صدر مطلع فبراير/شباط الجاري كتاب “حماس: فصول لم تكتب” من تأليف الدكتور عزام سلطان التميمي.

وهذا الكتاب هو نسخة معربة، مع قليل من التعديل، عن الكتاب الذي صدر في لندن عن دار هيرست للنشر في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2006 باللغة الإنكليزية بالعنوان نفسه “Hamas: Unwritten Chapters” أي: “حماس: فصول لم تكتب”.

يبين المؤلف دافعه إلى تأليف الكتاب باللغة الإنكليزية ابتداء وأنّ ذلك بسبب الحاجة إلى كتاب يتناول هذه حركة حماس المتنامية بسرعة ويتتبع مراحل تطورها. وعلى الرغم من صدور عدد من الكتب عن حركة حماس باللغة الإنكليزية، إلا أن معظم هذه الكتب، باستثناء الكتاب الذي ألَّفه خالد الحروب بعنوان “حماس: الفكر السياسي والممارسة”،  يغلب عليها أنها تعبر عن وجهة نظر إسرائيلية، وتستقي معلوماتها من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية؛ ولهذا يرى المؤلف أنّه كان من الضروري تزويد قرّاء الإنكليزية حول العالم برواية صادقة وموثقة تعتمد على المصادر الأولية المتمثلة بأدبيات حركة حماس وتصريحات زعمائها ورواياتهم هم أنفسهم لمراحل نشأتها وتطورها، خلوصا إلى تحليل علمي نزيه للعوامل والأحداث التي أدت إلى صعود حركة حماس، وانتشار قاعدة نفوذها في زمن قياسي، واستئثارها بثقة ودعم أعداد متزايدة من الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، وفوزها باحترام وتقدير وتعاطف الغالبية العظمى من العرب والمسلمين حول العالم.

ويذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أحد أهم أهدافه من تأليف الكتاب إذ يقول: “لقد كان الهدف الأساسي من إصدار كتاب “حماس: فصول لم تكتب” باللغة الإنكليزية هو الإسهام في سدّ ثغرة طالما وُجدت في الأدبيات العالمية المعاصرة حول حركة حماس، وتقديم سرد صادق لتاريخ الحركة، وإجراء تحليل دقيق للقيم والمبادئ التي تؤمن بها حتى يتسنى للقراء التمييز بين ما هو أساسي وما هو هامشي، في فكرها وممارستها، ولا يكون ذلك إلا من خلال دراسة ما صدر عن قادتها ومنظريها من مواقف وتصريحات عبر السنوات.

ويسلط الكتاب الضوء على كيفية مواجهة حماس للتحديات التي واجهتها، وكيفية تعاطيها مع الأصدقاء والخصوم، وقدرتها على التعافي من النكسات القاتلة التي يبدو أنها لا مفر منها تماما. كما يتطرق الكتاب إلى العوامل التي تحولت بسببها حركة حماس بنظر العديد من الفلسطينيين إلى بديل مُقنع سَحب بساط الشرعية عن رموز الكفاح السابقة، وبالذات عن حركة فتح التي شكَّلت العصب الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، واحتكرت العمل الوطني الفلسطيني والنطق باسم الفلسطينيين لعقود متعاقبة قبل أن تولد حماس.

