في كتاب “أربعة أغبياء في سوريا”، يروي الكاتب الفرنسي كريستوف دونر رحلة غريبة إلى سوريا قام بها وفد فرنسي لحضور مهرجان للفروسية، كان الهدف منها الترويج للنظام الحاكم في سوريا في وقت تشهد البلاد ثورة عارمة راح ضحيتها الملايين بين قتيل ونازح ومشرد ولاجئ.
وفي عرضها لهذا الكتاب، قارنت صحيفة لوموند الفرنسية هذه الرحلة برحلة أخرى للصين عام 1974 قام مثقفون فرنسيون بينهم الكاتب والناقد رولان بارت (1915-1980) الذي كتب عند عودته مقالا بعنوان “والآن ماذا عن الصين؟” لم يبين فيه شعوره الحقيقي، قبل أن يكشف دفتر ملاحظاته التي نشرت عام 2009 عن مدى الاشمئزاز الذي انتابه هناك.
يوميات الغثيان
وتقول الصحيفة إن دونر يعود بعد 45 عاما من رحلة شبيهة برحلة بارت، ولكنه لا يكتفي بكتابة مقال نظري، بل يختار التوجه مباشرة إلى كتابة “يوميات الغثيان” هذه، بعد أن سافر لسوريا مع ثلاثة فرنسيين آخرين، وتنقلوا بصحبة عميل للنظام.
وعلقت الصحيفة بأن دونر لم يكن مختلفا كثيرا عن بارت، ولكنه مع ذلك لا يشعر بأي ندم، وإن كان يدرك أنه تم التلاعب به، حيث أوضح أن عميل النظام الذي رافقهم من الأماكن إلى الحفلات، قام هو ورفاقه في السابق بتنظيم أكثر من رحلة من هذا النوع من أجل الترويج للنظام السوري.
مهرجان الفروسية بدمشق
ومع الحفاظ على روح الفكاهة النزقة، فإن التورية تعطي هذا الكتاب عمقه الإنساني، وبعده الشرير وقوته في الإبانة عن الحقائق، إذ استطاع الكاتب إلقاء الضوء على “التلاعب” الذي تعرض له “الوفد الفرنسي” الغريب الذي يرأسه كاتب آخر هو جان لويس غورو الشغوف بعالم الفروسية.
وقالت الصحيفة إن الدعوة قدمها عراب النظام عدنان عزام الذي تتمثل مهمته في تجنيد “أصدقاء” لسوريا في مهرجان الحصان الكبير الذي يقام بدمشق، والذي تولى مهمة مرافقة الزوار الفرنسيين الأربعة، محاولا إقناع مواطنيه بأن جان لويس غورو هو حفيد الجنرال غورو (1867-1946) الذي قاد الجيش الاستعماري وكان المفوض السامي السابق للجمهورية الفرنسية في سوريا.
ويكرر عزام على أذن كل من يريد أن يسمع أن حفيد الجنرال غورو -الذي لم ينجب ولدا قط في حياته- جاء للاعتذار للشعب السوري.
رداءة محبطة
وأشار الكاتب إلى أن عزام يمكنه تقديم غورو كأكبر كاتب فرنسي يمكنه التحدث “نيابة عن ملايين الأوروبيين والفرنسيين الذين يعتبرون أن سوريا هي مهد الحضارة”، ويمكنه أن يقول أي شيء آخر لأن ضيوفه لا يعرفون كلمة عربية واحدة.
ويعلق الكاتب بأن فندق شيراتون دمشق الذي أقاموا فيه جيد، وأن الأمور تمت بشكل جيد، لدرجة أن الحرب ليست محسوسة في أي مكان لا في المحادثات ولا في التلفزيون، رغم قتل قرابة نصف مليون شخص وتشريد أكثر من مليون ونصف منذ عام 2011.
غير أن “الوفد الفرنسي” الذي جاء لحضور مهرجان الفروسية -كما يقول الكاتب- لن يعرف شيئا، أو لا يريد أن يعرف شيئا عن تلك الحرب، أو سيتظاهر بأنه لا يريد أن يعرف ذلك.
يقول دونر، الذي يقدمه عزام بأنه “واحد من أشهر كتّاب كتب الأطفال في العالم”، إن “هذه هي ميزة الدكتاتوريات، حيث تمنع الشرطة السياسية الأجانب من أي نوع من الاتصال بالسكان المحليين”.
ويختم قائلا “إن الأمر لا يطاق لو اعتقدنا أن عدنان عزام شخص حقيقي، بل سنرغب في أن نصفعه، لكن بمجرد أن نفهم أنه شخصية مسرحية، سنحبه، لأنه يضحكنا كثيرا”.
وحسب دونر، فإن عزام يجسد بعض الحقائق في هذا الزمن، مثل كون التصدر أصبح عنوانا للإرادة، والهذيان وسيلة للهيمنة، والنرجسية أداة للخضوع، مما يعني باختصار تفاهة عصرنا.