كان اجتياح المغول للعالم الإسلامي قضية شغلت ألباب كثير من المؤرخين في الشرق والغرب، وصار استقطاب العالم الإسلامي لهؤلاء الغزاة بمثابة اللغز الذي لم ير التاريخ له مثيلا؛ إذ أصبح الغزاة المحتلون جزءًا من العالم الإسلامي المُحتَل، وتحولوا من أعداء يحرقون ويقتلون ويخربون كل شيء في طريقهم، إلى أنصار ينافحون عن دار الإسلام، ويصبحون من أكبر دعاته ودعائمه.

في هذا السياق يأتي كتاب “المغول والعالم الإسلامي، من الغزو إلى اعتناق الإسلام” للمؤرخ المعروف بيتر جاكسون ليفسر هذا الحدث الضخم الذي تمثل باجتياح جماعات الرحل الأراضي التي تشكِّل حاليًا إيران والعراق وتركيا وأفغانستان، وكذلك آسيا الوسطى وأجزاء من أوروبا الشرقية.

والكتاب يسعى للإجابة على عدد من الأسئلة، أهمها: كيف استطاع المغول إخضاع هذه المساحة الشاسعة من الأراضي الإسلامية في غضون بضعة عقود فقط لسلطانهم؟ وما مدى الدمار الذي تركته حملات الغزو على الأراضي الإسلامية؟ وإلى أي مدى تفاقم الضرر بسبب الحروب اللاحقة بين خانات المغول المعادية؟ وكيف أثرت الهيمنة المغولية على الأمراء المسلمين الخاضعين لسلطانهم، ورعاياهم المسلمين على المستوى الشعبي؟ ومن أي منظور رأى هؤلاء الخاضعون الحكام المغول الكفار؟ وكيف توصل أفراد السلالة الجنكيزية وقادتهم العسكريون وأتباعهم المغول إلى الإسلام؟ وهل حدث تغيير في البنية الاجتماعية والفكرية؟ وما العواقب المترتبة على اندماج دار الإسلام في إمبراطورية عالمية وتأثير ذلك مع اتصالها الوثيق بحضارة الصين القديمة المعقدة وغير المسلمة ؟

والمؤلف بيتر جاكسون هو أستاذ فخري لدراسات تاريخ العصور الوسطى في جامعة كيل في بريطانيا، وله مؤلفات حول الحروب الصليبية، والعالم الإسلامي الشرقي، والمغول، ومن ضمن مؤلفاته كتاب بعنوان «المغول والغرب 1221-1410».

وكتابه ” المغول والعالم الإسلامي من الغزو إلى اعتناق الإسلام ” أصدرته مطبعة “جامعة ييل” في طبعته الإنجليزية الأولى في مايو/أيار 2017، وصدر الكتاب حديثا عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة في أكثر من 550 صفحة، بترجمة الدكتورة منى زهير الشايب أستاذة الآثار والحضارات القديمة بكلية الآداب جامعة القاهرة.

يقدِّم المؤلف نظرة تاريخية ملحمية حول غزو المغول لغرب آسيا وانتشار الإسلام خلال سنوات الحكم غير الإسلامي، مبينا أثر الحملات والمجازر المدمرة، لينقلب كل هذا بعد سنوات قليلة إلى الضد، ويتحول المغول إلى الإسلام دينيا، ويُحكِّمون شريعته في حياتهم العامة.

ويهدف الكتاب لبحث تأثير حملات جيوش تيموجين، المعروف باسم “جنكيز خان”، على العالم الإسلامي، وخلفائه الثلاثة الأوائل الذين قامت تحت حكمهم إمبراطورية المغول ( أو التتار كما يطلق عليهم غالبا). ومن ناحية أخرى دراسة طبيعة الحكم المغولي للمسلمين، وصولًا إلى تحول الخانات إلى الإسلام، وإرث الخضوع للوثنيين على المدى الطويل.

الكتاب أخذ على عاتقه تغيير الصورة التاريخية النمطية المعروفة عن المغول بأنهم همجيون متوحشون يفتقرون معالم الإنسانية والحضارة، وحاربوا الإسلام والمسلمين ونكلوا بهم، ويؤكد على أن هذه الصورة لا تمثّل سوى الجزء الأسود المظلم من سلوكهم الذي نقل عنهم، والتاريخ يشهد بأن قبيلة “القبجاق” المغولية التي تحولت لتصبح أشد المناصرين والمدافعين عن الإسلام بأبهى صوره الحضارية كان لها لمسات إبداعية.

