كشف استطلاع جديد أعدة مركز “بيو” للأبحاث أن مزيدا من مواطني الدول ذات الدخل المرتفع “ليسوا راضين” عن الديمقراطية، وهو اتجاه في تصاعد مستمر منذ عدة أعوام.
ومنذ العام 2017، طرح القائمون على الاستطلاع سؤالا على المشاركين من 12 دولة تعتمد النظام الديمقراطي، ومتقدمة اقتصاديا، عن مدى رضاهم عن حالة ديمقراطيتهم.
وبشكل عام، انخفض الرضا في تلك البلدان بين عامي 2017 و2019 قبل أن ينتعش مرة أخرى في عام 2021، خلال جائحة كورونا، يؤكد تقرير الاستطلاع الذي نشره المركز، الثلاثاء.
إحباط
ومع ذلك، منذ عام 2021 أصبح الناس في هذه الدول أكثر إحباطا بشأن ديمقراطياتهم.
وكان ما نسبته 49% من المستجوبين في 12 دولة راضون عن الطريقة التي تسير بها ديمقراطيتهم في تلك السنة (2021)، لكن الآن (2024) 36% فقط لديهم هذا الرأي.
وتم إجراء الجزء الأخير من هذا الاستطلاع عام 2024 قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو.
يذكر أن اليمين المتطرف بقيادة الإيطالية، جورجيا ميلوني والفرنسية، مارين لوبان، إلى جانب يمنيين في دول أخرى، حقق قفزة نوعية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
وكل من باريس وروما قطبان مؤسسان للمشروع الأوروبي.
ويعتزم اليمين القومي المتطرف بفضل النتائج المحققة في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا والنمسا واليونان، أن يلقي بثقله في تحديد توجهات الاتحاد الأوروبي.
تعكس لنتائج الانتخابات الأوروبية “عدم الرضا العام” عن الأنظمة الديمقراطية، وفق المحلل الأميركي، باولو فان شيراك.
فان شيراك أكد في حديث لموقع “الحرة” أن نتائج الانتخابات الأوروبية “ترجمة واضحة لما كشف عنه استطلاع بيو”.
وقال “هناك إحساس عام في الدول الغربية، ذات الدخل المرتفع بأن الأنظمة لم تعد تقدم الكثير للمواطن” وأردف “ذلك يعود لعدة أسباب تتعلق أساسا بالأمن والاقتصاد”.
استطلاع “بيو” أشار إلى أن مستوى الرضا في 2014 أقل مما كان عليه في عام 2021 في تسع من الدول الـ 12 التي طُرح فيها ذات السؤال باستمرار، ويشمل ذلك ستة بلدان انخفض فيها الرضا بأرقام مضاعفة مثل كندا وألمانيا واليونان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
فان شيراك أشار بالخصوص إلى أن عدم الرضا قد يعبر عنه بذات الشكل في مختلف البلدان “إلا أن الأسباب قد تختلف من بلد لآخر”.
وقال إن عدم الرضا في الولايات المتحدة ربما يرجع لأسباب اقتصادية بحتة، تستجيب لمعطيات تتعلق بالقدرة الشرائية ونسب البطالة وتعويضات الصحية وغير ذلك، بينما في أوروبا تتعلق أكثر بالأمن الداخلي “أتحدث هنا عن ملف الهجرة الذي يؤرق الشعوب قبل الدول”.
وأوضح أن المواطن الأميركي وحتى الأوروبي أصبح لديه متطلبات تختلف عن تلك التي كانت تشغل بال أجداده، إذ إن هؤلاء كان همهم الوصول إلى أنظمة ديمقراطية بعد أن استولى العديد من المتطرفين على السلطة ومارسوا فيها شتى أنواع الديكتاتورية، “المواطنون اليوم يبحثون عن شيء مختلف، عن بديل عما تمت تجربته منذ عدة عقود، حتى ولو كان متطرفا في بعض مناحي الحياة”.
ويضيف فان شيراك أن “الديمقراطية في نظر المواطنين الآن مرادف لاختلال النظام، للانفتاح على الآخر الذي قد لا نتفق معه”، في إشارة إلى الدول التي تفتح حدودها للمهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط وبعض الدول الآسوية.
