جبيل/لبنان- يشكّل متحف الأسماك المتحجرة “ذاكرة الزمن”، في سوق جبيل القديم، وجهة سياحية فريدة من نوعها، حيث يتميز بموقعه الاستثنائي داخل مبنى تاريخي يعود لأكثر من 300 عام، ويُعد هذا المتحف واحدا من أبرز المواقع التي تعكس تاريخ وثقافة لبنان.

ويعتبر المتحف موطنا لمجموعة ضخمة تتألف من 800 قطعة نادرة ومميزة من الكائنات المتحجرة، تشمل الأسماك والقشريات والنباتات، وتعكس هذه القطع الثمينة تنوع الحياة البحرية القديمة في منطقة الشرق الأوسط.

رحلة استكشافية عبر الزمن

ونظرا لوجود صخور قديمة تكونت قبل مئات الملايين من السنين، يعتبر لبنان من المواطن النادرة لهذه المجموعة الفريدة من الكائنات المتحجرة، التي تمثل شاهدا على تطور الحياة في هذه المنطقة عبر العصور، وتشكّل جزءا أساسيا من تراثها الطبيعي والثقافي.

إضافة إلى ذلك، يعرض المتحف الحيوانات اللافقارية والعديد من القطع الأخرى ذات الأهمية العلمية والتاريخية، ورغم أن بعض الأنواع انقرضت بسبب التغيرات الجيولوجية، فإن الصخور الكلسية حفظت آثارها، مما يجعلها شاهدة على تطور بعض أنواع الحيوانات.

يضم المتحف 800 قطعة نادرة من الكائنات المتحجرة

الاستخراج والتحجر

وخلال جولة داخل المتحف، يشرح مالكه جوزيف أبي سعد، للجزيرة نت، أنه يحتوي على مجموعة من الأسماك المتحجرة في العالم، حيث يعود تاريخها لأكثر من 100 مليون سنة”، ويضيف “تشكّلت هذه الأسماك خلال العصر الجيولوجي الثاني، خلال فترة تُعرف بالطباشيري الرابع”.

ويرى أبي سعد “أن لبنان كان أرضا مختلفة تماما في الماضي، قبل ما يقارب 100 مليون عام، كان هناك بحر واحد يغمر الكرة الأرضية، وفي تلك الفترة، وعندما تهطل كمية كبيرة من الأمطار، كانت تحمل معها حيوانات مجهرية”.

وفيما يتعلق بعملية تحجر الأسماك، يوضح “أن هذه الكائنات تأخذ الأوكسجين من الماء، وتفرز السم الذي يؤدي إلى موتها، وبعد ذلك تسقط السمكة إلى القاع وتتحجر بسبب انعدام الأوكسجين، ما يحافظ على جسمها لفترة طويلة، وتطمر بشكل سريع بسبب الترسبات الصلبة التي تشكّلت بمرور الوقت”.

ويشير أبي سعد إلى تشكيل الجبال في لبنان، ويقول للجزيرة نت، إنها تكوّنت منذ حوالي 40 مليون عام نتيجة لضغط القارات، وتشكّلت السلسلة الشرقية والسلسلة الغربية، مع ارتفاع المتحجرات مع الجبال، ما أمكن العثور عليها بفضل التعرية الطبيعية”.

ويبيّن أن عملية استخراج الأسماك المتحجرة تكون موجودة داخل أحجار وتتألف من طبقات كلسية، مما يسهّل عملية استخراجها، ويتم ذلك عن طريق كسر الحجر المتكون من هذه الطبقات باستخدام المعول والمطرقة، حيث ينشق الحجر إلى قسمين، وتظهر السمكة محفوظة بينهما على الجهتين.

أسرار الكائنات المتحجرة

من حيث أهميتها، يشدد على أن مقلع العائلة في منطقة “حاقل” يحتوي على تشكيلات كبيرة ومتنوعة من الأسماك المتحجرة، ولا تزال هذه المتحجرات تحتفظ بالأقسام الرخوة لجسم السمكة وجلدها وعظامها، علما أن 80% من هذه الأنواع قد انقرضت بمرور الزمن.

ويفتخر أبي سعد أنه من بين القطع النادرة في المتحف يوجد أخطبوط متحجر، وهو قطعة نادرة جدا بسبب عدم امتلاكه هيكلا عظميا، مما يجعل تحجره أمرا صعبا، ومع ذلك، فإن هذه العينة في حالة جيدة جدا، مما يزيد قيمتها العلمية والتاريخية.

مخططات مستقبلية

وزيارة المتحف ليست مجرد جولة سياحية، بل تمثل فرصة حقيقية لاستكشاف تاريخ التطورات الجيولوجية، التي خاضتها المنطقة عبر العصور، حيث يتيح للزائرين فهم عمق العمليات الطبيعية التي أدت إلى تشكيل البيئة الحالية.

وكشف أبي سعد، للجزيرة نت، عن مخطط لافتتاح متحف جديد في غضون شهر ونصف، ويعد منفذا لاكتشافات وتجارب تعليمية جديدة.

وسيساهم هذا المتحف في تعزيز فهم الزوار لكيفية استخراج المتحجرات من الجبل، وصولا إلى المتحف، مما يضيف قيمة تعليمية وتاريخية إلى الزيارة.

ويختم “تتميز تقنية حفظ المتحجرات في المتحف الجديد بالابتكار، حيث يمكن للزوار الحصول على معلومات مفصّلة عن الأسماك المعروضة بمجرد لمس الزجاج الذي تُحفظ داخله، مما يعزز تفاعلهم مع العرض، ويثري تجربتهم”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version