قد تعتقد أن القائمين على فن السينما حين يقررون تحويل عمل روائي إلى فيلم سيلجؤون لاختيار قصة ملهمة تستحق أن تُروى على الشاشة الكبيرة، لكن ليس هذا ما فعله صانعو فيلم “بضع ساعات في يوم ما” الذين فضّلوا الركض خلف شعبية روايات المؤلف محمد صادق وكثرة قرائه، وإشباع هوس قطاع عريض من الجمهور بقصص الثنائيات المتوازية عوضا عن الانتصار للأدب الفريد من نوعه.

التنوع لا ينفي التكرار

“بضع ساعات في يوم ما” تجربة سينمائية يعود بها الممثلون المصريون للبطولة الجماعية، ويستعرض العمل حكايات رومانسية أبطالها مجموعة من الأصدقاء، والمشترك بين القصص أنها تدور لكها بالوقت نفسه في زمن لا يتجاوز 8 ساعات.

تتميز القصص بالتنوع التام، ومع ذلك لا يمكن وصفها بالأصالة، إذ تبدو الحكايات مكررة أو متوقعة باستثناء نهاية قصة كريم فهمي، الذي كان وجوده مفاجأة ولم يظهر سواء بالإعلانات الدعائية أو الملصقات الخاصة بالفيلم.

السقوط في بئر النص

في الأصل جاءت الرواية التي لا تتجاوز صفحاتها 155 صفحة، مما يجعلها أقرب إلى رواية قصيرة (نوفيلا)، مما يفسر إضافة قصص وخطوط درامية للفيلم لم تكن في القصة الأصلية مثل قصتي أحمد السعدني ومي عمر، ومايان السيد وخالد أنور، وغالبية مشاهد محمد سلام.

عاب الرواية ركاكة الأسلوب والمباشرة، والأسوأ كثرة الوعظ والخُطَب خاصة في قصة هدى المفتي التي قدمت خطا دراميا -رغم جرأته الظاهرة- يُسيء للأفكار النسوية التي حاولت الشخصية تأكيد تبنيها لها بسذاجة مفرطة وآليات دفاع معيبة.

ومع الإعلان عن تحويل الكتاب إلى فيلم، أمل الكثيرون في قيام صانعيه بعمل معالجة درامية تُحسّن من جودته وتجعله يتفوق على الرواية، إلا أن إسناد كتابة السيناريو للكاتب محمد صادق في أول تجربة له زاد الأمر سوءا كونه المؤلف الأول وصاحب الأخطاء الأصلية، بل نتج عنه ضعف شديد في الحوار والسردية.

إيرادات جيدة رغم السطحية

مع ذلك نجح الفيلم في تحقيق إيرادات قاربت 25 مليون جنيه مصري خلال 4 أسابيع فقط قابلة للزيادة كونه لا يزال متاحًا في دور العرض، رغم طرح الكثير من الأفلام العربية المنافسة في الوقت نفسه، التي لحسن حظ صانعيه يميل نصفها لكونها نخبوية وأقرب للأعمال المستقلة.

في حين يميز “بضع ساعات في يوم ما” بجماهيرية أبطاله على رأسهم هشام ماجد صاحب أفضل كيمياء فنية في العمل مع هنا الزاهد، التي شاركته بطولة فيلم “فاصل من اللحظات اللذيذة” العام الماضي.

ومع سلاسة أداء كليهما إلا أن القصة الأفضل جاءت من بطولة أحمد صلاح السعدني ومي عمر، إذ حظيت بأكبر قدر من المصداقية، فاضحة حقيقة العلاقات العاطفية بين قطاع من مؤثري منصات التواصل الاجتماعي الباحثين عن “الريتش” والتفاعل من أجل الإعلانات حتى لو تم ذلك عبر سلسلة من الكذب والادعاءات الرخيصة.

أما الأفضل على مستوى التمثيل وعلى غير المتوقع هي مايان السيد التي جسدت دور فتاة مصابة بمتلازمة “توريت”، وهي اضطراب عصبي وراثي يتسبب في حركات وأصوات لا إرادية متكررة. ومن أجل الدور صرحت مايان بأنها شاهدت أعمالا وثائقية عن المرض، وقرأت عدة دراسات عنه لمزيد من المعايشة.

يذكر أنها ليست المرة الأولى التي تنجح فيها في أداء شخصية شابة مصابة بمرض نفسي، إذ سبق أن قامبت بدور “مادي” المصابة باضطراب ثنائي القطب بمسلسل “إمبراطورية ميم”، و”خديجة” التي تعاني من التوحد في مسلسل “إلا أنا”.

ومن الفنانين، يجب الإشارة إلى دور محمد سلام الذي خطف الكاميرا وقدم شخصية لم يلعبها من قبل بتلقائية وبساطة أكدت للجمهور افتقادهم رؤيته على الشاشة. أما في خانة الأسوأ، فيمكن وضع قصة الثنائي أسماء جلال ومحمد الشرنوبي اللذين لما يتمتعا بأي كيمياء بينهما واتسمت حكايتهما بالسطحية من جهة، والمبالغة كسائر القصص من جهة أخرى.

أفضل من الرواية ولكن!

“بضع ساعات في يوم ما” هو فيلم رومانسي خفيف تفوق على الرواية التي اُقتبس منها وإن كان لم يرق لمستوى التوقعات بعدما انتظره الجمهور طوال ثلاث سنوات.

العمل مناسب لعشاق أفلام مثل “هيبتا” -للمؤلف نفسه- و”قمر 14″ و”عسل مُر” و”هاتولي راجل”، ويُنصح بمشاهدته من قبل الباحثين عن دراما اجتماعية تستعرض علاقات عاطفية مسلية دون عمق أو إلهام، مما يجعل مشاهدته للكبار فقط سواء لجرأة بعض من محتواه أو لكونه لن يكون ممتعا للصغار.

بضع ساعات في يوم ما

الفيلم قصة وسيناريو وحوار محمد صادق، وإخراج عثمان أبو لبن، الذي يُجيد تقديم الأفلام المعتمدة على البطولات الجماعية ويُحسن اختيار تقطيعات المونتاج بين الحكايات. أما بطولة العمل فجاءت من نصيب هشام ماجد النشط دراميا وسينمائيا، إذ شهد عام 2024 بطولته لفيلمين ومسلسل رمضاني، ويُفترض -حتى الآن- أن يشهد عام 2025 ظهوره في فيلم ومسلسلين ومسرحية.

شاركه البطولة كل من هنا الزاهد، وأحمد صلاح السعدني، ومي عمر، ومحمد سلام، وأسماء جلال، ومحمد الشرنوبي، وخالد أنور، ومايان السيد، وهدى المفتي، وكريم فهمي، وحنان سليمان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version