في مدينة دومة الجندل بصحراء الجوف السعودية، يجد العابر على الطريق الدولي بعضا من المضايف التي أقامها البعض لاستقبال المارة وتقديم الطعام والشراب لهم كنوع من الحفاظ على أخلاق البادية.

ولا تتميز المدينة بأخلاق الأجداد فحسب، بل تمتلك أيضا تاريخا عريقا يزينه جمال الطبيعة، وهو أمر يتجلّى في قلعة “مارد” التي يعود تاريخها للقرنين الأول والثاني الميلاديين.

بُنيت هذه القلعة على ربوة صخرية من حجر الجندل المنحوت، الذي تستمد المدينة اسمها منه، وهي تطل على بقايا حي الدرع وبقايا بيوت حجرية غابرة كانت من أوائل أسواق العرب ذات المكانة الثقافية والاقتصادية قبيل الإسلام. وقد عثر الباحثون على خزفيات نبطية ورومانية.

ويجد الزائر في قلعة مارد أبنية وحصونا وأبراج مراقبة تمكن الموجود بالداخل من مراقبة المحيط الخارجي. وقد بني المكان بطريقة هندسية جعلت القلعة قادرة على صد الغزاة.

وتنقسم القلعة إلى قسمين، أحدهما للسكن والإدارة، والآخر للمراقبة والدفاع، وهي محاطة بأبراج مخروطية من كل الجهات ويتطلب الصعود إلى سطحها قطع سلم من ألف درجة بنيت بشكل حلزوني.

تراث إسلامي

وللتراث الإسلامي بصمة أيضا في دومة الجندل، فإلى الجنوب من قلعة مارد، يقع مسجد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمئذنته الأولى في الإسلام.

ويعد هذا المسجد من أهم المساجد التاريخية في المملكة العربية السعودية؛ فهو يحمل اسم عمر بن الخطاب الذي تقول الروايات إنه أمر ببنائه فور عودته من فتح القدس عام 637 ميلادي.

وسيجد المتأمل في شكل المسجد المستطيل أنه استحضر تصميم وتخطيط المساجد الأولى في الإسلام، وهو يتكون من محراب ومنبر ومصلى وخلوة، أي مكان الصلاة في الشتاء.

وتبدو دومة الجندل وكأنها ملتقى الحضارات على مر الأزمان، حيث تصطف فوق أرضها صفحات التاريخ لتروي حكايات أقوام طواهم الزمن لكن آثارهم لا تزال باقية.

عادات الآباء

وتعتبر ثقافة “المشب” واحدة من أجمل العادات التي توارثتها الأجيال الحالية من الأجداد. وهو مكان قديم من الطين يجتمع فيه الناس حول نار الحطب ليتشاركوا الأحاديث والقصص، وليناقشوا القضايا.

وتمتلك كل عائلة بدومة الجندل مشبًّا خاصا بها، حيث يجتمع الرجال خلال فترة الصيف من بعد صلاة العصر وحتى الليل. ورغم تطور شكل المشب ومعماره، فإن الجوهر ظل واحدا لم يتغير.

وداخل هذا المكان، يجد الزائر أسلحة وأواني قديمة ورثها أصحاب المشب عن آبائهم وأجدادهم الذين كانوا يستخدمونها ربما قبل مئات السنين.

وبسبب وفرة المياه وجوة التربة والمناخ، يتجه غالية السكان للزراعة. وحتى من لا يمتهنون الزراعة يزرعون ما يحتاجونه للاستهلاك الشخصي.

ومن بين هؤلاء أبو عبد الله، الذي يزرع مساحة من الأرض للاستهلاك الشخصي ولاشتمام رائحة أبيه الذي ورث عنه الأرض، كما يقول.

ويمثل أبو عبد الله نموذجا لبعض من لم تغرهم الحداثة وتدفعهم لهجرة القديم والانغماس في الحياة الجديدة، فقد حافظ على كل مظاهر القديم في حياته بما في ذلك الخيل والزرع والخيمة التي تجمع رجال القبائل للسمَر وشرب القهوة المصنوعة على نار الحطب.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version