والكتاب أخذ على عاتقه تغيير الصورة التاريخية النمطية المعروفة عن المغول بأنهم همجيون متوحشون يفتقرون معالم الإنسانية والحضارة، وحاربوا الإسلام والمسلمين ونكلوا بهم، ويؤكد على أن هذه الصورة لا تمثّل سوى الجزء الأسود المظلم من سلوكهم الذي نقل عنهم، والتاريخ يشهد بأن قبيلة “القبجاق” المغولية التي تحولت لتصبح أشد المناصرين والمدافعين عن الإسلام بأبهى صوره الحضارية كان لها لمسات إبداعية.

وعمل المغول وعلى رأسهم الخانات والأمراء والملوك على ترسيخ مظاهر الحضارة الإسلامية في المملكة الذهبية (خانية القبيلة الذهبية) كغيرها من البلاد الإسلامية، وحرصوا على توثيق كل ما هو إسلامي ذو طابع حضاري في تصرفاتهم وحياتهم العامة والخاصة.

خريطة نصف العالم

وحتى نعرف حجم هذه الإمبراطورية الشاسعة المترامية الأطراف، الممتدة عبر القارات الثلاث القديمة، يشير المؤلف إلى أن الكتاب عندما يذكر اسم إيران فهو لا يعني أذربيجان فحسب، بل يمتد إلى أقصى الشرق مثل نهر أموداريا (نهر أوكسوس) وجبال سليمان أو “كوة إي” الممتدة في أفغانستان، وبالتالي تشمل تركمانستان الحديثة ومدنا مثل هرات وغزنة/غزني (كلتاهما اليوم في أفغانستان)، وبناء على ذلك تشير كلمة خراسان إلى منطقة أكبر بكثير من المقاطعة الإيرانية الحديثة التي تحمل هذا الاسم، وتضم آسيا الوسطى هنا أراضي أريغا (كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان) من الجمهوريات الخمس الحديثة التي نالت استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في عام 1991، إقليم شينجيانغ الصيني (الإيغور المتمتعة بالحكم الذاتي)، وآسيا الداخلية (وتسمى أحيانا وسط أوراسيا) فلها معنى أوسع ولا تشمل هذه المناطق فحسب، بل تشمل أيضا منغوليا وجنوب سيبيريا، وأطلقت تسمية السهوب الأوراسية أخيرا على الأراضي العشبية الممتدة من حافة منطقة غابات منشوريا إلى الأنهار العظيمة التي تسقي أوكرانيا وما وراءها حتى نهر الدانوب السفلي.

وتتجاوز الدراسة التوثيق والتدوين المعروفين للمذابح والفظاعات والدمار إبّان حملات المغول، كي تصل لاستكشاف جوانب مختلفة لهذا الحدث الإمبراطوري الهائل، وتتفحص في العمق العواقب الثقافية على الأراضي الإسلامية، والتجربة الإسلامية للسيطرة المغولية وتحول الغزاة نحو اعتناق الدين الإسلامي.

وفي محاولة لإعادة الاعتبار لهذه الفترة الغامضة من التاريخ يقول المؤلف: إن التاريخ لم يكن سخيًا في العادة مع الجماعات الرحل، فقد اتجه المؤرخون إلى ترك القليل من البقايا الأدبية أو عدم ترك أي بقايا على الإطلاق، ولا يوجد شيء يذكر في المواد الأرشيفية، ولهذا اعتمدنا على كتابات جيرانهم المستقرين الذين كانوا ينظرون إليهم على أنهم غير متطورين وهمج، حيث الحكم الثابت على الرحل أنهم خارجون على القانون وجشعون؛ إذ تعتبر غزوات جماعة الرحل إعاقة للتطور السياسي والحضاري.

