قد نشعر بالقلق أحيانا، أو ننشغل بما يعتقده الناس أو يقولونه عنا، أو ينتابنا الشك من حين لآخر بشأن إذا كنا في بيئة آمنة أو لا. لكن أن يعيش شخص في حالة مستمرة من عدم الثقة تجاه الأفراد أو الجماعات، أو الاعتقاد بأن هناك خطرا داهما يتربص به، أو أن تهديدا شديدا وفوريا في انتظاره، بصرف النظر عن وجود ما يدل على ذلك؛ فهذا معناه أنه يعاني من “أوهام جنون العظمة”.

تعرف تلك الحالة بأنها “حالة يعاني فيها الشخص من صعوبة مطابقة حياته اليومية مع الواقع المحيط به، بسبب سيطرة معتقدات خاطئة عليه، تقوم على فكرة أن سلامته مهددة دائما”، وفقا لما ذكرته الطبيبة النفسية صني إكس تانغ لموقع “فوربس” (Forbes). موضحة أن اعتقاد الشخص بوجود التهديد هو “اعتقاد راسخ لا يتزحزح”، بحيث لا يمكن إقناعه بالخروج منه، “حتى بعد تقديم أدلة تدحض ذلك”.

لذا تقول مدربة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة “هارفارد” جيلام بيسواس إن “أوهام جنون العظمة تتسبب في انفصال الشخص عن الواقع، وتشويهه الحقائق والأحداث الفعلية”.

أسباب أوهام جنون العظمة

ترى بيسواس أن أوهام جنون العظمة “قد تكون عَرَضا لاضطراب دماغي أكبر ناتج عن مرض عقلي، أو تعاطي مخدرات أو عقاقير مزمنة، أو إصابة في الرأس.

ويستند الطبيب النفسي للأطفال والمراهقين إيلي موهرر إلى “أبحاث حديثة تشير إلى أن أوهام جنون العظمة قد تأتي من مجموعة من العوامل البيولوجية والبيئية والنفسية”؛ مثل الاستعداد الوراثي، أو تشوهات الدماغ، أو الضغط النفسي.

ويُضيف موهرر أن “الاكتئاب الحاد، والفصام، واضطراب ثنائي القطب، وغيرها من الأمراض العقلية قد تكون سببا في الإصابة بأوهام جنون العظمة”.

لكنه يُشير إلى أنه “من الممكن أن تظهر على الشخص أوهام جنون العظمة من دون أن يعاني من حالة نفسية”؛ ففي بعض الحالات تحدث أوهام جنون العظمة “بسبب الإجهاد الشديد المتواصل، أو التجارب المؤلمة، وليس المرض العقلي بالضرورة”.

ويُطمئننا موهرر بأن هذه الحالات “تكون غالبا قصيرة المدى وأقل ضررا، وقد تتلاشى بمرور الوقت مع انتهاء الضغوط”.

معاناة أصعب للشباب

يقول موهرر “إن أوهام جنون العظمة يمكن أن تكون أكثر صعوبة عند الشباب بشكل خاص”؛ فقد يعتقد طالب في المدرسة الثانوية مصاب بأوهام جنون العظمة أن زملاءه في الفصل يتحدثون عنه من وراء ظهره، أو يتآمرون عليه، أو يستبعدونه عمدا من الأنشطة الاجتماعية؛ مُعللا ذلك بأن “المراهقة فترة المشاعر الشديدة والضغوط الاجتماعية وتشكيل الهوية، التي يمكن أن تجعل بعض المراهقين يشعرون بوعي ذاتي أو قلق اجتماعي أكثر من المعتاد”.

لكنه يُشير إلى أن “طلاب المدارس الثانوية الذين يعانون من مشاعر عدم الثقة لا يعانون بالضرورة أوهام جنون العظمة”.

فقط إذا أصبحت معتقدات الطالب ومخاوفه مستمرة وغير عقلانية، وتتداخل مع قدرته على الدراسة، فقد يكون هذا علامة على وجود حالة صحية عقلية أو اضطراب ذهاني أكثر خطورة.

