رام الله – بعد أسبوع من استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة يوم 11 مايو/أيار 2022 وتعاظم حجم الانتقادات لإسرائيل وتحميلها مسؤولية قتلها، نشرت المبعوثة الإسرائيلية الخاصة لمكافحة مناهضة السامية نوعا تيشبي تغريدة بمواقع التواصل الاجتماعي، قائلة “لم يكن إعداما ولا اغتيالا مخططا، للأسف يقتل الصحفيون في أنحاء العالم كل أسبوع من دون أي رد عالمي مشابه، هذه مناهضة سامية مزدوجة المعايير”.

كان هذا واحدا من الأمثلة التي ساقها الباحث في الشؤون الإسرائيلية خلدون البرغوثي في كتابه “الصهيونية.. إسرائيل ومناهضة السامية” للتدليل على الفكرة الرئيسية للكتاب، وهي كيف استغلت الحركة الصهيونية معاناة اليهود في اضطهاد الفلسطينيين من خلال تطوير مفهوم مصطلح مناهضة السامية خلال السنوات الأخيرة ليشمل كل من ينتقد إسرائيل.

الكتاب الذي صدر مؤخرا عن مركز دراسات منظمة التحرير الفلسطينية، هو تطوير لرسالة الماجستير للباحث، ويقدم خلاله تأصيلا تاريخيا لمصطلح مناهضة السامية ومراحل تطوره من تعريفه الكلاسيكي بالعداء بالفعل أو التصريح بالعداء لليهود أو مقدسات اليهود على خلفية عرقية أو دينية، إلى انتقاد الحركة الصهيونية وإسرائيل.

استخدام مبكر

وفي أصل المصطلح وكيف ارتبط باليهود حصرا، يقول البرغوثي -في حديث للجزيرة نت- إن من طوّر المصطلح صحافي ألماني هو “وليم مار” عام 1879 لاستخدامه بدلا من مصطلح كراهية اليهود.

معاداة السامية

ورغم أن التطور الكبير للمصطلح كأداة لمواجهة منتقدي إسرائيل برز خلال الـ20 عاما الماضية، فإن الكاتب رصد بدايات تنبّه الحركة الصهيونية لاستخدامه لمصالحها قبل إعلانها قيام دولة إسرائيل.

ففي العام 1943 علق أبرز قادتها بن غوريون على قرار محكمة بريطانية رفضت السماح لسفينة محملة بالسلاح الوصول إلى فلسطين بأنه قرار معادٍ للسامية.

لكن الاستخدام الممنهج لمناهضة السامية وتحويلها من “قضية إنسانية تتعلق باليهود والظلم الذي وقع عليهم” إلى “قمع كل من ينتقد إسرائيل”، كما يقول الكاتب، كان بعد احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، حيث تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة، فكان البحث عن آلية جديدة لتحسين صورتها.

يقول البرغوثي “رغم هذه الإشارات، فإن تهمة اللاسامية بقيت ضد من ينتقد إسرائيل، ولكنها بقيت بلا إطار واضح حتى العام 2000 واندلاع الانتفاضة الثانية”.

القمع الدموي الذي تعرض له الفلسطينيون جعل إسرائيل من جديد في مرمى الانتقاد الدولي، وتحديدا خلال مؤتمر مناهضة العنصرية في جنوب أفريقيا 2001، وتبلور قرار واضح لإسرائيل بضرورة تطوير تعريف “مناهضة السامية” يشمل منتقدي إسرائيل، وذلك بالتعاون مع المركز الأوروبي لرصد العنصرية وكراهية الشعوب الأخرى ومع أكاديميين إسرائيليين. وبعد جهد استمر لسنوات وتحديدا في 2005، ظهر تعريف جديد لمناهضة السامية.

يعلق البرغوثي على ذلك “هذا التعريف كان بالنسبة للحركة الصهيونية “الكنز” الذي تمسكت به حتى الآن، حتى إن البعض وصفه بأنه أهم تطور علمي لمناهضة السامية خلال السنوات الأخيرة”.

وسبب هذا الاحتفاء بهذا التعريف هو الخروج من الإطار الكلاسيكي الذي يحصر مناهضة السامية في المشاعر السلبية والفعل المعادي لليهود، إلى دمجه في إطار انتقاد دولة إسرائيل.

ويقدم التعريف في مقطعه الأول التعريف الكلاسيكي لمناهضة السامية، ثم الإضافات المرتبطة بدولة إسرائيل والتي صيغت بضبابية عالية تتيح المجال لاتهام أي منتقد لإسرائيل بأنه معاد للسامية.