وفي إطار حركة التأريخ الحديثة حيث يتجه المؤرخون الغربيون لإبراز الانعكاسات الأكثر إيجابية لحكم المغول في المناطق الواسعة التي احتلوها من آسيا، يقول المؤلف: أتعاطف على نطاق واسع مع هذه الآراء للمؤرخين الجدد، إلا أنني أشعر بالقلق أيضا لتجنب التقليل إلى أدنى حد من صدمة الغزو المغولي، لاسيما الدمار سواء كان مؤقتا أو على المدى الطويل والذي صاحب الحملات في الغرب، وقد يكون هناك الكثير من المبالغات في أعداد الغزاة وأرقام الضحايا والأضرار التي لحقت بهم خاصة في المراكز الحضرية في شرق إيران، إلا أن هذا لا يعني أنه يجب التقليل من التأثير القاتم للغزوات المتتالية التي قامت بها الجماعات الرحل الوثنيون، الذين كان لديهم ما يطلق عليه تقنية حصار متفوقة، ولا يمكننا أن نتجاهل العواقب الاقتصادية والاجتماعية الضارة للضرائب الجشعة وغير الممنهجة خلال العقود الأولى من حكم المغول، وربما بعد ذلك، أو آثار القهر على يد قوة كافرة لأول مرة منذ قرون في إيران والعراق، على ما يمكن تسميته بشكل فضفاض بالنفسية الإسلامية الجماعية. وبعبارة أخرى فإن هذا الكتاب يتميز إلى حد كبير بتركيزه على المواطن المسلم بدلا من الحاكم الكافر، بحسب المؤلف.

ومن ناحية أخرى فقد أبرز المؤلف دور الحكام المسلمين العملاء الذين مشوا في ركاب المغول وساندوهم بقواتهم لتعزيز القدرة العسكرية لآلة الحرب المغولية، وتسهيل إخضاع إخوانهم في الدين سلميا أو عسكريا، فقد كان جيش جنكيز خان يضم أعدادا كبيرة من القوات المسلمة، وكان هذا الأمر أكثر وضوحا بعد 40 عاما، عندما تحالفت قوات كبيرة تابعة لبعض الأمراء المسلمين من إيران والعراق والأناضول حيث قام هذا التحالف بقيادة هولاكو بمهاجمة الخلافة وإسقاطها.

القبيلة التي حكمت العالم

وأفرد الكتاب فصلا كاملا لدراسة واقع الدول الإسلامية التي قبعت تحت سيطرة المغول، مشيرا في ذلك إلى أن الدراسة تجاوزت عصر الإمبراطورية الموحدة، لدراسة الخانات المنفصلة، حيث انقسم العالم المغولي في أوائل ستينيات القرن الـ13، في غضون بضع سنوات فقط من إسقاط هولاكو للخلافة، حيث برزت الدولة الإيلخانية في إيران والعراق، وخانية جغطاي في آسيا الوسطى، وشكل المسلمون منذ البداية أغلبية، أما الدولة الثالثة، وهي المعروفة لدى المؤرخين باسم خانية القبيلة الذهبية في سهول بونتياك وقزوين وغرب سيبيريا، لم تكن الحال كذلك، واستغرقت الأسلمة وقتا أطول، ولكن في كل الأحوال اعتنق الحكام الجنكيزية وأتباعهم المغول الإسلام في أوقات مختلفة، وفي الصين الحالية ومنغوليا وشرق آسيا الوسطى، حيث أراضي إمبراطورية “يوان” التي حكمها الخانات الكبار (الخاقان) حيث انتصرت البوذية وبقيت فيها الأسلمة محدودة إلى حد ما.

وبدأ انقسام الإمبراطورية المغولية بوفاة القائد “مونكو خان” عام 1259م، ولم يكن له وريث شرعي، مما أدى إلى نشوب صراع داخلي بين أفراد عائلة “تولي خان” على لقب الخان، وتفاقم الوضع حتى أفضى إلى حرب أهلية، وأدت تلك الحرب الأهلية، إلى جانب حرب “بركة – هولاكو”، وحرب ” كايدو – قوبلاي” التي تلتها، إلى ضعف سيطرة الخان الأكبر على الإمبراطورية المغولية، ومن ثم تحطمت الإمبراطورية إلى عدة خانات مغولية ذاتية الحكم وهي : خانة القبيلة الذهبية في الشمال الغربي، وخانة “جغطاي” في المنتصف، والدولة “الإيلخانية” في الجنوب الغربي، و”مملكة يوان” في الشرق، المتمركزة فيما يعرف في العصر الحديث بمدينة بكين. وبالطبع سعت كل خانة من الخانات الأربع وراء مصالحها وأهدافها الخاصة، وسقطت كل خانة منها في أوقات مختلفة، بحسب المترجمة.

