كوالالمبور- تبدو الحكومة الماليزية عازمة على المضي قدما في صفقة خصخصة شركة إدارة وتشغيل المطارات الماليزية المعروفة اختصارا باسم (ماهب)، وذلك رغم الانتقادات الشعبية والحزبية لخطة الخصخصة التي تقضي بتمليك 30% من حصص شركة المطارات لشركة “غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” (جي آي بي) (الشراكة العالمية للبنية الأساسية)، وهي إحدى أفرع شركة غلوبال روك الأميركية العملاقة.

ودافع رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في مناسبات عدة عن خطته لبيع شركة المطارات التي تدير 39 من بين 40 مطارا موزعة على قسمي ماليزيا الغربي والشرقي، وشدد في جلسة برلمانية الالتزام بالمعايير التي وضعتها الصناديق السيادية الماليزية المعنية: خزانة وصندوق ادخار الموظفين.

وأبرز هذه المعايير أن يكون رئيس الشركة وغالبية مجلس الإدارة ماليزيين، وهو ما رفضته الشركات الأخرى التي تقدمت بالطلب، ووافقت عليها جي آي بي وشريكتها الإماراتية “جهاز أبو ظبي للاستثمار”.

ودأب رئيس الوزراء على اتهام المعارضة بانتقاد الصفقة المرتقبة لأسباب شعبوية والتأكيد أنها لا تتعارض مع الموقف الماليزي الثابت في دعم القضية الفلسطينية، في حين تصر أحزاب المعارضة على أن الصفقة تهديد للأمن القومي الماليزي وتواطؤ مع جرائم الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وذلك بالتعاقد مع شركة “بلاك روك” التي تصنف بأنها أكبر مزود لقوات الاحتلال بالسلاح والمال.

الجزيرة نت التقت السيد وان أحمد فيصل ممثل تكتل العقد الوطني المعارض في البرلمان الماليزي، والذي عُلقت مشاركته في فعاليات البرلمان لمدة 6 أشهر بسبب إثارته القضية في البرلمان:

  • السيد وان فيصل، ما مدى تأثير الحرب التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني على الساحة السياسية الماليزية؟

ما حدث في مدرسة التابعين على سبيل المثال؛ حيث قُتل أكثر من 125 مصليا أثناء صلاة الفجر بقنبلة تزن 200 رطل؛ كان له صدى كبير على الداخل الماليزي مع أن الجريمة وقعت بعيدا عن ماليزيا، وأقرب مثال على ذلك النقاش الدائر حاليا بشأن خصخصة شركة تشغيل المطارات الماليزية (ماهب).

  • ما العلاقة بين ما يحدث في فلسطين وصفقة شركة المطارات؟

خصخصة الشركة المشغلة للمطارات تقضي باستحواذ شركة جي آي بي التي تمتلكها شركة بلاك روك على حصة جيدة من الشركة، والموضوع هنا أن بلاك روك معروفة بأنها تزود جيش الاحتلال بالسلاح ولها استثمارات ضخمة في إسرائيل، واعتبرها خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أبرز مزودي السلاح للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وهي تمتلك حصصا كبيرة في شركات إنتاج السلاح في الولايات المتحدة مثل لوكهيد مارتين ونورثرن غلامير وغيرهما الكثير، والسؤال المثار حاليا في ماليزيا هل يسمح بتواطؤ مطاراتنا مع بلاك روك؟

  • لكن بلاك روك من الشركات العابرة للقارات، ولها استثمارات في كل مكان، ومقاطعتها تعني عزلة اقتصادية لماليزيا؟

في جميع أنحاء العالم ومنها حكومات غربية أوقفت تعاملها مع شركات مزودة لقوات الاحتلال بالسلاح، فالنرويج مثلا أوقف صندوقها السيادي “كيه إل بي” استثماراته في شركة كتربيلار، وهي واحدة من الشركات المنتجة للمعدات الثقيلة في العالم والتي تستعملها قوات الاحتلال في تدمير المنازل في غزة والضفة الغربية، وقد أمرت الحكومة النرويجية الصندوق السيادي بسحب استثماراته.