7 سلوكيات تسببها أوهام جنون العظمة

يحدد الخبراء مجموعة من السلوكيات التي قد تسببها أوهام جنون العظمة:

  • المُعتقدات الخاطئة، فقد تُسيطر على الشخص المصاب بأوهام جنون العظمة أفكار ونظريات يعدها الآخرون غريبة أو مستحيلة، ومعتقدات قوية وثابتة ومستمرة بالاضطهاد لا تستند إلى دليل وتسبب مشاكل كبيرة، كما يقول موهرر.
  • الشك وعدم الثقة، فالشعور المتزايد بالريبة وعدم الثقة تجاه الآخرين يُعد من الأعراض الشائعة في هذه الحالة، حيث يشعر الشخص دائما بأن الآخرين يتآمرون ضده، أو يخططون لإيذائه، أو يحاولون التحكم في أفكاره وسلوكه؛ لذا غالبا ما يقلقون من انقلاب أحبائهم عليهم.
  • اليقظة المُفرطة، حيث يشعر الشخص دائما “بالحذر”، وينشغل بالتدقيق في كل ما حوله طوال الوقت، بحثا عن التهديدات التي يتوهم وقوعها.
  • العدوانية، حيث يصبح الشخص دفاعيا أو عدوانيا أو عدائيا تجاه الجميع، خاصة إذا شعر بالتهديد أو الهجوم.
  • الانسحاب، فبسبب الخوف أو الشك قد ينسحب الشخص من المواقف الاجتماعية ويتجنب التفاعل مع الآخرين.
  • الهياج، فغالبا ما يعاني الأشخاص المصابون بأوهام جنون العظمة من هياج متكرر، حتى ولو من أبسط الإساءات أو الإهانات.
  • وهم الاضطهاد، وهو ما تضرب صني تانغ مثالا عليه فتقول “عندما يتجنب الشخص تناول الطعام في المنزل لاعتقاده أن أحد أفراد أسرته يحاول تسميمه، أو يتجنب الخروج من المنزل لتوهمه أن عصابة تلاحقه”.

مفاهيم خاطئة حول أوهام جنون العظمة

من المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الإصابة بأوهام جنون العظمة:

  • الاعتقاد بأن المصابين خطرون دائما، وهو اعتقاد خاطئ ينفيه الدكتور موهرر مؤكدا أنه “رغم أن أوهام جنون العظمة قد تجعل الشخص يتصرف بناء على معتقداته الخاطئة فإن الأغلبية ليسوا عنيفين أو خطرين”.
  • الاعتقاد بأنها حالة لا يمكن علاجها ولن تختفي أبدا، ففي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من المصابين أنهم سيتلقون العلاج إلى الأبد؛ تقول الدكتورة بيسواس “لقد رأيت الكثير من الناس يتعافون، خاصة إذا كانت الأعراض ناجمة عن سوء استخدام العقاقير”.

كيفية الدعم

بخلاف الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي الفردي والجماعي “كتقنية تساعد الشخص على التعرف على ما هو حقيقي وما هو مشوه”؛ يوصي موهرر مَن يرغبون في دعم المصابين بأوهام جنون العظمة بالتدرب على “الاستماع الصبور الفعال” إليهم عندما يعبرون عن شعورهم.

كما ينصح بتقديم الدعم العاطفي لطمأنتهم أنهم مهمون، وأننا نهتم بسلامتهم، وتجنب الاستخفاف بأفكارهم وتصوراتهم أو الإيحاء بأنها مختلقة أو غير حقيقية؛ تفاديا لنشوء جو من عدم الثقة، يجعل من الصعب عليهم أن يثقوا بنا مرة ثانية.

وينصح الخبراء أيضا بأن نعرض على المصابين مرافقتهم عندما يحتاجون إلى الخروج، لمنحهم مزيدا من الطمأنينة، وتشجيعهم على الاستمرار في العلاج، وممارسة تقنيات تخفيف التوتر، كتمارين الاسترخاء أو اليوغا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version