ويستعرض الكتاب المصادر الرئيسية المكتوبة، وهي في معظمها من أعمال الكتاب المسلمين السُنة، واثنين من الكتاب الشيعة، معتمدًا على أعمال كُتاب القرنين الـ13 والـ14 الذين كتبوا بالفارسية والعربية، وكتابات أخرى قليلة باللغتين اللاتينية والفرنسية القديمة، ويعرض لكتابات مؤرخين ثقاة أمثال الجويني الذي شغل منصب المحافظ الإيلخاني لبغداد، ورشيد الدين الذي شغل رئيس وزراء الإيلخانية لأكثر من عقدين.

وكان المؤرخون العرب والمسلمون متوافقين على تسمية المغول بـ”الأتراك ” مثلما فعل الجوزجاني، وكذلك ابن الأثير فكان يطلق على التتار بأنهم مجموعة من الأتراك، وكان أول من ذكر الهجوم المغولي على غرب آسيا مؤرخ مسيحي قبطي من مصر.

واستطاع المؤلف أن يمهد لبدايات العلاقات بين المسلمين وجماعات الرحل من المغول من خلال مسح حيوي للعلاقات حتى عشية هجمات المغول (بين دار الإسلام وجماعات الرحل في السهوب الأوراسية)، ومعظمهم من الشعوب التي بقيت من أنقاض إمبراطورية الأتراك السابقة في القرنين السادس والسابع.

اجتياح البدو الرحل

وعشية هجمات المغول الأولى، شهد العالم الإسلامي تدفقات جماعية للبدو الرحل كغزاة وحلفاء بعد ما اعتنقوا الاسلام حديثا وعلى مدار العقود الثمانية السابقة، وتكيفوا مع خضوعهم للمسلمين، ومع ذلك لم تستطع دولة “قرة خيتاي” (القراخطائية) -وريثة سلالة حكمت أجزاء من شمال الصين لأكثر من قرنين واستوعبت الثقافة الصينية إلى حد كبير ودخلت في علاقات قوية مع المسلمين- أن تحذر المسلمين في بلاد ما وراء النهر وخوارزم وإيران وأفغانستان بقدوم مغول جنكيز خان.

ولن نستطيع حصر فترة الغزوات التي امتدت حتى عام 1260م والتي يفصلها الكتاب في فصول ثلاثة متوالية، في حين يركز المؤلف على عصر الإمبراطورية المنقسمة بعد ذلك التاريخ، ويفصل الكاتب قصة التوسع المغولي في الفصل الثالث حتى عام 1252م مع تبيان الغزو الهولاكي لجنوب غرب آسيا خلال خمسينيات القرن الـ13 الميلادي.

أما إدارة الإمبراطورية المعقدة تحت حكم الخاقانات من أوقطاي (129 – 1241) إلى مونكو (1251- 1259) وتوزيع أراضي الإقطاعات بين أفراد أسرة جنكيز خان خلال عصر هولاكو و الدولة الإيلخانية التي أسسها فقد شغلت هذه الأحداث الفصل الرابع من الكتاب.

وفي الفصل الخامس من الكتاب سلط الضوء على التوترات والانقسامات داخل النظام الإمبراطوري وبين الجنكيزية أنفسهم، مهيئا المشهد للأقسام الأخيرة التي تبحث في الطبيعة التخريبية لإنشاء هولاكو الإيلخانية، وتعامل معها على أنها مرحلة متكاملة في تفتيت الإمبراطورية المغولية في الأعوام (1260 – 1262).

أما الفصل السادس فقد خصصه المؤلف لبحث مقدار الدمار الذي لحق بدار الإسلام بسبب الغزوات، وكيف حدث التعافي قبل عام 1260م بسبب المبادرات المحلية وتحريض الحكام المغول.

