بالنسبة للبعض، فإن مجرد التفكير في مشاهدة فيلم رعب أو خوض تجربة مثيرة بمدينة الملاهي يبدو أمرا مزعجا وبعيدا عن أي شكل من المتعة، فهناك من لا يستطيعون حتى متابعة مشهد مخيف على الشاشة دون الاختباء خلف وسادة.

في المقابل، هناك من يجدون متعة حقيقية في تعمد إثارة الخوف داخلهم، حيث تشكل هذه اللحظات ذروة الإثارة والتشويق بالنسبة لهم، وكأنهم يستمتعون بتعمّد تخويف أنفسهم!

بدايةً، لا بد أن ندرك أن الخوف شعور إنساني طبيعي وأساسي يلعب دورا حيويا في حماية البشر من المخاطر المحيطة. ورغم ارتباطه غالبا بمشاعر سلبية مثل القلق والتوتر، فإن العديد من الناس يسعون إليه طواعية من خلال وسائل متنوعة، كأفلام الرعب والألعاب الخطرة أو الروايات المخيفة.

فما الذي يدفع البعض للبحث عن الخوف بإرادتهم؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حالتهم النفسية والعقلية؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بد من فهم أعمق لعلاقتنا بهذا الشعور البدائي وتأثيراته المتعددة.

ماذا يحدث عندما نشعر بالخوف؟

عندما يواجه الإنسان موقفا مخيفا، يستجيب الجسم بسرعة من خلال نظام يُعرف “القتال أو الهروب”، وهي آلية تطورية يطلقها الدماغ عبر هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول.

هذه الاستجابة تؤدي إلى تسارع ضربات القلب وارتفاع مستويات الطاقة وزيادة التركيز. ووفقا للدراسات، كانت هذه الاستجابة حاسمة لبقاء الإنسان حيث مكّنته من الهروب من الحيوانات المفترسة أو التعامل مع الأخطار الطبيعية.

هل يعيدنا الخوف إلى جذورنا؟

يسمح الخوف المصطنع، كما في أفلام الرعب أو الألعاب الخطرة، بتفعيل استجاباتنا الدفاعية الفطرية ضمن بيئة آمنة، فخلال هذه التجارب، نعيد اكتشاف آليات الإنذار القديمة التي كانت تحذر أسلافنا من المخاطر المحيطة.

بالإضافة إلى ذلك، تُحيي هذه التجارب روح المغامرة والاستكشاف التي كانت جزءا من حياة الإنسان القديم، مما يعزز فهمنا العاطفي والجسدي لأنفسنا.

لماذا نبحث عن المواقف المثيرة للخوف؟

تتيح لنا الأنشطة المثيرة للخوف، مثل زيارة بيوت الأشباح أو القفز بالمظلات، تجربة مستويات عالية من التشويق ضمن بيئة مسيطر عليها. فعندما يُدرك الدماغ أن الخطر ليس حقيقيا، يطلق هرمونات مثل الدوبامين الذي يعزز الشعور بالسعادة والمكافأة.

كما أن هذه الأنشطة توفر فرصا لتعزيز التواصل الاجتماعي، إذ تُقوي الروابط بين الأفراد من خلال مشاركة التجارب المخيفة. علاوة على ذلك، تساعد هذه المواقف في اكتشاف حدود قدراتنا الشخصية وتعزيز الثقة بالنفس.

Young couple watching scary movie together

هل للشعور بالخوف فوائد نفسية؟

تشير دراسة علمية نشرتها مجلة “ساينتفيك أميركان” إلى أن الخوف المصطنع يمكن أن يعمل كوسيلة فعّالة لتخفيف التوتر وتحفيز الشعور بالراحة بعد انتهاء التجربة، فإدراك أن التهديد الذي واجهناه لم يكن حقيقيا يعزز المزاج الإيجابي ويشجع على التفكير الإيجابي.

كما أن هذه التجارب تُكسب الفرد مرونة نفسية وقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة في حياته اليومية.

في المقابل، فإن هناك فئة من الناس لا تجد في هذا النوع من الإثارة أي متعة، ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها طبيعة استجابة الدماغ؛ فالبعض يفرزون كميات أقل من الدوبامين أثناء الشعور بالخوف، مما يقلل من إحساسهم بالإثارة.

كما أن الأشخاص الذين يعانون من القلق أو لديهم تجارب سلبية سابقة قد يتجنبون هذه الأنشطة تماما.

ويكمن الفارق الأساسي بين الخوف الذي يمكن أن يكون مفيدا والخوف الضار، في إدراك الفرد لوجود تهديد حقيقي أو وهمي. وبينما يستمتع البالغون بإثارة تجارب الرعب في بيئة آمنة، يجب توخي الحذر عند تقديم محتوى مخيف للأطفال الذين قد يجدون صعوبة في التمييز بين الخيال والواقع.

في النهاية، يظل الخوف جزءا أساسيا من التجربة الإنسانية، فهو شعور يمكن أن يُستخدم لاكتشاف الذات وتعزيز الروابط الاجتماعية وتخفيف التوتر، شريطة أن يُختبر ضمن سياقات آمنة ومدروسة.

وسواء كنت من محبي الرعب أو ممن يفضلون البقاء بعيدا عنه، فإن لهذا الشعور أثرا عميقا في فهمنا للعالم ولأنفسنا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version