الجزائر– تتجه الجزائر مع بداية العام المقبل إلى مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وفق ما أعلن الرئيس عبد المجيد تبون، الذي اعتبر أن هذه المراجعة “ضرورية” وستتم بمرونة وروح ودية من دون الدخول في صراع، كون الجزائر تحافظ على علاقات طبيعية مع الدول في التكتل.

وتمتد شراكة الجزائر مع الاتحاد الأوروبي لأكثر من 20 عاما بعد توقيع الاتفاق بين الطرفين في إسبانيا خلال أبريل/نيسان 2002، لتدخل بعدها حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول 2005.

وبلغت قيمة المبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وفق إحصائيات المديرية العامة للمفوضية الأوروبية للإحصائيات (يوروستات)، نحو 27.4 مليار يورو (29.9 مليار دولار).

بنود الاتفاق

تضمن اتفاق الجزائر مع الاتحاد الأوروبي مواد تحدد طرق سيرها وحدود الشراكة بين الجانبين، أهمها:

  • توفير إطار مناسب للحوار السياسي بين الطرفين للسماح بتدعيم علاقاتها وتعاونها في جميع الميادين، التي تراها ملائمة وتطوير التبادلات.
  • ضمان تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بين الطرفين.
  • تشجيع التبادلات البشرية، لا سيما في إطار الإجراءات الإدارية.
  • ترقية التعاون في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمالي.
  • إنشاء منطقة للتبادل الحر للمنتجات الصناعية والتحرير التدريجي للمنتجات الفلاحية والصناعات الغذائية والمنتجات الصيدية.
  • الاتفاق على إلغاء الرسوم الجمركية بين الطرفين على 3 مراحل، لتصل إلى 0% خلال الفترة من 2012 إلى 2017.
  • تضمن الاتفاق إجراءات وضعتها الجزائر لحماية صناعتها الوطنية عبر مجموعة من المواد، أهمها “إجراءات مكافحة الإغراق وإجراءات تعويضية وإجراءات حمائية”.

سير الاتفاق

لم يسبق للجزائر والاتحاد الأوروبي مراجعة الاتفاق بصفة كاملة، باستثناء مراجعات جزئية تتعلق الأولى بمخطط إلغاء الرسوم الجمركية عام 2010، ثم تقييم مشترك بطلب من الجزائر في 2015، إضافة إلى تقييم الاتفاقات التجارية التفضيلية سنة 2020 بطلب من الجزائر التي فرضت سنة 2021 قيودا على استيراد بعض المنتجات لحماية إنتجها الوطني، ما أثار اعتراض التكتل الأوروبي الذي اعتبر في يونيو/حزيران الماضي أنه “حظر على المنتجات الأوروبية” و”ينتهك اتفاق الشراكة” بين الطرفين، ملوحا باللجوء إلى التحكيم قبل أن يجنح إلى الحوار.

ويرى أستاذ الاقتصاد، فارس هباش، أن ثمة عدم توازن وإخلال بالمؤشرات وأهداف الاتفاق، انطلاقا من بنودها المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والاستثماري والصناعي ونقل التكنولوجيا والاستثمار في المجال الزراعي والتكنولوجي، كونها بقيت مجرد شعارات لم تحقق.

وتطرق هباش، في حديث لـ”الجزيرة نت”، إلى الإحصاءات المسجلة منذ إبرام الاتفاق المتعلقة بالواردات الأوروبية للجزائر، والتي بلغت تريليون دولار، وهو رقم كبير وغير متوازن مقارنة بصادرات الجزائر غير النفطية إلى الاتحاد الأوروبي، ما أثر بشكل مباشر على الصناعات المحلية الجزائرية، ويخالف مواد الاتفاق.

وأشار إلى تقديرات تؤكد أن إلغاء الرسوم الجمركية أدى إلى خسائر مالية ضخمة للجزائر تقدر بنحو 700 مليار دينار جزائري (5.5 مليارات دولار) منذ بداية تطبيق الاتفاق.

لِمَ المراجعة؟

قال الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي إن طلب الجزائر إعادة النظر في اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي يعود إلى “تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية بعد أكثر من 20 سنة من توقيع الاتفاق”.

كما أن الميزان التجاري كان طيلة الفترة السابقة في صالح الاتحاد الأوروبي، ورغم كون الاتفاق يحمل بعض النقاط الإيجابية فإن الطرف الأوروبي لم يلتزم بها، وفق الحيدوسي.

وأشار الحيدوسي، في حديث لـ”الجزيرة نت”، إلى أن الظروف السائدة في الجزائر خلال بداية مشاورات إبرام الاتفاق في نهاية تسعينيات القرن الماضي مع خروج الجزائر من فترة صعبة، بلغ فيها ناتجها الإجمالي حدود 100 مليار دولار، في حين أن الاتحاد الأوروبي فاوض الجزائر ككتلة واحدة بلغ ناتجها الإجمالي حدود 11 تريليون دولار، ما يجعل الطرفان غير متساويين في الحجم والقوة، ويكون الاتفاق للجزائر متنفسا لفك العزلة في تلك الظروف التي مرت بها، الأمر الذي تغير اليوم بوجود اقتصاد جزائري يعرف انتعاشا وإنجازات تحققت طيلة السنوات الماضية.

وأكد الحيدوسي وجود أوراق أخرى تدفع بها الجزائر في مفاوضاتها، كالاستقرار الأمني الذي تشهده البلاد، إلى جانب إمكانياتها الكبيرة في مجال توريد الطاقة بمختلف أنواعها، ما يجعلها تفاوض الطرف الأوروبي من موقع قوة.

أبرز التحديات

يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار سيغة إن الملفات السياسية وطبيعة العلاقات الجزائرية مع بعض البلدان الأوروبية في الفترة الأخيرة قد يكون لها تأثير مباشر من خلال تقاطع الشقين الاقتصادي والسياسي.

ويضيف سيغة، في حديث لـ”الجزيرة نت”، أن الجزائر تدرك جيدا تداعيات هذا القرار، رغم التلويح الأوروبي السابق بأن الإجراء من شأنه التأثير على مستويات التبادل الاقتصادي بين الجزائر والتكتل الأوروبي، وتلويحها بتفعيل إجراءات لتسوية المنازعات ضد الجزائر سابقا للاعتراض على قرارات نفذتها الجزائر منذ عام 2021، تهدف إلى تنظيم الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي.

وتطرق سيغة إلى أهمية القرار كونه إستراتيجيا بالنظر إلى حساسية المرحلة المقبلة، ما يتطلب من الجزائر إعادة ترتيب أوراق مصالحها الاقتصادية، وكذلك الجيوسياسية بما يتوافق مع تقاطعات الرؤى في الملفات ذات البعد المشترك بين الجزائر والمجموعة الأوروبية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version