الإغلاق الأخير لحقول النفط في ليبيا يرجع لأسباب تتشابه إلى حد كبير مع الأسباب التي دفعت إلى لإغلاقها في فترات سابقة منذ الإطاحة بالزعيم معمر القذافي، الذي حكم البلاد 42 عاما حتى عام 2011.

وبالنظر إلى التعقيدات الشديدة التي تحيط بهذا الوضع، من المحتمل أن يستغرق أمر الإغلاق الحالي وقتا طويلا قبل أن يتم التوصل إلى حل النزاع الحالي بين الأطراف الرئيسية المعنية في البلاد.

وفي مقاله نشرتها “أويل برايس”، أشار الكاتب سيمون واتكينز إلى أن ليبيا كانت قادرة على إنتاج نحو 1.65 مليون برميل يوميا من النفط الخام الخفيف عالي الجودة قبل الإطاحة بالقذافي.

وكان الإنتاج عند نحو 1.4 مليون برميل يوميا في عام 2000. ورغم أن هذا المستوى من الإنتاج كان أقل بكثير من مستويات الذروة التي بلغت 3 ملايين برميل يوميا والتي تحققت في أواخر ستينيات القرن الماضي، فإن المؤسسة الوطنية للنفط  كانت قد وضعت خططا قبل عام 2011 لتطبيق تقنيات الاستخلاص المعزز لزيادة إنتاج النفط الخام في الحقول الناضجة.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك اهتمام كبير من العديد من شركات النفط الدولية بالمشاركة في توسيع الإنتاج في الحقول الحالية واستكشاف حقول أخرى. وتشير التقديرات إلى أن ليبيا تمتلك 48 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة، مما يجعلها الأكبر في أفريقيا.

نزاع السلطة

وبعد الإطاحة بالقذافي، أدى الفراغ في السلطة إلى صراع بين فصائل متعددة تسعى للحصول على أكبر حصة من الثروة النفطية الضخمة. وبحلول عام 2020، برزت كتلتان رئيسيتان في الصراع، الأولى بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمركزة في الشرق الليبي، والأخرى تتألف من عناصر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا وتتخذ من العاصمة طرابلس في الغرب مقرا لها.

وخلال الفترة من 18 يناير/ كانون الثاني إلى 18 سبتمبر/ أيلول من 2020، شهدت ليبيا حصارا شبه كاملا لحقول إنتاج النفط، مما كلف البلاد تقديرات متحفظة تصل إلى 9.8 مليارات دولار من عائدات النفط المفقودة.

وبعد فترة من التوتر والنزاع، تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين لإنهاء الحصار. واشترط حفتر حينها توزيع عائدات مبيعات النفط بين الفصائل المتنازعة.

وأعلن بعدها نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني آنذاك، أحمد معيتيق، عن التوصل إلى اتفاق مبدئي لإنشاء لجنة تهدف إلى تحديد كيفية توزيع عائدات النفط بحلول نهاية عام 2020.

وأوضح الكاتب أنه لمعالجة الوضع الذي كانت فيه حكومة الوفاق الوطني تسيطر فعليا على المؤسسة الوطنية للنفط، وبالتالي على مصرف ليبيا المركزي الذي تُودع فيه الإيرادات النفطية، تم تكليف اللجنة أيضا بإعداد “ميزانية موحدة تلبي احتياجات كل طرف”، وتسوية أي نزاع حول مخصصات الميزانية.

كما كان من المتوقع من المصرف المركزي في طرابلس تغطية المدفوعات الشهرية أو الفصلية المعتمدة في الميزانية دون أي تأخير، وذلك فور أن تطلب اللجنة الفنية المشتركة.

ووفقا لمصدر قانوني مقيم في واشنطن ويعمل بشكل وثيق مع الإدارة الرئاسية في شؤون الطاقة، كانت المؤسسة الوطنية للنفط تعمل على “ترتيبات مصرفية بديلة لعائدات النفط” التي قد تشمل أو لا تشمل مدخلات من جهات إضافية غير حفتر وعناصر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة.

إغلاق متكرر

وأفاد الكاتب بأنه لم يتم العمل على تفاصيل هذه المسائل أو طرح أي أفكار بديلة منذ ذلك الحين. ونتيجة لذلك، تعرضت ليبيا لعمليات إغلاق متكررة لبعض أو كل حقولها النفطية، حيث كانت الأسباب المعلنة في كثير من الأحيان زائفة وتخفي في الحقيقة محاولات للاستيلاء على الأصول من قبل الفصائل المتحاربة المختلفة.

فعلى سبيل المثال، قبل الإغلاق الكبير الحالي، بدأ إغلاق أصغر في النصف الأول من أغسطس/ آب، الذي بدا أنه مرتبط باعتقال صدام حفتر، نجل اللواء خليفة حفتر، حيث تم احتجازه لفترة وجيزة في مطار نابولي بعد أن ظهر اسمه في قاعدة بيانات الاتحاد الأوروبي بسبب مذكرة توقيف صادرة في إسبانيا بتهمة تهريب أسلحة.

وجاء هذا في أعقاب تصريحات المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، الذي وصف البلاد بأنها أصبحت “دولة مافيا” تهيمن عليها عصابات متورطة في عمليات التهريب، خصوصا تهريب الأسلحة. وبالفعل، سافر حفتر في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تقدم قوات شركة فاغنر الروسية دعما لقوات حفتر في ليبيا. كما شهد مطلع يوليو/ تموز أيضا ضبط السلطات الإيطالية طائرتين مسيرتين عسكريتين صينيتي الصنع كانتا متجهتين إلى ليبيا، حيث تم تمويههما على شكل معدات توربينات هوائية.

وأضاف الكاتب أنه بعد مرور شهر، يأتي الإغلاق الحالي نتيجة إقالة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومقرها طرابلس محافظ مصرف ليبيا المركزي الصادق الكبير، ويعارض حفتر هذه الإقالة بشدة.

وفي 26 أغسطس/ آب، أفادت حكومة الاستقرار الوطني ومقرها بنغازي في الشرق، التي يهيمن عليها أتباع حفتر، بأنها ستطبق “حالة القوة القاهرة” على جميع الحقول والمحطات والمنشآت النفطية في الهلال النفطي والجنوب والجنوب الشرقي، وهذا يعني فعليا وقف إنتاج النفط في البلاد.

وبحلول نهاية الأسبوع الماضي، انخفض إنتاج ليبيا من النفط الخام بأكثر من 60% مقارنة بمتوسط 1.15 مليون برميل يوميا الذي كانت تضخه في يوليو/ تموز الماضي. وكانت المرة الأخيرة التي شهدت فيها ليبيا إغلاقا مماثلا بالصرامة نفسها هي إغلاق عام 2020 الذي استمر 8 أشهر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version