنتاج إلى 600 ألف طن خلال 2030، وزيادة مساحات الزراعة البيولوجية في المملكة إلى 100 ألف هكتار ومضاعفة الصادرات لتصل إلى 114 ألف طن.

ويهدف عقد البرنامج إلى تحسين الإنتاجية وتجويد المنتوجات من خلال التعبئة والتغليف ومواكبة المنتجين البيولوجيين وتشجيع البحوث، كما يسعى إلى تنمية السوق الداخلي، والترويج للاستهلاك على المستوى المحلي وضمان الجودة والابتكار ودمج التكنولوجيا الخضراء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version