وإذا ما أجرينا استفتاء فإن غالبية الشعب الماليزي يعارضون هذه الصفقة، لأنها قد تتسبب بأزمة جيوسياسية تؤثر سلبا على ماليزيا، وليس فقط أخلاقيا من حيث ارتباطها بما يجري من جرائم في فلسطين بل كذلك اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

  • ألا ترى أن هناك حاجة لتطوير المطارات الماليزية، وهذا سيكون بالشراكة مع شركات عالمية؟

السؤال الذي يتردد على ألسنة جميع الماليزيين هو لماذا نريد أن نبيع شركة رابحة، ولماذا إسقاطها من البورصة، وإذا كانت شركة إدارة المطارات الماليزية تدير مطار صبيحة الدولي في إسطنبول، فماذا سيكون ردة فعل الحكومة التركية عندما تعرف أن الشركة الماليزية التي تدير مطارها شريكة مع “جي آي بي” و”بلاك روك”؟، وهو ما يؤثر على موقف الحكومة التركية في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

  • لقد أثرتم القضية في البرلمان في وقت مبكر من هذا العام، فماذا كانت النتيجة؟

عندما أثرت القضية في البرلمان في مارس/آذار الماضي أنكر وزير النقل أنتوني لوك واعتبرها مجرد إشاعات، رغم علمه أن المحادثات قائمة منذ سنة أو سنتين.

Passengers queue up at the Malaysia Airlines ticketing booth at the Kuala Lumpur International Airport in Sepang March 9, 2014. A missing Malaysia Airlines jetliner may have turned back from its scheduled route before vanishing from radar screens, military officers said on Sunday, deepening the mystery surrounding the fate of the plane and the 239 people aboard. REUTERS/Edgar Su (MALAYSIA - Tags: DISASTER TRANSPORT TRAVEL)

وشركة المطارات الماليزية شركة رابحة، وتدير 39 مطارا في ماليزيا من 45 سنة، إضافة إلى مطار في تركيا، وهي شركة جيدة جدا، باستثناء فترة جائحة كورونا، وهي مهمة لسيادتنا.

وهنالك العديد من الشركات العالمية التي يمكن التعاون معها مثل الهندية والفرنسية والإسبانية والألمانية التي تقدمت بطلب الاستثمار على غرار “جي آي بي”، وهذه الصفقة ستعزز أمن مطاراتنا أم تضعفه؟، خاصة أن عناصر صهيونية سوف تكون شريكة في إدارة شركة المطارات الماليزية.

  • الحكومة تقول إنها اختارت أفضل العروض ووفق الشروط التي وضعتها بحيث تضمن أمن وسلامة البلاد

منطق رئيس الوزراء وخزانة وصندوق الادخار هو أن الهدف تطوير المطارات بما يعزز المنافسة، وهذا هو الهدف الأساسي، ولكن هل هناك داع للتنازل عن 30% من أسهم شركة المطارات لجي آي بي التابعة لبلاك روك؟

وحسب التقارير فإن جي آي بي ليست الشركة التشغيلية الأفضل، وقد تكبد مطار سيدني الذي تشغله خسائر ضخمة، ولا تشغل أيا من المطارات المتميزة في العالم، ومستواها أقل بكثير من مطار كوالالمبور، ولا يوجد أي ميزة اقتصادية أو فنية لأن تكون جي آي بي شريكا إستراتيجيا، ونحن ندير مطاراتنا وقطاراتنا حاليا بشكل جيد وفعال، فلماذا كل هذا الحرص والإصرار من الحكومة على بيع هذه الحصة لجي آي بي؟

  • ربما لا تحققون مكاسب اقتصادية أو تقنية كبيرة من هذه الشراكة لكن قد يكون من ورائها مكاسب سياسية

لقد أثرت هذا السؤال في البرلمان، هذا العام أعلنت الحكومة الأميركية عما أطلقت عليه “مبادرة الإطار الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادي”، وبموجبها سوف تقدم مجموعة من الشركات قروضا لمشاريع البنية الأساسية في دول جنوب شرق آسيا، و”جي آي بي” أبرز المنفذين لهذه المشاريع في المنطقة، لأنها متخصصة في البنى الأساسية مثل المطارات والقطارات والموانئ.

ومن وجهة نظري فإن المبادرة كما أعلنتها الولايات المتحدة، تهدف إلى تعزيز التوازن مع الصين في المنطقة حيث إن بكين استثمرت بشكل كبير في جنوب شرق آسيا خاصة ماليزيا. فلدينا خط سكك الحديد في الساحل الشرقي، ولدينا فورست سيتي وميناء كوانتان، وبوابة ملقة (ملقة غيت ويي)، وغير ذلك الكثير، والقادم في الاستثمار سيكون القطار السريع.

