عمان – لم يكن الأردني موسى الزويري (68 عاما) يتوقّع أن مشاهدته حادث سير تعرّض له طفل أمام مدرسة حكومية في إحدى مدارس عمّان قبل 33 سنة، ستجعله يغيّر مسار حياته إلى الأبد؛ فيندفع إلى عمل تطوّعي يومي لحماية الأطفال من حوادث الطرق.

ويحدد الزويري مكان وظيفته التطوّعية في محيط مدارس الأطفال التي تُطل على شوارع رئيسة أو تشكّل خطرا على طلبتها خلال ذهابهم وعودتهم منها، فيعمل على مساعدة الطلاب في قطع الشارع وإيصالهم بأمان إلى داخل المدرسة، باستخدام شارات مرور وصافرة وابتسامة رقيقة يتبادلها مع الأطفال وسائقي السيارات على السواء.

تفاعل من قبل الطلبة

يتفاعل الطلاب مع الزويري الذي أصبح وجها مألوفا بالنسبة إليهم، إذ تجدهم يتجمّعون يوميا في الأماكن التي يحدّدها لهم، قبل أن يسيروا معا إلى الجانب الآخر من الشارع حيث بوابة المدرسة وجملة “الله معكم حبايبي” الوداعية التي يغادرهم بها لرصد طفل أو مجموعة أطفال آخرين يحتاجون إلى مساعدة.

الأردني موسى الزويري أمضى 33 عاماً على الطرقات لحماية طلاب المدارس من حوادث السير

“يساعد العم موسى الطلاب الأطفال ويسهل عليهم عبور الشارع”، هذا ما تقوله الطفلة شهد، إحدى طالبات مدرسة “أم شريك الأساسية المختلطة” في العاصمة الأردنية، مردفة “إنه يعلمنا الكثير من الأشياء، مثل أن يتم قطع الشارع من أقصر مسافة توصل إلى الجانب الآخر”.

وتقول سيدرا، طالبة في الصف الخامس الأساسي، إنها تطلب مساعدة “عمو موسى” يوميا لعبور الشارع إلى مدرستها، وترى أن وجوده يعطي الطلاب الأمان -خصوصا مع وجود سيارات مسرعة أحيانا- ما يحول دون وقوع حوادث سير كثيرة.

ترحيب من الأهالي والمعلمين

ويلقى ما يقوم به الزويري ترحيبا من الأهالي الذين يطمئنون لمجرد وصول أطفالهم إلى مكان وجوده. وتقول حنان خلف، إحدى الأمهات، إن ما يقوم به الرجل “عظيم جدا”، مشيرة إلى أنه يتعامل بكل حب مع الأطفال، ولم يمنعه الطقس -صيفا أو شتاء- من الغياب عن هذه المهمة النبيلة.

ويرى فوزي سقا، والد أحد الطلاب والذي يرافقه يوميا إلى المدرسة، أن المكان الذي يقف فيه الزويري “خطير فعلا، وهناك حاجة إلى من يساعد الأطفال في عبور الشارع، لا سيما أنها مدرسة تضمّ فئات عمرية صغيرة وتكثر في محيطها السيارات من الجانبين”، مشيرا إلى أن الخطر يشمل الكبار أيضا، إذ كان شاهدا على دفع إحدى السيارات للزويري خطأ، وقد حدث ذلك أكثر من مرة.

أما مديرة مدرسة “خلدا الشاملة” أسماء الدغمي، فتقول إن الزويري يؤدي دور جمعيات ومؤسسات يُفترض أنها متخصصة في هذا الأمر، مشيرة إلى أن ما يميزه هو أنه “عمليّ” وينزل إلى الشارع ويتعاطى مع المشكلة بشكل مباشر، موضحة أن من الضرورة بمكان أن تعمّم مديريات التربية على معلميها للقيام بدور تكاملي مع ما يقوم به المتطوّع الستيني.

نقل الخبرة للطلبة

يعمل الزويري على نقل خبرته إلى الطلاب أنفسهم، إذ درّب خلال السنوات الماضية أكثر من 50 فريقا منهم، ينتمون إلى الأعمار الأكبر سنا، في مدارس مختلفة، وزوّدهم بالمهارات اللازمة والوشاحات واللافتات المرورية، إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية وتجارب ميدانية.

وتقول جنى أبو هديب، الطالبة في الصف الثامن، إنها من ضمن لجنة المرور التي أسستها مدرستها بالتعاون مع مبادرة الزويري. وتصف تجربتها بـ”الرائعة”، مشيرة إلى أنها وزميلاتها تعلّمن كيف يتم ضبط المرور أمام المدرسة، خصوصا أن مدرستها تضم طلبة من مرحلة رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة.

تفاعل من “أمانة عمّان”… وإحصاءات

وتسلط أماكن وجود الزويري الأنظار على مدارس يشكل الوصول إليها خطرا عاليا على الطلاب، ما دفع “أمانة عمان” إلى التفاعل مع المبادرة في سنوات ماضية، عبر بناء جسور في بعض المناطق التي رصدها الرجل، كما جرى تكريمه من خلال تسمية إحدى تلك الجسور، في وسط العاصمة، باسمه.

يقول ناصر الرحامنة، الناطق باسم “أمانة عمان” لـ”الجزيرة نت” إن مبادرة الزويري من ضمن الأعمال الرائدة والرائعة، وتنال التقدير والاحترام من الأمانة، لأنها تسعى إلى حماية الأطفال من حوادث الطرق وممارسة أخلاقيات التعاون تجاه أبناء المجتمع.

ويشير الرحامنة إلى أن “أمانة عمّان” تأخذ بالاعتبار العمل على إنشاء جسور مؤهلة في الموقع والزمان المناسبين، وهي منفتحة على التعامل مع المبادرات المجتمعية كافة، مضيفا أن الأمانة لديها قطاع خاص بالتنمية المجتمعية للتعامل مع كل أشكال المبادرات الأهلية.

ووفق تقرير لمديرية الأمن العام في الأردن، فقد شهدت البلاد 160 ألفا و600 حادث مروري في العام 2021، منها 11 ألفا و241 حادثا نتج عنه إصابات بشرية وأودت بحياة 589 شخصا وإصابة نحو 18 ألف شخص، ما بين إصابات طفيفة ومتوسطة وشديدة، في حين قُدرت الخسائر المادية بنحو 320 مليون دينار أردني (450 ألف دولار تقريبا).

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version