طورت “مجموعة أبحاث المواد الذكية” بالمعهد الإيطالي للتكنولوجيا، ضِمادة مصنوعة من مواد نباتية، ومحملة بفيتامين “سي”، ويمكنها تسريع عملية الشفاء من جروح الحروق.

وعادة ما تتعرض المنطقة المصابة بعد الحرق للاحمرار والتورم نتيجة للالتهاب، وهذه آلية دفاع طبيعية للجسم، ومع ذلك فإن الالتهاب المفرط يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية تتمثل في توليد الجذور الحرة للأكسجين، وهي عملية تُعرف باسم “الإجهاد التأكسدي”، مما يعوق عملية الشفاء.

ولمعالجة هذا القلق ابتكر باحثون ضِمادة متوافقة حيويا وقادرة على منع الزيادة المفرطة في مستوى الالتهاب، وتقليل عدد الجذور الحرة، وبالتالي تُقصّر الوقت اللازم للشفاء، وعلاوة على ذلك تتحلل بشكل طبيعي خلال بضعة أيام، مما يُخفض المخاوف من توليد المزيد من النفايات.

كيف تُصنع؟

تُصنعت الضمادة التي كشف الباحثون عن تفاصيلها في دراسة نشرت بدورية ” إيه سي إس إبلايد بايو ماتريالز”، من مواد قابلة للتحلل، وتتكون من بروتين مصدره الذرة “الزين”، وسكر “البكتين” المتوفر في قشور العديد من الفواكه مثل التفاح، ومركّب “الليسيثين” المتوفر في الصويا.

ووصف الباحثون في الدراسة خطوات التصنيع على النحو الآتي:

  • تحضير محلول البوليمر: بعد تجهيز بروتين الزين (من الذرة) وسكر البكتين (من قشور التفاح) والليسيثين (من الصويا)، تُذاب هذه المواد في مادة مذيبة لتكوين محلول بوليمر متجانس.
  • إضافة المادة العلاجية “فيتامين سي”: يُدمج فيتامين سي في محلول البوليمر، مع التأكد من توزيع الفيتامين بالتساوي داخل المحلول، للسماح بإطلاقه بشكل موحد في المنتج النهائي.
  • الغَزْل الكهربائي للمحلول المحمل بالفيتامين: فبعد إضافة فيتامين سي للمحلول، يوضع في محقنة مجهزة بإبرة، ثم تُوصّل المحقنة بمصدر طاقة عالي الجهد (عادة في حدود 10 إلى 30 كيلو فولت)، مما يخلق المجال الكهربائي اللازم للغزل الكهربائي، وتكون هناك أسطوانة دوارة لتجميع الألياف النانوية أثناء نسجها.
  • الغمر في محلول أيونات الكالسيوم: بعد تشكيل الألياف النانوية، تُغمر في محلول يحتوي على أيونات الكالسيوم بما يساعد على ربط مكونات الألياف النانوية ومنحها سلوكا يُشبه “الهلام المائي”، مما يعزز السلامة الهيكلية واستقرار الضمادة.

نتائج واعدة

ويسمح النسيج المسامي لهذه الضمادة بإطلاق فيتامين سي تدريجيا، بما يؤدي إلى استقرار مستويات الالتهاب وخفض إنتاج الجذور الحرة. وأثبت الباحثون توافق المنتج مع الخلايا البشرية، وهي سمة أساسية تحدد إمكانية استخدامه في المستقبل على البشر، وذلك من خلال الاختبارات المعملية التي أجريت على “الخلايا الكيراتينية”، وهي الخلايا التي تشكل الجلد.

وأظهرت الاختبارات المعملية انخفاضا في أربعة من المؤشرات الحيوية الدالة على الالتهابات، وهي مستويات ثلاثة جزيئات رئيسية “الإنترلوكين IL-1β، وIL-6″، وكذلك عامل نمو الورم “TNF-α”، إذ انخفضت جميعها بنسبة من 30 إلى 50% في وجود الضمادة مقارنة بالوضع عندما لم تكن موجودة في المكان.

وعلاوة على ذلك، كشفت المقارنة نفسها عن انخفاضٍ بنسبة تترواح بين 50 و70% في عدد الجذور الحرة للأكسجين، وأخيرا لوحظت زيادة في إنتاج الكولاجين، وهو جزيء مهم في عمليات شفاء الجلد، إلى جانب زيادة في الخلايا الليفية، وهي الخلايا المشاركة في إصلاح الجروح.