يختلف هذا الكتاب عن غيره مما أُلِّف عن حماس بأنه لا يحصر النقاش عن الحركة في السياق المحلي والإطار الإسرائيلي فقط، بل يضعها في سياق عالمي أشمل. فحماس ظاهرة عربية إسلامية، يرى المنتمون إليها من أبناء فلسطين بأنهم الضحايا المباشرون للمؤامرة التي حاكها نظام عالمي جائر، والمتمثلة بإقامة “دولة يهودية” في قلب الأراضي العربية والإسلامية. ومن هنا تأتي رؤية منتسبي حركة حماس للإسرائيليين، فهؤلاء دخلاء وغزاة، اغتصبوا من شعبهم أرضه وطردوه من دياره، واضطهدوا أبناءه جيلا بعد جيل. وفي حين أن أنشطة حماس تهتم في المقام الأول بالأمور المحلية، إلا أن لها آثارا وعواقب إقليمية وعالمية. فالنضال ضدّ إسرائيل هو واحد من عناصر متعددة تتضافر معا لتشكل فكر الحركة وتوجّه مسار فعالياتها، ولكنه ليس العنصر الوحيد بأي حالٍ من الأحوال. فحماس التي تعود في جذورها إلى حركة الإخوان المسلمين، خرجت من رحم مشروع اجتماعي دافعه العمل الخيري والإحسان”، بحسب المؤلف.

ولقد قسم الدكتور عزام التميمي كتابه الصادر بالعربية إلى 10 فصول على النحو الآتي:

الفصل الأول ويحمل عنوان: البدايات

وفيه يستعرض الكاتب الظروف التي أدت إلى ولادة حركة حماس بين يدي انتفاضة عام 1987. كما يتطرق البحث في هذا الفصل إلى تطورات الأحداث التي شهدها العقدان اللذان سبقا ولادة الحركة. فمنذ سنة 1967 وحتى سنة 1977 كان الإخوان في فلسطين منشغلين بترتيب أوضاعهم الداخلية، وتوحيد صفوفهم سعيا لاستعادة بعض ما فقدوه من قوة على الأرض لصالح الحركات الوطنية العلمانية التي اكتسبت شعبيتها من تصدرها للمقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. وفي داخل فلسطين، كانت قيادة الإخوان المسلمين تواجه تحدّيا لاتخاذ موقف ضد الاحتلال الإسرائيلي. أما خارج فلسطين، فقد لعبت الحركة الطلابية الفلسطينية، وخصوصا في مصر والكويت، دورا مهما في “تثوير” الفكر الحركي داخل حركة الإخوان الفلسطينيين.

الفصل الثاني وجاء بعنوان: “من الدعوة إلى الجهاد”

ويستكمل التميمي فيه قصة الإخوان الفلسطينيين ابتداءً من سنة 1977، وهي السنة التي بدأ فيها إخوان فلسطين بالتخطيط لإطلاق مشروع المقاومة الخاص بهم، والذي أبصر النور بعد 10 سنوات من ذلك التاريخ، أي مع اندلاع الانتفاضة. شهد ذلك العقد ولادة المؤسسات الرئيسة، مثل المجمع الإسلامي والجامعة الإسلامية اللذين وفَّرا للمجتمع الفلسطيني خدمات أساسية في المجالات الاجتماعية والطبية والتعليمية، ولعبا دورا مهما في تعزيز مكانة الحركة على المستوى الشعبي.

أما الفصل الثالث فجاء تحت عنوان: “حرب شاملة”

وفيه يستعرض الكاتب أهم الأحداث التي أثرت على حركة حماس بعد تأسيسها، وذلك ابتداء من تداعيات الأيام الأولى لاندلاع الانتفاضة، وحتى إعلان التوصل إلى “اتفاق أوسلو” (Oslo Agreement) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل سنة 1993.

وجاء الفصل الرابع حاملا عنوان: إلى الأردن

يحكي هذا الفصل قصة انتقال قيادة حركة حماس إلى الأردن بعد غزو صدام حسين للكويت سنة 1990.

ويعالج هذا الفصل أيضا، بشيء من التفصيل، تطورين آخرين، أما الأول فتوقيف موسى أبو مرزوق، أحد قادة حماس، في “مطار كينيدي” (Kennedy Airport) في نيويورك واحتجازه فيما بعد، الأمر الذي لم يترك أمام الأردن خيارا سوى استعادته بعد سنتين من الاحتجاز، وأما الثاني فاتساع هوة الخلاف بين قيادة حماس وقيادة إخوان الأردن.