ويبحث الكتاب في فصله السابع حول كيفية تأثير الصراعات بين الدول التي نشأت بعد عام 1260م، والأنشطة المضطربة لمختلف مجموعات الرحل داخل هذه الدول على الاقتصاد الزراعي والحضري للعالم الإسلامي، حيث عاثت به الغزوات المغولية تدميرا وتهجيرا قسريا، لأعداد كبيرة من المسلمين وغير المسلمين. ونتيجة لهذا التشتت، أدخلت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي في علاقة وثيقة بشكل ملحوظ مع أجزاء أخرى من أوراسيا، وبالطبع الصين وأوروبا اللاتينية أيضا، فيما يحاول الكتاب خلال الفصل التالي أن يبحث أعراض هذه العملية المحسوسة في مجالات الفنون البصرية والتجارة والمعرفة التقنية

ويبحث الكتاب في فصله السابع حول كيفية تأثير الصراعات بين الدول التي نشأت بعد عام 1260م، والأنشطة المضطربة لمختلف مجموعات الرحل داخل هذه الدول على الاقتصاد الزراعي والحضري للعالم الإسلامي، حيث عاثت به الغزوات المغولية تدميرا وتهجيرا قسريا، لأعداد كبيرة من المسلمين وغير المسلمين. ونتيجة لهذا التشتت، أدخلت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي في علاقة وثيقة بشكل ملحوظ مع أجزاء أخرى من أوراسيا، وبالطبع الصين وأوروبا اللاتينية أيضا، فيما يحاول الكتاب خلال الفصل التالي أن يبحث أعراض هذه العملية المحسوسة في مجالات الفنون البصرية والتجارة والمعرفة التقنية.

ويأتي بعد ذلك تفصيل المؤلف غزوات جنكيز خان باتجاه الغرب على مدى 80 عاما تقريبا، ثم غزوات هولاكو لحوالي 40 عاما، ثم يتبع ذلك بتأثير هيمنة المغول الوثنية، متناولا في الفصل التاسع الحكام المسلمين المحليين الذين احتفظوا بعروشهم مقابل الولاء المطلق للمغول، مشيرا إلى الالتزامات التي يفرضها الغزاة للأنظمة الخاضعة لهيمنتهم، ويلقي الضوء على العلاقة المحفوفة بالمخاطر أحيانا بين خدم المغول من المسلمين وبين الخانات من الوثنيين والقادة العسكريين وبين زملائهم من غير المسلمين، وهنا يتتبع الكتاب ميزان القوى المتغير بين كبار المغول والمسؤولين المدنيين الطاجيك (التاجيك)، ويحقق إلى أي مدى كانت هذه الكوادر الحاكمة المتباينة والمتداخلة في شئون الحكم.

إسلام المغول

ويستكشف الفصلان الـ12 والـ13 أسلمة المغول، حيث أظهر الكتاب هذه التحولات الملكية بشكل بارز، فقد رأوا في حدث قبول الخان غازان للإسلام (1295م) تحولا فاصلا، وبداية في التحول النهائي للتوجه الديني للدولة، في حين أن الواقع يظهر أن الملوك الذين اعتنقوا الإسلام قد ساروا على خطى أعداد كبيرة داخل مؤسساتهم العسكرية، وأن الأسلمة كانت عملية طويلة وأحيانا متقطعة.

كان أبو المعالي ناصر الدين (بركة خان) وهو الابن الرابع لجنكيز خان، واسمه قبل الإسلام “جوجي”، أول من أسلم من حكام المغول، وكان مغول الشمال “القبجاق” (القبيلة الذهبية) السباقين إلى الدخول في الإسلام متقدمين على بقية القبائل المغولية، وبإسلامه دخل كثير من مغول الشمال الإسلام

وكان أبو المعالي ناصر الدين (بركة خان) وهو الابن الرابع لجنكيز خان، واسمه قبل الإسلام “جوجي”، أول من أسلم من حكام المغول، وكان مغول الشمال “القبجاق” (القبيلة الذهبية) السباقين إلى الدخول في الإسلام متقدمين على بقية القبائل المغولية، وبإسلامه دخل كثير من مغول الشمال الإسلام. وأصبحوا لبنات قوية في المجتمع الإسلامي فنشروا الدين ونصروه بعد أن كانوا معاول هدامة له.

