برلين– مشردون ينامون في الشوارع، وطوابير تصطف للحصول على مواد غذائية مجانية، ومتقاعدون يبحثون عن زجاجات فارغة لإعادتها إلى المتاجر مقابل سنتات.. يحدث هذا في ألمانيا صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم والأول أوروبيا.

هذه صورة مألوفة في معظم إن لم يكن في جميع المدن الألمانية، فعلى الرغم من ازدياد الثروة وارتفاع الأجور في السنوات القليلة الماضية، تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 21.3% من السكان (ما يعادل أكثر من 25.5 مليون شخص) يعيشون تحت خط الفقر أو مهددون بالإقصاء الاجتماعي بحلول عام 2024.

ووفقا للمكتب الاتحادي الألماني للإحصاء، فإن 14.4% من سكان ألمانيا مهددون بخطر الفقر، ويتم تعريف الشخص كفقير في الاتحاد الأوروبي إذا كان دخله أقل من 60% من متوسط الدخل الشهري للفرد في بلده.

وفي ألمانيا، يُعد الشخص فقيرًا إذا كان دخله أقل من 1200 يورو (1250 دولارا) شهريا ويعيش بمفرده، أو إذا كان دخل عائلة مكونة من أبوين وطفلين أقل من 2410 يورو (2510 دولارات)، بعد اقتطاع الضرائب والضمان الاجتماعي.

من المهم ملاحظة أن وجود طوابير أمام بنوك الطعام لا يعني بالضرورة تدهورا عاما في الاقتصاد الألماني، بل قد يشير إلى تفاوت في توزيع الثروة ووجود فئات تعاني من صعوبات اقتصادية. وهذه الظاهرة توضح الحاجة إلى سياسات اجتماعية واقتصادية تعزز تكافؤ الفرص وتقديم الدعم للفئات المحتاجة.

بنوك الطعام “تافل”

وفي السنوات الأخيرة، شهدت ألمانيا ارتفاعا في أعداد المتقاعدين المترددين على بنوك الطعام للحصول على مواد غذائية، خصوصا بعد بداية حرب أوكرانيا. ويقول مانوئيل فامسر، متحدث باسم بنك الطعام “تافل”، إن التضخم وارتفاع الأسعار جعلا معاشات التقاعد غير كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية، وإن الناس يواجهون أوضاعا صعبة أكثر من أي وقت مضى.

وتعمل “تافل”، من خلال شبكة تضم 970 فرعا في أنحاء ألمانيا، على توزيع التبرعات التي تحصل عليها من المتاجر الكبرى والمخابز، ومع ذلك، تواجه المؤسسة صعوبة في تلبية الطلب المتزايد، ما اضطرها إلى تقليل كميات الطعام الموزعة لكل شخص لضمان استفادة أكبر عدد ممكن، حسب تصريح مدير المؤسسة، أندرياس شتريبون.

مؤشرات الفقر في ألمانيا؟

تعريف الفقر في ألمانيا يتجاوز الأرقام، ليشمل نوعية الحياة، فالفقراء غالبا ما يعيشون في شقق غير ملائمة أو صغيرة، بعيدا عن مواقع العمل والمدارس، وتشير إيفا ماريا ويلسكوب-ديفا، رئيسة مؤسسة كاريتاس، إلى أن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم هم الأكثر عرضة للفقر، حيث يُنفقون أكثر من نصف دخلهم على تكاليف السكن.

وأضافت أن 70% من الأشخاص الذين عانوا من الفقر خلال السنوات الخمس الماضية سيستمرون في هذه الحالة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يعكس قلة الفرص المتاحة وندرة الوظائف ذات الأجر الكافي.

اقتصاد قوي ومعاناة يومية

ورغم أن ألمانيا تُصنف كأكبر اقتصاد أوروبي والثالثة عالميا، وواحدة من أغنى 20 دولة في العالم، فإن الفقر يمثل مشكلة واضحة، ويعود ذلك إلى الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، مقابل ثبات الأجور وعدم كفاية معاشات التقاعد.

في الوقت نفسه، يظل النظام الاجتماعي في ألمانيا إحدى النقاط الإيجابية، حيث يوفر الحد الأدنى من الحماية، لكنه لا يكفي للقضاء على الفقر بشكل كامل. يقول “شتريبو” إن مكافحة الفقر مسؤولية سياسية ولا يمكن تركها بالكامل للمنظمات الخيرية مثل “تافل”.

انتقادات لنظام الضمان الاجتماعي

على الرغم من رفع الحكومة قيمة “مخصصات المواطن” للعاطلين عن العمل لتتجاوز 500 يورو (520 دولارا) شهريا، فإن خبراء علم الاجتماع يرون أن هذا المبلغ أقل من اللازم لتأمين حياة كريمة، ووفق تقديراتهم، يحتاج الفرد إلى 650 يورو (677 دولارا) شهريا للحصول على غذاء صحي، وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة البطالة إلى 6% وفق المكتب الاتحادي للإحصاء، ما يزيد التحديات التي تواجه الأفراد في ألمانيا.

وهو ما تحيله منظمات الرعاية الاجتماعية إلى سياسة الحكومة في نظام الضمان الاجتماعي الأساسي، معتبرة أنه لا يحمي من الفقر، مؤكدين على أن ما قدمته الحكومة وحتى الأحزاب السياسية لا يعدو كونه برنامجا انتخابيا ولا يقدم حلولا جذرية لمشكلة الفقر في ألمانيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version