ولكن ما أثبته البرغوثي خلال سنوات بحثه أن هذا التعريف لم يتم اعتماده بشكل نهائي، وتمت إزالته من موقع المركز الذي عمل على إعداده.

تبنٍ واسع

ورغم عدم اكتمال التعريف علميا، فإن المنظمات الصهيونية اعتمدته وباتت تلاحق منتقدي إسرائيل حول العالم بناءً على ما جاء في بنوده في شتى المجالات، إلى جانب اعتماده من قبل الولايات المتحدة الأميركية.

وتبنت منظمة “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” “آي إتش آر إيه” (IHRA) عام 2014 هذا التعبير ونسبته إليها، مما شكل ثقلا إضافيا للتعريف، فهي منظمة ذات ثقل دولي ومالي، وتعترف بها 35 دولة حول العالم، الأمر الذي يعني أن هذه البلدان تتبنى التعريف وتعمل به.

ويعلق البرغوثي على ذلك “هذه المنظمة بلغت قوتها أن 45 شخصية عالمية حضرت مؤتمرها الأخير في القدس..”.

والمتابع للمحافل الدولية يستطيع أن يلحظ ما ذهب إليه الباحث البرغوثي في كتابه، ومدى تعاظم “مناهضة السامية” كأداة ناجعة بيد الحركة الصهيونية لمواجهة كل من ينتقد إسرائيل فيما تقوم به من جرائم ضد الفلسطينيين، على الرغم من عدم تبني التعريف رسميا من قبل الدول الأوروبية.

وقد تعرضت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز لهجوم إسرائيل، مطالبة بإنهاء عملها بتهمة معاداتها للسامية وانحيازها لصالح القضية الفلسطينية، وذلك بعد تصريحها عبر تويتر بأن “الخسائر في الأرواح في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل مدمرة، لا سيما في وقت ينبغي أن يكون فيه السلام للجميع، المسيحيين واليهود والمسلمين. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنها لا تستطيع المطالبة بذلك عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تضطهدهم وتستعمر أراضيهم”.

وتوسع التعريف ليشمل بأن تعامل إسرائيل في ملف حقوق الإنسان بشكل يختلف عن معاملة الدول الأخرى، وخلافه يعتبر معاديا للسامية، وهو ما يبرره الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت بتعاظم الجهود الرسمية المبذولة من قبل إسرائيل للدفاع عن سياستها وممارساتها إلى الحد الذي نجحت في بعض المواقف في مساواة مناهضة السامية بمناهضة الصهيونية المسؤولة عن احتلال الأراضي الفلسطينية.

في حديثه للجزيرة نت، قال شلحت إن سبب الاهتمام بتوسيع تعريف مناهضة السامية هو زيادة حملة المناهضة الدولية لإسرائيل فيما يتعلق بسياستها العامة حيال المسألة الفلسطينية، ومكانة إسرائيل دوليا خاصة في كل ما يتعلق بشؤون السلاح والعسكرة والصراعات السيبرانية.

ويعتقد شلحت أن جهود إسرائيل هذه يمكن مواجهتها من خلال الإعداد لاستمرار الاشتباك معها بالاستعانة بالبنود المشمولة بالقانون الدولي وخاصة التي تصنّف ممارسات إسرائيل جرائم حرب. ولكن ذلك يحتاج لخطة واضحة لمواجهة إسرائيل وممارساتها وجرائمها، رغم كل محاولات توفير غطاء لها بحجة مناهضة السامية.

سلاح المواجهة.. توحيد الجهود

الخطة التي تحدث عنها شلحت لخّصها الأمين العام للمبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي بـ”توحيد الجهود الفلسطينية الرسمية والشعبية”.

وتابع البرغوثي -الذي ينشط في حملة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها والتي تتم ملاحقتها من قبل المنظمات الصهيونية بتهمة مناهضة السامية- أن مدخل محاربة إسرائيل في مساعيها هو إبراز حقيقة إسرائيل بوصفها أكبر الدول التي تخترق القانون الدولي.

واعتبر البرغوثي أن نجاح إسرائيل في تكريس مصطلح مناهضة السامية ضد كل من ينتقدها يعود إلى التنظيم الكبير في مؤسساتها، وهو ما يخلق تخوفا لدى مناصري القضية الفلسطينية حول العالم، مما يصعب الجهود الفلسطينية.

وقال البرغوثي للجزيرة نت “المواجهة ليست مستحيلة، لكنها بحاجة لجهود متضافرة من كل الجهات، وأن لا تبقى مقتصرة على المجتمع المدني”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version