لحق فيلم “المتحولون واحد” (Transformers One) متأخراً بموسم الصيف السينمائي، إذ طُرح في دور العرض بعد عودة الطلاب إلى مدارسهم وفقد بالتالي جمهوره الأهم.

وينتمي هذا الفيلم لعالم “المتحولون” الذي تم تقديمه من قبل في سلسلة أفلام سينمائية على مدار 20 عاماً الماضية، غير أنه أول فيلم رسوم متحركة يصدر للسلسلة منذ العام 1989.

والعمل من إخراج جوش كولي، بينما أدى البطولة الصوتية كل من كريس هيمسورث، سكارليت جوهانسون، برايان تايري هنري.

العودة إلى الوراء

ويأتي “المتحولون واحد” ضمن محاولات شركات الإنتاج الهوليودية تحقيق مكاسب مادية بكل السبل، وأحد أهم هذه الطرق هو تحويل الأعمال الناجحة إلى سلاسل ممتدة لا للأمام فقط، بل باتت تعود مؤخراً إلى الخلف أيضاً، وذلك عبر تقديم القصص الأصلية للعوالم السينمائية، وأحداثها تقع في الماضي قبل حبكات الأفلام الرئيسية.

وعُرض منها هذا العام فيلم “مكان هادئ: اليوم الأول” (A Quiet Place: Day One) والذي يستعرض اليوم الأول للكارثة التي ساهمت بشكل رئيسي في حبكة فيلمي “مكان هادئ” الأول والثاني، ومن المنتظر عرض فيلم “موفاسا” (Mufasa) قريباً، والذي تدور أحداثه في عالم أفلام “الأسد الملك” (The Lion King) حيث نتعرف على ماضي الأسد الشرير “موفاسا”.

وينتمي “المتحولون واحد” إلى هذه الأفلام الاسترجاعية، حيث يقدم قصة تسبق أحداث سلسلة الأفلام الرئيسية، وقبل أن يصل “المتحولون” إلى الأرض لتصبح ملاذهم الآمن بعد انفجار كوكبهم نتيجة للصراعات المستمرة بين الخير والشر.

ويبدأ العمل بتعريفنا بهذا العالم، وكيف نشأ الكوكب الذي يعيش عليه شعب “المتحولين” ومجموعة المحاربين الحكماء الذين أداروه في الماضي، وكيف قضت عليهم الحرب، فاضطر المجتمع بعد اختفاء هؤلاء الحكماء إلى التكيف مع هذا الوضع الجديد، وذلك عبر ظهور مهنة عمال المناجم الذين يستخرجون الطاقة ويخدمون باقي الكوكب، ويفتقد أبناء هذه المهنة الترس الذي يساعدهم على التحول مثل باقي أفراد الشعب.

وتتمثل الشخصية الرئيسية في أورايون باكس، عامل المناجم الشاب الذي ينتمي إلى الطبقة الدنيا في الهيكل الاجتماعي لكوكبه، ورغم مكانته المتدنية إلا أن طموحه بلا حدود، وشغفه بالماضي والتاريخ كان دافعه للبحث عن مستقبل أفضل له ولعالمه بالكامل، الأمر الذي يورطه في مغامرة تحقق طموحاته إنما بخسائر جمة.

فيلم للكبار والصغار

يقدم “المتحولون واحد” حبكة مناسبة للكبار والصغار في آن واحد، على عكس الأفلام الأصلية من إخراج مايكل باي التي حصرت الحبكة في صراع تقليدي بين الخير والشر، بينما نجد في الفيلم الجديد حبكة متعددة الطبقات، وحتى في مستوياتها الأبسط تناسب الصغار.

مع حبكة أكثر عمقًا يتناول عبرها الفيلم أفكارا مثل الطبقية التي تعمل فيها الطبقات الدنيا كمجرد أدوات لتحقيق ثروات ورفاهية الأغنياء ليزدادوا غناء، ويحافظوا على امتيازاتهم الطبقية.

