تحظى القوة النارية الإيرانية بدعاية إعلامية مكثفة، لكن هجوم إيران الواسع على إسرائيل الأخير شكّل الاختبار الجدي الأكبر لهذه القدرات، إذ انخرطت الولايات المتحدة وعدة دول إقليمية وأجنبية، إلى جانب إسرائيل، في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية.

ورغم ذلك -وبحسب تقارير أميركية- فقد استطاعت 9 صواريخ إصابة أهداف عسكرية إسرائيلية.

يعد الهجوم على إسرائيل أول اختبار جدي للترسانة النارية الإيرانية في ظل جهود طهران الحثيثة لتطويرها وتحسينها، وتعويض الفارق التقني الكبير بينها وبين خصومها.

الهجوم الإيراني

وفي مساء يوم 13 أبريل/نيسان 2024، أطلقت إيران عشرات المسيرات والصواريخ باتجاه الداخل الإسرائيلي، في أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل، أطلقت عليه تسمية “الوعد الصادق”.

جاء الهجوم الإيراني ردًا على قصف الطائرات الإسرائيلية القنصلية الإيرانية في حي المزة بدمشق في الأول من أبريل/نيسان 2024، والذي قُتل فيه ضباط من الحرس الثوري الإيراني كان أبرزهم قائد فيلق القدس في لبنان وسوريا اللواء محمد رضا زاهدي ونائبه العميد محمد رحيمي.

ووفقًا لما نشره مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، استخدمت إيران في هجومها أكثر من 35 صاروخ كروز و110 صاروخ أرض أرض من طراز “خيبر شكن” الباليستي، إلى جانب أكثر من 185 طائرة انتحارية مسيرة من طراز “شاهد 136”.

ورغم عمليات الاعتراض المكثفة التي واجهت هذا الهجوم الواسع، فإن 9 صواريخ باليستية على الأقل تجاوزت الدفاعات الإسرائيلية وأصابت قاعدتين جويتين؛ 5 منها أصابت قاعدة نيفاتيم الجوية وأدت لتلف طائرة نقل ومدرج غير مستخدم، وأصابت 4 أخرى قاعدة النقب الجوية دون ورود أنباء عن أضرار كبيرة، وفقًا لشبكة “إيه بي سي” نقلا عن مسؤول أميركي.

شاهد لحظة إعطاء الأوامر لبداية الهجوم الإيراني على إسرائيل

 

الترسانة الإيرانية.. الصواريخ العاملة بالوقود السائل

وفقًا للمركز الوطني الأميركي للاستخبارات الجوية والفضائية، امتلكت إيران حتى العام 2021 ما لا يقل عن 6 صواريخ باليستية تعمل بالوقود السائل، أبرزها:

يعد نسخة من صاروخ “سكود- بي” السوفياتي، يعمل بالوقود السائل ويصل مداه الأقصى إلى حوالي 300 كيلومتر عند حمل رأس حربي يزن 1000 كلغ، مع هامش خطأ عن الهدف بحوالي 700 متر.

يعد نسخة معدلة من “شهاب-1″، استفادت إيران في تطويره من صواريخ “سكود- سي”، التي حصلت عليها في ثمانينيات القرن الماضي من كوريا الشمالية.

يحمل “شهاب-2” وقودًا إضافيًا ومؤكسدًا مع رأس حربي يزن 730 كلغ، أي أخف بحوالي 270 كلغ منه في “شهاب-1″، مما يسمح لأن يصل مداه إلى نحو 500 كيلومتر.

لكن تقنيات توجيهه التقليدية تنعكس سلبًا على دقته مع طول مداه، ليصل هامش الخطأ عن الهدف إلى حوالي 1500 متر، مما يفقده جدواه العسكرية مع إمكانية استخدامه لضرب المراكز الحضرية الكبيرة برؤوس حربية تقليدية.

مركبة عسكرية تحمل صاروخ “شهاب-2” خلال عرض عسكري في إيران (رويترز)

هو صاروخ قصير المدى يعمل بالوقود السائل، يعد نسخة محلية من “شهاب-2” مع نظام تحكم يحسن اتجاه الدفع لتحقيق استقرار الصاروخ أثناء الإقلاع، ومدى أطول يصل إلى 800 كيلومتر، مع هامش خطأ عن الهدف بحوالي 1000 متر.

استخدمت إيران الصاروخ لأول مرة يوم 18 يونيو/حزيران 2017 ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

أُعلن عنه في سبتمبر/أيلول 2018، وهو نسخة مطورة من “قيام-1” مع تعديلات في تصميم قسم الرأس الحربي، مما قد يقلص هامش الخطأ عن الهدف إلى حوالي 100 متر فقط، وفقًا لموقع “بريكينغ ديفينس”. وقد استُخدم صاروخ “قيام- 2” ميدانيًا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2018 ضد أهداف لتنظيم الدولة.