أما الفصل الخامس فهو بعنوان: محاولة اغتيال مشعل

يسرد هذا الفصل قصة محاولة الاغتيال الإسرائيلية الفاشلة التي تعرض لها أحد قادة حماس، خالد مشعل، وتأثيراتها على كل من حماس والأردن ثم ما تبعها من تطورات العلاقة بين حماس والأردن.

أما الفصل السادس فقد حمل عنوان: الخروج من الأردن

يسرد الأحداث التي أدت إلى إخراج حماس بشكل كامل من الأردن، وتفاصيل انتقال القيادة إلى سوريا.

وجاء الفصل السابع بعنوان: أيديولوجية التحرير عند حركة حماس

يناقش الكاتب في هذا الفصل موقف حماس من اليهود و”دولة إسرائيل”، كما يتطرق إلى الوسائل العسكرية التي تلجأ إليها الحركة في مقاومتها للاحتلال وخصوصا العمليات الاستشهادية. ويتناول الفصل بالتحليل التطورات المهمة التي طرأت على خطاب حماس السياسي حول هذه القضايا وغيرها منذ صدور ميثاق الحركة سنة 1988، وخصوصا أن ميثاق الحركة ما فتئ يسبب لها حرجا على الساحة الدولية، حيث استشهد به خصوم حماس ومنتقدوها أكثر مما استشهد به المتحدثون باسمها. ويسعى المؤلف في هذا الفصل إلى إثبات أن الميثاق لم يعكس يوما بدقة فلسفة الحركة أو وجهة نظرها السياسية. وفي النهاية، يتطرق الفصل بشيء من التفصيل إلى مفهوم الهدنة أو اتفاق وقف إطلاق النار الذي عرضته حماس على الإسرائيليين منذ سنة 1994.

أمّا الفصل الثامن فجاء بعنوان: “الجهاد والاستشهاد”

يتناول التميمي في هذا الفصل النقاش الدائر حول قضية الاستشهاد في إطار الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، والأمر ذو علاقة مباشرة بحماس التي يلجأ جناحها العسكري من حين لآخر إلى استخدام “العمليات الاستشهادية” كسلاح في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. فيبدأ الفصل بشرح مفهومي الجهاد والقتال ويضعهما في سياقهما التاريخي، ثم يستعرض من بعد تطبيقاتهما في الحياة الإسلامية المعاصرة مستنتجا أن الجدل حول هذا الموضوع ذو طابع سياسي لا فقهي.

ثم يأتي الفصل التاسع بعنوان: حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية

يركز هذا الفصل على موقف حركة فتح، المنافس الأساسي لحماس على الساحة الفلسطينية، من حركة حماس. ويستعرض التميمي كيف رأت فتح منذ البداية -والتي كانت احتكرت أيضا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وتولت فيما بعد قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية- في حركة حماس خطرا داهما عليها، وبالتالي حاولت بعدة طرق أن تقوض حماس أو على الأقل أن تهمشها.

أمّا الفصل العاشر فيأتي بعنوان: نحو انتفاضة ثالثة

يستهل الفصل بالحديث عن تداعيات وفاة ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ثم يتطرق إلى التطورات التي أدت إلى إجراء انتخابات المجلس التشريعي في يناير/كانون الثاني 2006 وتداعيات الفوز الكاسح الذي حققته حركة حماس، كما يستعرض بعض الإجراءات التي لجأ إليها خصوم حماس بما في ذلك الإسرائيليون والأميركان وبعض قادة فتح في محاولة منهم لإرغام الحركة على التخلي عن قيادة السلطة الفلسطينية التي آلت إليها بعد أن خسرتها فتح ديمقراطيا.

ويمثل الكتاب إضافة نوعية جديدة في الحديث عن حركة حماس التي ما تزال الحاضر الأبرز في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فلا يستغني عنه باحث في الشأن الفلسطيني أو مرتاد المعرفة في شؤون الحركات الإسلامية في عالم اليوم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version