ويربط الفيلم بين القدرة على التحول وبين فكرة التطور، فعمال المناجم من الطبقة الدنيا يفتقدون الترس الذي يتيح لهم القدرة على التحول، ورغم أن حرمانهم من هذا الترس ليس نتيجة خطأ منهم إلا أن الطبقات العليا تعيرهم بانعدام قدرتهم على التحول، وتغذيهم بأفكار سلبية عن ذواتهم.

ويحيل هذا الخطاب السينمائي إلى أفكار أكثر جدية كتأثير الثورة الصناعية على الفقراء، عندما نتج عنها زيادة استغلال الفقراء في العمل بالمصانع بظروف غير آدمية ولساعات طويلة وبمقابل بخس، وازداد ثراء الأثرياء، بينما اشتد فقر الفقراء.

ويشير الفيلم كذلك بطرف خفي إلى الرأسمالية التي تقنع الفقراء بأنهم السبب في أوضاعهم الصعبة لأنهم لا يعملون بشكل كافٍ ولا يتطورون، بينما يسلبهم أبناء الطبقات العليا الفرص سواء بامتيازاتهم أو سلطاتهم حتى يستمروا في تقديم خدماتهم بأثمان بخسة.

أما الفصل الثالث في الفيلم، فيركز على تأثير القهر والاستغلال على أبناء الطبقات الأدنى، وكيف يختلف تأثرهم بشكل فردي. فبينما يبحث أورايون عن حلول سلمية للتخلص من السلطة المستغلة للفقراء، يغذي الظلم شعور صديقه سكستين دي بالغضب، فيضع نصب عينيه حلولا أكثر عنفاً، في إشارة واضحة إلى ما يحدث في أغلب الحركات الثورية التي يختلف أبناؤها في نقطة ما حول الطريقة الأنسب لإدارة الأوضاع بعد وصولهم إلى السلطة.

حبكة قوية وشخصيات ضعيفة

لم تأتِ شخصيات الفيلم بذات قوة الحبكة، فالبطل أورايون متفائل ومليء بالطموح لحد السذاجة، لكنه لم يتطور على مدار الفيلم سوى في الدقائق الأخيرة قبل النهاية، الأمر الذي ينطبق على أغلب الشخصيات ما عدا صديق البطل سكستين دي الذي اختلفت شخصيته على مدار الأحداث نتيجة للاكتشافات التي يجدها خلال مغامرته مع صديقه المفضل.

بينما جاءت الأداءات الصوتية جيدة للغاية، سواء من كريس هيمسورث في دور أورايون أو برايان تايري هنري في دور سكستين دي المعقد. وعلى الجانب الآخر، عانت شخصية إيليتا التي قدمتها سكارليت جوهانسون من قصور شديد في الكتابة، فلم تكن سوى حضور نسائي باهت في الفيلم.

ويتميز “المتحولون واحد” عن الأعمال السابقة التي تناولت نفس الشخصيات بانتمائه للرسوم المتحركة، فأفلام “لايف أكشن” لم تستطع تصميم شكل الآليين فقدمت كائنات عديمة الوجوه تقريباً، لا تستطيع التعبير عن مشاعرها وأفكارها سوى عبر الأداءات الصوتية، في حين أن الرسوم المتحركة سمحت لهذه الشخصيات لأن تظهر مميزة ولها انطباعات ومشاعر.

وعلى الجانب الآخر، تميز فيلم “المتحولون واحد” من الناحية البصرية، خصوصاً تصميم سطح الكوكب ومشاهد السباق التي أتت حيوية توضح عجز عمال المناجم أمام المتحولين أصحاب المنازل العليا.

ويقدم هذا العمل تجربة مسلية وممتعة بصرياً وفكرياً لكل من الكبار والصغار، ويمكن اعتباره الإصدار الأفضل من أفلام “المتحولون” حتى الآن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version