صاروخ “قيام-1” الإيراني استخدم لأول مرة ضد أهداف لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا (غيتي)

هو نسخة محسنة من “شهاب” أُعلن عنه في عام 2007، يزن رأسه الحربي حوالي 750 كلغ مع مدى يصل إلى 1600 كيلومتر، وهامش خطأ عن الهدف يصل إلى 300 متر فقط، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

واعتمادًا على مدى التحليق والكتلة الإجمالية للرأس الحربي، يمكن أن تكون سرعة “غدير” أعلى مرتين إلى ثلاث مرات من سرعة “شهاب”، مما يقلص الوقت المتاح لرد فعل الصواريخ الاعتراضية المضادة. وباستخدام هذا الصاروخ، تستطيع إيران ضرب إسرائيل من عمق أراضيها.

هو نسخة محسنة من “غدير”، أُعلن عنه في عام 2015 كأول صاروخ إيراني من هذه الفئة قادر على التوجيه والتحكم على طول الطريق إلى نقطة التأثير على الهدف، وفقًا لوزير الدفاع الإيراني السابق العميد حسين دهقان.

وقد شارك الصاروخ في مناورة “الرسول الأعظم 15” في يناير/كانون الثاني 2021، واستطاع إصابة هدف بحري في المحيط الهندي على بعد حوالي 1800 كيلومتر، وفقًا لقائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده.

 

“عماد” أول صاروخ بعيد المدى لإيران حيث يبلغ مداه نحو 1700 كيلومتر (غيتي)

صاروخ باليستي متوسط المدى يعمل بالوقود السائل، مشتق من صاروخ “موسودان” الكوري الشمالي الذي حصلت عليه إيران عام 2005، كُشف عنه لأول مرة عام 2017، وهو قادر على إيصال حمولة تزن 1800 كلغ إلى مدى 2000 كيلومتر.

وخلال اختباره في أغسطس/آب 2020، استطاع “خرمشهر” إصابة منطقة تبلغ مساحتها 40 مترًا مربعا، وفقًا لوكالة أنباء فارس. ومن التفسيرات المحتملة لهذه الحمولة الكبيرة جدًا (1500 إلى 1800 كلغ) هو أنه يحمل رؤوسًا حربية متعددة أو أجهزة خداع لإرباك أنظمة الدفاع الصاروخي.

صاروخ خرمشهر بإمكانه حمل عدة رؤوس حربية بدلا من رأس واحد (مواقع التواصل)

الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب

لا تستغرق الصواريخ الباليستية العاملة بالوقود الصلب سوى دقائق لتحضيرها قبيل الإطلاق، في مقابل وقت أطول قد يصل لساعات لصاروخ يعمل بالوقود السائل غير مزود بالوقود، مما يجعلها أقل عرضة للضربات الاستباقية، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

ويشير المركز الوطني الأميركي للاستخبارات الجوية والفضائية إلى امتلاك إيران حوالي 11 صاروخًا من هذا النوع، أبرزها:

في عام 1995، بدأت إيران في تطوير صاروخ “فاتح- 110” الباليستي القصير المدى، الذي يعمل بالوقود الصلب، وذلك عبر تعديل صاروخ “زلزال” المستنسخ هو أيضًا من صواريخ “سي إس إس 6″ و”سي إس إس 7” الصينية.

صواريخ فاتح-110 عرضها سابقا الحرس الثوري (أسوشيتد برس)

وكانت النتيجة أن “فاتح- 110” قادر على حمل رأس حربي بزنة 450 كلغ إلى مدى يتراوح بين 200 و300 كيلومتر.

وفي عام 2015، كشفت إيران النقاب عن “فاتح- 313” بحمولة مخفضة تبلغ 350 كلغ ومدى أطول يصل إلى 500 كيلومتر.

وفي عام 2018، أُعلن عن “فاتح مبين” الذي يحتوي على مجموعة توجيه مطورة مع باحث كهربائي بصري للتوجيه النهائي، وفقًا للمركز الوطني الأميركي.

وفي فبراير/شباط 2020، أُعلن عن صاروخ “رعد- 500” المطور من صواريخ “فاتح”، والذي يصل مداه إلى 500 كيلومتر، وله قدرة محسنة على التوجيه.

ويدل التطور في سلسلة “فاتح” على التحول الواضح في العقيدة الإستراتيجية الإيرانية نحو تعزيز الصواريخ كأسلحة ردع من خلال التركيز على الصواريخ القادرة على الإصابة بدقة.

 

صورة توضح تشابه صواريخ دزفول وفاتح 110 وذو الفقار مع الزعنفة الخلفية لكنها لا تحتوي على الامتداد الزائد المميز للضلع السفلي في الشظية (الجزيرة)
  • صواريخ “ذو الفقار” و”دزفول” و”القاسم”:

في عام 2016، قدمت إيران صاروخ “ذو الفقار” القصير المدى والعامل بالوقود الصلب، بحمولة 350 كلغ ومدى يصل إلى 700 كيلومتر، ونظام توجيه يستخدم أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية، مما يجعله دقيقًا للغاية.

وقد استُخدم “ذو الفقار” في الهجوم الصاروخي الذي وقع في يناير/كانون الثاني 2020 على قاعدة عين الأسد الجوية في العراق، ليظهر إتقان إيران لتقنيات التوجيه الدقيق للصواريخ القصيرة المدى حيث أصابت معظمها أهدافها الرئيسية.