ويردف “الديمقراطية في نظر البعض تعني التنازل عن الخصوصية المجتمعية”.
وأردف “من هذا المنطلق تقترب الشعوب في بعض البلدان الغنية من تبنى اليمين المتطرف، والتخلي عن الديمقراطية التي لا تخدمهم” قبل أن يستدرك “في نظرهم طبعا”.
متغيرات
بالإضافة إلى الدول الاثنتي عشرة التي سألها المركز باستمرار عن الرضا عن الديمقراطية، تم طرح نفس السؤال هذا العام في 19 دولة أخرى (ليست بالضرورة ذات دخل مرتفع).
وفي 31 دولة تم استطلاع رأيها في ربيع عام 2024، قال ما متوسطه 54% إنهم غير راضين عن ديمقراطيتهم، بينما قال 45% راضون.
وبالنظر إلى المستجوبين عبر المناطق المختلفة، تتباين الآراء في أوروبا بشكل كبير، حيث أن 75% من السويديين راضون عن ديمقراطيتهم، مقارنة بنحو 22% فقط في اليونان.
وهناك تقريبا نفس المشهد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث أن أكثر من ثلاثة أرباع الهنود والسنغافوريين ــ ولكن 31% فقط من اليابانيين ــ راضون عن الطريقة التي تعمل بها ديمقراطيتهم.
يشار إلى أن الاستطلاع أُجري قبل الانتخابات الأخيرة في الهند.
في المقابل، في أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى وأميركا اللاتينية، عبّر نحو ثلثي أو أكثر من سكان جنوب أفريقيا والتشيليين والكولومبيين والبيروفيين عن آراء سلبية بشأن ديمقراطياتهم.
وتصديقا لما قال فان شيراك، أشار مركز “بيو” إلى أن شعور الناس تجاه الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكيفية اعتقادهم بأن اقتصادهم يعمل.
وفي جميع الدول الـ 31 التي شملها الاستطلاع، فإن الأشخاص الذين يقيمون الاقتصاد الوطني بشكل سلبي هم أكثر غير الراضين عن ديمقراطيتهم من أولئك الذين يقيمونه بشكل إيجابي.
وعلى نحو مماثل، يرتبط شعور الناس تجاه الحزب الحاكم في بلادهم بتقييماتهم للديمقراطية.
ففي 27 دولة، يؤكد المركز، قال مؤيدو الحزب الحاكم، أنهم راضون عن الطريقة التي تعمل بها ديمقراطيتهم.
وفي ثمانية بلدان وهي الأرجنتين، وتشيلي، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، وبولندا، وأسبانيا، والولايات المتحدة، كان الأشخاص ذوو التعليم الأقل، أقل رضا مقارنة بأولئك الذين حصلوا على قدر أكبر من التعليم، عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في بلدانهم.
وفي سبعة بلدان، وهي الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا وألمانيا وبيرو وسنغافورة وكوريا الجنوبية، قال البالغون تحت سن 35 عاما أنهم يشعرون بقدر أكبر من الرضا عن الديمقراطية مقارنة بمن يبلغون 50 عاما أو أكثر.
وفي بلدان أخرى شملها الاستطلاع، كانت هناك اختلافات قليلة حسب مستوى التعليم أو العمر.
بهذا الخصوص، يعود فان شيراك ليؤكد أنه بغض النظر عن مستوى المستجوبين أو ميولهم السياسية، فإن إحساس عدم الرضا يمكن أن يتم قياسه بالنظر إلى نتائج الانتخابات.
وقال إن نتائج الانتخابات في أغلب البلدان سواء مرتفعة الدخل أو المتوسطة، تؤشر على اتجاه متزايد نحو اليمين الذي يحفظ ويدافع عن خصوصيتهم في نظرهم، وقال “هذا يحولنا للتساؤل حول مدى نجاح العولمة”.
وتابع “أعتقد بأن المواقف من الديمقراطية ليس لها صلة بالدخل أو التعليم، هي تستجيب لمعايير جديدة تقوم على رؤية الفرد لاقتصاد بلده، والأمن وسياسة الهجرة المتبعة”.