ومع هذا التحول الذي يعد فاصلا في تاريخ الدولتين المغولية والاسلامية، أولى بركة خان، اهتمامه للحياة العلمية والثقافية في مملكة القبجاق فأنشأ المساجد والمدارس والزوايا في جميع أرجاء البلاد، وقرب العلماء والفقهاء منه، حتى إن المؤرخ الفرنسي والطبيب غوستاف لوبون قال “هؤلاء الهمج المتوحشون الذين هدموا الآثار والشواهد، وأحرقوا الكتب والمكتبات وأراقوا الدماء، وخربوا بغداد وعاثوا فيها فسادا هم أنفسهم الذين تحضروا لاحقا في مدرسة العرب والإسلام وأخذوا بعجائب الحضارة العربية والإسلامية، وأصبحوا من أشد حماتها، بعد أن تبنوا دينهم وحضارتهم، وقربوا إليهم علماءهم وأقاموا في الهند إمبراطورية قامت على عناصر هذه الحضارة العربية الإسلامية ومنجزاتها”.

يبحث المؤلف في فصله الـ12 أنماط التحول ومشاكل المفاهيم، لاسيما التساؤلات المراوغة عن جاذبية الإسلام للمغول الرحل في غرب آسيا، والوسائل التي نقلت العقيدة الجديدة إليهم، ويناقش تحول المغول العاديين والأستقراطية المغولية، ويتمم الأسلمة في الفصل الـ13 حيث يسلط الضوء بشكل أساسي على تحول خانات بعينها، والتغيرات والتأثيرات التي أعقبت هذه التحولات في العقيدة، وإلى أي مدى على وجه الخصوص حيث تشكلت السياسات اللاحقة لهؤلاء الحكام انبثاقا من عقيدتهم الجديدة

ويبحث المؤلف في فصله الـ12 أنماط التحول ومشاكل المفاهيم، لاسيما التساؤلات المراوغة عن جاذبية الإسلام للمغول الرحل في غرب آسيا، والوسائل التي نقلت العقيدة الجديدة إليهم، ويناقش تحول المغول العاديين والأستقراطية المغولية، ويتمم الأسلمة في الفصل الـ13 حيث يسلط الضوء بشكل أساسي على تحول خانات بعينها، والتغيرات والتأثيرات التي أعقبت هذه التحولات في العقيدة، وإلى أي مدى على وجه الخصوص حيث تشكلت السياسات اللاحقة لهؤلاء الحكام انبثاقا من عقيدتهم الجديدة.

ولا ينتهي الكتاب قبل بحث الدولة الإيلخانية، وكذلك تجربة المسلمين من جميع الطبقات الاجتماعية تحت حكم المغول الوثنيين من خلال بحث أطر الضرائب والقانون والحرية الدينية، لافتًا النظر إلى مجموعة متنوعة من الإجراءات القمعية التي اتخذها الغزاة، لاسيما تلك المنصوص عليها في قانون المغول (الياسا) والعرف (اليوسون)، مشيرا إلى ما اعتبره المسلمون خروجا صارخا غير مرحب به عن ممارسات حكامهم قبل المغول

ويختتم الكتاب ببحث تأثير حكم المغول الوثنيين على العالم الإسلامي على المدى الطويل، مرورا بالقرن الـ16 ولغاية القرن الـ19، حتى في تلك الأقاليم التي أصبحت فيها السيادة الجنكيزية في ذلك الوقت حبرا على ورق.

وفي مجال فن الحكم والمؤسسات الحاكمة كانت من أكبر الاهتمامات التي أولاها أمير الحرب التركي المغولي تيمورلنك (الأعرج) اهتمامه -وهو الذي سمه نفسه سيف الإسلام- بإعادة إنشاء إمبراطورية جنكيز خان من مركز قوته في آسيا الوسطى بين عامي (1370،وحتى وفاته 1405م)، لكنه اهتم بالحكم باسم “ظل” جنكيز خان.

وكانت هناك مرحلة أخرى تتمثل في إعادة شعوب الأوزبك لحكم جنكيز الفعلي في بلاد ما وراء النهر، وقد أطاحوا بخلفاء تيمور في الفترة ما بين (1500 – 1507م)، ثم جاء الكازاخ في محاولة جيدة لإطالة حكم جنكيز خان مما دفع محرري تاريخ كامبردج إلى تسمية هذه المرحلة بـ(العصر الجنكيزي).

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version