وللتحقق من صحة هذه النتائج، أجريت سلسلة من الاختبارات قبل السريرية على فئران التجارب، وأثبتت قدرة المنتج على تقليل الالتهاب، وهو ما دفع الباحثين إلى القول في بيان صحفي أصدره المعهد: “كل هذه الأدلة تضافرت لتسلط الضوء على فعالية الضمادة في تسريع عملية الشفاء من الحروق”.

ويسعى الفريق البحثي للذهاب إلى ما هو أبعد من استخدام مواد ذات أصل طبيعي فقط، ويقول الباحث في “مختبر المواد الذكية” بالمعهد الإيطالي للتكنولوجيا “فابريزيو فيورنتيني” في البيان: “ما فعلناه في تلك الدراسة هو البداية، ولكن سيكون الهدف التالي هو إنشاء منتج مشابه جدا، ولكن باستخدام مواد مشتقة من نفايات الطعام من أجل تلبية مفهوم الاقتصاد الدائري”.

وتقول الباحثة الرئيسية المشاركة بالدراسة من “مختبر المواد الذكية” “أثناسيا أثناسيو”: “هذا مجرد تطبيق واحد من التطبيقات الممكنة لهذه الفئة من المواد الذكية، ونحن نعمل على ابتكارات أخرى قادرة على تسريع الشفاء، ليس فقط للحروق، ولكن أيضا لأنواع أخرى مختلفة من الجروح مثل التمزقات أو تقرحات الجلد”.

الباحث في مختبر المواد الذكية بالمعهد الإيطالي للتكنولوجيا، فابريزيو فيورنتيني، يعمل على الضمادة الجديدة (المعهد الإيطالي للتكنولوجيا)

توزان مفقود بين البيئي والطبي

ويثني المدير المؤسس لبرنامج علوم النانو بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا “إبراهيم الشربيني”، في حديث هاتفي مع الجزيرة نت، على البعد البيئي الذي انتهجه الفريق البحثي في دراسته، لكنه يرى أن الفريق كان عليه إعطاء مزيد من الاهتمام للبعد الطبي.

ويقول الشربيني، الذي نشر قبل نحو ثمانية أعوام دراسة عن ضمادة لعلاج الجروح بالدورية نفسها التي أعلن فيها الفريق الإيطالي عن إنجازه:  “البعد البيئي في هذا العمل مهم للغاية، لكنه لا يجب أن يأتي على حساب البعد الطبي”.

ويضيف: “أتفهم حرص الفريق البحثي على استخدام مصادر نباتية لإنتاج الضمادة وتوفير المادة الفعالة فيتامين سي، ولكن إذا كان هذا النهج بمفرده سيحقق النتائج المحدودة في الفعالية التي ذكرها الباحثون في دراستهم، فكان يجب العمل على البحث عن مصادر أخرى تزيد الفاعلية”.

واعتبر الشربيني أن نسبة الانخفاض في المؤشرات الحيوية الدالة على الالتهابات غير مُرضية، وكذلك نسبة الانخفاض في عدد الجذور الحرة للأكسجين، وقال: “هذه النتائج لا تعكس حدوث شفاء تام، وإذا عرفنا أن مدة فاعلية الضمادة على الجرح هي 3 أيام فقط كما ورد في الدراسة، فكيف سيكون الحال بعد تلك الفترة”.

ويشير الشربيني أيضا إلى أن ما ذكره الباحثون من أن الضمادة ستذوب بشكل تلقائي لأنها مصنّعة من مواد حيوية، قد يكون عاملا سلبيا، ويحتاج إلى مزيد من الاختبارات، لأن المواد التي تُصنّع منها الضمادة ورغم أنها مواد طبيعية، فإن ذوبانها في منطقة الجرح قد يؤدي إلى تغيير في الأس الهيدروجيني (درجة الحموضة)، مما يؤثر سلبا في العلاج.

واختتم تعليقه بالإشارة إلى أن البعد البيئي للدراسة مهم، لكن يجب أن يكون متوازنا مع البعد الطبي عن طريق البحث عن مواد أخرى طبيعية، أو الجمع بين أكثر من مادة لتحقيق نتائج أفضل في الفعالية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version