أما صاروخ “دزفول” فهو أيضًا من سلسلة “ذو الفقار”، أُعلن عنه في فبراير/شباط 2019 بمدى يصل إلى 1000 كلم بقوة تدميرية مضاعفة.

وفي أغسطس/آب 2020، كُشف عن صاروخ “القاسم” من السلسلة نفسها بمدى يصل إلى 1400 كيلومتر.

صاروخ متوسط المدى يعمل بالوقود الصلب، أُعلن عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 برأس حربي يزن 700 كلغ ومدى يصل إلى 2000 كيلومتر.

“سجيل” هو صاروخ أرض أرض ويحتوي على محركين يعملان بالوقود الصلب (شترستوك)

الطائرات المسيرة

إلى جانب ترسانتها الأساسية من الصواريخ الباليستية، تطوّر إيران بشكل مستمر طائراتها المسيرة بفئاتها الثلاث: الصغيرة “مهاجر- 2″، والمتوسطة “مهاجر-4″، والثقيلة “مهاجر-129”.

ورغم احتوائها على أسلحة مدمجة أو صواريخ جو أرض وكونها انتحارية، فإن الفئات الثقيلة منها كانت تفتقر لقدرة ربط البيانات عبر الأقمار الصناعية، مما يقيّد أداءها للمسافات البعيدة.

لكن توريد هذه الطائرات إلى حلفاء إيران الإقليميين وفّر لطهران خبرة قيمة في مواصلة تطوير وتحسين هذه المسيرات وتكتيكاتها وتقنياتها. وإلى جانب مسيرات “مهاجر”، برزت طائرة “فطرس” المسيرة الكبيرة التي يقارب حجمها طائرة “إم كا- 9 ريبر” الأميركية المسيرة.

لكن أبرز تلك المسيرات كان طراز “شاهد” من المسيرات الانتحارية، وخاصة “شاهد 136” التي استُخدمت في هجوم 13 أبريل/نيسان 2024 على إسرائيل ويصل مداها إلى 2000 كيلومتر، وفقًا لمركز الاتحاد للأبحاث والتطوير.

بين العقيدة الهجومية ونقاط الانتشار

تنظر طهران إلى ترسانتها النارية باعتبارها قوة ردع وورقة ضغط في آنٍ معًا، وقد سعت لتعزيز مصداقيتها المطلوبة عبر استعراض قدراتها الإستراتيجية والتكتيكية، حيث شنت على مر العقد الماضي العديد من الضربات، ودعمت حلفاءها في مناطق النزاع والتوتر الذين بدورهم وظفوا هذه القدرات في مواجهات ميدانية حققت العديد من النجاحات.

ثم جاء الهجوم على إسرائيل، الذي أرادت من خلاله إقناع الخصوم والحلفاء على حد سواء بأنها على استعداد لاستخدام قدراتها النارية من أراضيها عند الضرورة.

فعبر انتشار الصواريخ والمسيرات الإيرانية أو تصدير برامج الإنتاج للحلفاء والوكلاء، استطاعت إيران مضاعفة قوتها النارية وتوسيع قدرات الردع واختبار هذه الأسلحة والتكتيكات ميدانيًا.

كما يوفر لها هذا الانتشار قدرة على التملص من العديد من الهجمات التي يشنها الوكلاء، كما في العراق وسوريا، كورقة إستراتيجية لتحقيق قدر من التأثير السياسي والنفسي على إسرائيل والولايات المتحدة.

يتوقع أن تعطي إيران الأولوية لتحسين الدقة على حساب توسيع نطاق قواتها الصاروخية (رويترز)

وتوفرُ أعداد كبيرة من المسيرات الانتحارية والصواريخ القصيرة المدى، ذات التكلفة المنخفضة نسبيًا، يمنح طهران قدرة على الإغراق الناري لإشغال أنظمة الاعتراض لدى الجانب الآخر، مما يسمح للصواريخ الأكبر حجمًا بتفادي دفاعات الخصم والوصول إلى أهدافها، مثلما حصل يوم 13 أبريل/نيسان 2024.

أمام هذا الواقع والتجارب والقوة المتراكمة، وتزايد التصعيد الإقليمي في الدول المحيطة بفلسطين المحتلة، يرجح المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن تستمر إيران في إعطاء الأولوية لتحسين الدقة على حساب توسيع نطاق قواتها الصاروخية إلى ما هو أبعد من 2000 كيلومتر، والتي تتجلى في طراز “فاتح” من الصواريخ.

ويرى الباحث في المعهد مايكل إيلمان أن هذه الصواريخ القادرة على ضرب المطارات بدقة قد تحد من معدل الطلعات الجوية للمقاتلات الجوية، والتي تعد أمرًا حيويا للإستراتيجيات القتالية الأميركية والإسرائيلية. كما يمكن لهذه الدقة أن تجنبها الأضرار الجانبية لضرب البنية التحتية العسكرية والمدنية الرئيسية، مع تقليل خطر ردود الفعل الدولية العنيفة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version