من المقرر أن تخفض تشيلي ساعات العمل الأسبوعية من 45 إلى 40 ساعة بعد موافقة البرلمان، ويتناقض القرار مع منظومة العمل في باقي دول أميركا اللاتينية.
وبذلك تنضم تشيلي إلى الإكوادور التي لديها أقصر أسبوع عمل بأميركا اللاتينية القارة التي تُعرف بأطول ساعات عمل رسمية في العالم، إذ تبلغ أسبوعيا بالأرجنتين والمكسيك وبيرو وبنما 48 ساعة، في حين يعمل البرازيليون قرابة 44 ساعة في الأسبوع الواحد.
القانون عكس الواقع
يشار إلى أن معظم دول العالم سنت قوانين لضمان حقوق العمال وتحديد ساعات العمل وحماية الموظفين من إجبارهم على العمل ساعات إضافية، بيد أن الواقع يشير إلى غير ذلك، ولا يقتصر هذا السلوك على الدول النامية.
فعلى سبيل المثال، تشتهر في اليابان ظاهرة “الكاروشي” أو الموت من الإفراط في العمل، إذ تبلغ ساعات العمل الأسبوعية 40 ساعة، لكن مستوى انتهاكات العمل مرتفع، وهو الأمر الذي دفع الحكومة اليابانية إلى إصدار قانون عام 2018 يحدد ساعات العمل الإضافية بـ 30 ساعة في الشهر.
ورغم ذلك، كشفت دراسة العام الماضي أن 37% من 18 ألف شركة تطلب من الموظفين العمل لساعات إضافية بمعدل 80 ساعة غير مدفوعة الأجر شهريا.
وليست اليابان وحدها التي تُعرف بساعات عمل طويلة، إذ تشتهر الولايات المتحدة أيضا بساعات إضافية أسبوعية، حيث يتعرض الموظفون لضغوط من أرباب العمل، خاصة في قطاعات معينة مثل الاقتصاد والقانون والتمويل والتكنولوجيا، في حين يضطر العديد من المحامين إلى العمل لقرابة 60 ساعة أسبوعيا من أجل الوفاء بساعات العمل المحددة.
كوريا الجنوبية تخطط لرفع ساعات العمل
وبحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن ساعات العمل بالولايات المتحدة تبلغ في المتوسط 1791 ساعة في السنة، بما يفوق متوسط ساعات العمل السنوية في ألمانيا بأكثر من 442 وأكثر من 301 ساعة في فرنسا.
يذكر أنه ليست جميع دول العالم تحذو حذو تشيلي في خفض ساعات العمل. فعلى النقيض منها، كانت كوريا الجنوبية تخطط هذا العام لرفع الحد الأقصى لساعات العمل من 52 إلى 69 ساعة، بعد أن اشتكت العديد من الشركات من أن النظام الحالي لا يساعد في الوفاء بمواعيد الإنتاج، بيد أن الحكومة اضطرت لإعادة النظر في الخطط المقترحة على وقع احتجاجات العمال. وخلال 2021، بلغ عدد ساعات العمل في كوريا الجنوبية بشكل رسمي 1915 ساعة.
وفي فرنسا، جرى تحديد ساعات العمل الأسبوعية بـ 35 ساعة مع مطلع الألفية الجديدة. ورغم أن القرار كان يُنظر إليه باعتباره وسيلة لتحسين التوازن بين العمل والحياة، فإن الواقع يشير إلى أن الإجراء يرمي إلى خفض البطالة، التي وصلت مستوى قياسيا بلغ 12.5% وتحديد النقطة التي يبدأ بعدها العمل لساعات إضافية مدفوعة الأجر.
معضلة جودة بيئة العمل
وتشير الإحصائيات إلى أن جودة بيئة العمل، بما يشمل عدد ساعات العمل والإجازات مدفوعة الأجر وأنظمة التقاعد والتأمين الصحي، تعد مرتفعة في الدول الديمقراطية وأكثر تقدما بسبب دور النقابات العمالية. ورغم ذلك، تظهر بيانات منظمة العمل الدولية أن الدول غير الأوروبية توجد بها ساعات عمل أسبوعية منخفضة.
وتجدر الإشارة إلى أن أيام العمل الرسمية بالدول المتقدمة تعد أقصر مع تزايد أيام العطلات والإجازات، في ظل قوانين تعوض العمال عن العمل لساعات إضافية. وبدأ إدخال نُظم لتحسين ظروف العمل منذ القرن 19، وقد جرى توسيع نطاق هذا الأمر عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ويعمل 15% فقط من العمال والموظفين بدول الاتحاد الأوروبي -الوقت الحالي- أكثر من 48 ساعة في الأسبوع، بينما تبلغ النسبة بالصين وكوريا الجنوبية أكثر من 40% وفي تشيلي تصل إلى 50% من اليد العاملة.
التوازن بين العمل والحياة
تعد الدانمارك الوحيدة من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ عددها 38 دولة، التي تُصنف على أنها واحدة من أسعد البلدان في العالم، حيث يشتهر فيها مصطلح “هيج” الخاص بفلسفة الحياة، والذي ينطوي على إيجاد جو دافئ والاستمتاع بقضاء أوقات مع الأصدقاء والعائلة.
وفي فرنسا وألمانيا، جرى إطلاق مبادرات من أجل تحسين التوازن بين العمل والحياة. بينما تعد إيطاليا من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تُعرف بكونها تضم نظم عمل جيدة في تحقيق هذا التوازن، حيث يتمتع الموظفون والعمال بأكبر قدر من الوقت لممارسة الأنشطة الترفيهية كما يعمل 3% فقط من اليد العاملة ساعات عمل طويلة قد تبلغ أكثر من 50 ساعة أسبوعيا.
وتعد الأجور أحد العوامل الرئيسية لمعرفة مدى رضى الفرد عن وظيفته، حيث شهدت الطبقات المتوسطة والعاملة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة انخفاضا في الأجور منذ عام 1980 عندما ترسخت الليبرالية الجديدة في الاقتصاد لأول مرة.
العمل ما بعد الجائحة
يشار إلى أنه خلال وباء كورونا، كان العمل من المنزل الخيار الوحيد لاستمرار دورة العمل، ورغم انتهاء الجائحة وتعافي الاقتصاد في الكثير من بلدان العالم، فإن العديد من الشركات ما تزال تسمح للموظفين بالعمل من منازلهم بشكل كامل أو بالمزج بين العمل في المكتب والعمل عن بُعد.
ووفقا لشركة شركة “ماكينزي” الأميركية الرائدة بمجال الاستشارات، فإن حوالي 20% من القوى العاملة في الاقتصادات المتقدمة يمكنها الاستمرار في العمل من المنزل ما بين 3-5 أيام أسبوعيا على المدى الطويل دون التأثير على الإنتاجية.