الولايات المتحدة تسعى إلى منافسة الصين أو على الأقل تحقيق التوازن معها في هذه المشاريع، خاصة أن ماليزيا حارسة لمضيق ملقة، وهو الأكثر ازدحاما في العالم بعد مضيق هرمز، وتعتمد عليه الصين للحصول على الغاز والبترول وغيرها من المصادر الطبيعية.

  • بعيدا عن الجدوى الاقتصادية لهذه المطارات ما المنفعة أو الضرر الذي يمكن أن يتحقق من خصخصتها؟

ليس كل المطارات الـ39 التي تشغلها شركة المطارات الماليزية ربحية، وبعضها خاصة في ولايتي “ساراواك” و”صباح” ذات مدارج قصيرة، وتخدم احتياجات محلية في مناطق نائية، لكنها ذات أهمية إستراتيجية نظرا لأنها تقع على بحر جنوب الصين.

فنحن قلقون من إمكانية استعمال هذه المطارات للأغراض العسكرية في حال تمت خصصة شركة المطارات الماليزية، ويمكن الاستيلاء عليها واستعمالها مطارات بديلة لجهات أجنبية، وذلك في حال اندلاع حرب، لا سمح الله، لذلك فإننا نعتقد أن جميع المطارات الماليزية يجب أن تكون تحت سيطرة الحكومة بالكامل، وعدم السماح لأية جهة أجنبية من التدخل في إدارتها، وهذا لم تجب عليه الحكومة.

  • ماذا لو كنتم في السلطة هل بإمكانكم القول لا للأميركيين؟

نعم هذا ما مارسته حكوماتنا في السابق، مثل حكومة مهاتير، ولم يحدث أن باعت أي حكومة سابقة أسهما في مؤسسة سيادية لجهة أجنبية، ولا يوجد حاجة لذلك.

دعنا نفترض أننا نريد زيادة رأس المال لتوسيع مطاراتنا؛ يمكن لشركة المطارات الماليزية وحدها أن تفعل ذلك، فلديها سجل تجاري قوي وسيولة كافية والحكومة قادرة على دعمها لتوسيع المطارات بدون اللجوء إلى شركات خارجية مثل “جي آي بي”، كما أنني لا أرى أن “جي آي بي” مؤهلة لمساعدة مطاراتنا، وإذا كنا بحاجة إلى خبرات معينة فيمكننا الاستعانة بشركات استشارية ولا داعي لأن نبيع أسهمنا لهذه الشركات.

أعتقد أن “جي آي بي” ليست بحاجة للمال هنا فلديهم الكثير من الأموال من أماكن أخرى، ولكنهم يتطلعون إلى موقع ماليزيا الإستراتيجي في المنطقة لمواجهة الصين، ومراقبة الهند وهو ما يفعله الماليزيون منذ مئات السنين ومنذ العهود الاستعمارية، وأعتقد أنه استعادة لهذا الدور، وتدريجيا سوف تسيطر جي آي بي على شركة المطارات الماليزية والمنطقة.

  • لكنها في النهاية حكومة منتخبة وائتلافية تمثل معظم أطياف الشعب الماليزي، وهي صاحبة القرار

بعض السياسات لا تتوقف على حكومة بعينها، بل تتعداها لعدة دورات انتخابية مقبلة، وبذلك فإنها بحاجة إلى إجماع وطني.

عندما تبيع حصة كبيرة من شركة سيادية فإننا نخشى على مستقبلنا الأمني حتى لو تغيرت الحكومة في المستقبل، ونرى أنهم قدموا تنازلات في الأمن القومي، ولذلك علينا أن ننظر للموضوع ليس على أنه استثمار صغير في شركة، بل سيترك تداعيات كبيرة على المستوى القومي والمنطقة بأسرها، وحتى على مستوى العالم، لأن ماليزيا في مقدمة الدول التي تقف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني.

وأعتقد أن حكومة أنور إبراهيم يجب أن تعيد النظر في الأخلاقيات والمبادئ، وتتصرف مثل النرويج، وتنأى بنفسها عن الكيانات التي تدعم الجرائم والإبادة.

نحن الآن نمنح الحكومة فرصة، ونعلن معارضتنا لـ”جي آي بي”، ونرى إن كان هناك بدائل لكي تكون عملية الخصخصة ناجحة؛ منها أن يمتلك الصندوقان السياديان، خزانة وصندوق ادخار الموظفين، أكثر من 90% من الأسهم، وهما وحدهما قادران على ذلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version