يرافق الإعلان عن زيادة جديدة بأسعار الكهرباء في مصر، توقع محللين وخبراء اقتصاد إضافة المزيد من الضغوط على تكاليف المعيشة بالبلد التي يعيش ثلثا سكانها، البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، تحت خط الفقر، أو فوقه بقليل.

وكشفت تقارير إعلامية هذا الأسبوع، عن زيادة أسعار الكهرباء للمنازل في مصر بما يصل إلى 50 بالمئة، مع استمرار خطط إلغاء الدعم تدريجيا، التي تُطبق منذ أكثر من عقد، إذ تقول الحكومات المتعاقبة إن الأسعار “لا تتناسب مع تكلفة إنتاج الكهرباء” في البلاد.

ولم تعلن الحكومة المصرية حتى الآن بشكل رسمي زيادة أسعار الكهرباء، بينما نقلت وسائل إعلام بما في ذلك وكالة رويترز، عن مصادر بوزارة الكهرباء المصرية، قولها إن الزيادة الجديدة في الأسعار تم تطبيقها، السبت، على نظام العدادات مسبقة الدفع، على أن يتم تطبيقها على العدادات العادية في الأول من أكتوبر المقبل، وأن الزيادة تتراوح بين 14.45 بالمئة، إلى 50 بالمئة.

وحسب تقرير لصحيفة “المصري اليوم” فإن أسعار الكهرباء للشرائح من الأولى وحتى الرابعة، التي تقول المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان، إنها “تمثل شرائح الفئات الأكثر فقرا ومتوسطي الدخل”، زادت بنسبة تتراوح بين 17 و24 بالمئة.

أسعار الكهرباء في مصر.. كيف زادت على مدار السنين؟

كشفت وسائل إعلام، هذا الأسبوع، عن زيادة أسعار الكهرباء للمنازل في مصر بما يصل إلى 50 بالمئة مع استمرار خطط إلغاء الدعم تدريجيا والتي بدأت منذ أكثر من عقد، حيث تقول الحكومات المتعاقبة إن الأسعار لا تتناسب مع تكلفة إنتاج الكهرباء في البلاد.

“بين الصندوق والجنيه”

ويرى الخبراء الذين تحدثوا مع موقع “الحرة” أن “الزيادة في أسعار الكهرباء كانت متوقعة في ظل ما يتضمنه البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي من تعهدات بتخفيض دعم الطاقة، فضلا عن سعي الحكومة لتعويض انعكاس تحرير سعر الصرف على تكاليف إنتاج الكهرباء، والدعم المخصص في موازنة العام المالي الجاري”.

واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي، قبل 4 أشهر، على استئناف برنامج قرض تعثر لأكثر من عام، وزيادة قيمته إلى 8 مليارات دولار، ورافق ذلك تنفيذ بعض الإصلاحات المتفق عليها من بينها تحرير سعر صرف الجنيه وزيادة أسعار المحروقات.

وتقول الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس، إن الحكومة لم يكن أمامها بديل “سوى زيادة أسعار الطاقة بما في ذلك الكهرباء، من أجل الوفاء بما تعهدت به في برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي وكذلك إصلاح منظومة الدعم”.

وتضيف رمسيس لموقع “الحرة” أن “انقطاع الكهرباء في إطار خطة تخفيف الأحمال التي كانت تتبناها الحكومة، واستيراد المزيد من شحنات الغاز المسال مؤخرا من أجل السيطرة على الأزمة، يضعنا أمام خيارات مؤلمة، يأتي في مقدمتها تحريك الأسعار”.

وكانت مصر تعاني منذ الصيف الماضي من أزمة في إنتاج الكهرباء، دفعت وزارة البترول والثروة المعدنية إلى اتخاذ قرار بوقف صادرات الغاز الطبيعي المسال اعتبارا من مايو 2024، وطبقت خطة لتخفيف الأحمال من خلال قطع التيار الكهربائي، قبل إلغائها الشهر الماضي، على خلفية التعاقد واستلام “شحنات وقود تكفي لإنهاء انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف” من يوليو حتى سبتمبر.

لهذا كان خيار رفع أسعار الكهرباء “متوقعا” منذ أسابيع، خاصة بعد زيادة أسعار الوقود للمرة الثانية على التوالي، منذ بداية 2024، في يوليو الماضي، وفق رمسيس، التي تشير إلى “تصريحات رئيس الوزراء بشأن استمرار زيادة الأسعار تدريجيا خلال الفترة المقبلة”.

بدوره، يؤكد أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، هشام إبراهيم، أن “الحكومة سعت من خلال زيادة أسعار الطاقة، لتخفيض آثر الزيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه على دعم الطاقة في موازنة العام المالي الجاري”.

ويضيف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “ما حدث من زيادة في الأسعار، لا يمكن اعتباره تخفيضا للدعم حتى الآن، بل هو محاولة من الحكومة للوصول بالدعم إلى المستوى المستهدف في الموازنة، خصوصا بعد تراجع قيمة الجنيه على خليفة تحرير أسعار الصرف”.

وتراجع دعم الكهرباء في مصر خلال السنوات العشر الماضية، بنسبة تقترب من 1000 بالمئة تقريبا، حسب المقارنة بين بيانات دعم الكهرباء التي تظهرها الموازنات العامة للدولة.

ووفقا لبيانات وزارة المالية المصرية، فإن دعم الكهرباء في موازنة العام المالي الحالي 2024-2025، يبلغ نحو 2.5 مليار جنيه (51 مليون دولار)، بالمقارنة مع نحو 23.60 مليار جنيه (480 مليون دولار بأسعار الصرف الحالية) في موازنة 2014-2015.

أما فيما يتعلق بإجمالي الدعم بالموازنة، فيبلغ نحو 635.9 مليار جنيه (13.5 مليار دولار)، ارتفاعا من 529.7 مليار جنيه (11.2 مليار دولار) خلال العام المالي الماضي. وهو ما يعني وفق إبراهيم “أن الحكومة تحاول من خلال زيادة الأسعار الحفاظ على المستهدفات وعدم زيادة العجز المالي”.

بعد زيادة أسعار الوقود في مصر.. ما التالي؟

قررت الحكومة المصرية، زيادة أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود، للمرة الثانية خلال 2024، في خطوة اعتبرها الخبراء تستهدف الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج قرض موسع بعد تأجيل لأكثر من 3 أسابيع.

التضخم “المُدهش”

يتوقع الخبراء خلال حديثهم زيادة محتملة في معدلات التضخم بالبلاد خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذ تقول رمسيس: “أتوقع ارتفاع التضخم بعد تباطؤ (مُدهش) كان قد حدث خلال الشهور القليلة الماضي”.

وبلغ معدل التضخم في مصر، نحو 25.7 بالمئة في يوليو الماضي، على أساس سنوي، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، منخفضا من مستوى قياسي سُجل في سبتمبر الماضي عند 38 بالمئة.

ويثير هذا التراجع “الاندهاش والتعجب”، وفق رمسيس، التي تتساءل: “لماذا تواصل معدلات التضخم التراجع في مصر بالرغم من استمرار ارتفاع العديد من أسعار السلع؟ هذا أمر مثير”.

ومع ذلك، تقول إن “تباطؤ التضخم في مصر قد يكون راجعا إلى معادلة إحصائية تتعلق بالمقارنة بسنة الأساس في العام الماضي، التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات، وبالتالي فإن أي زيادة في المعدلات الحالية لن ترقى للمستوى الذي وصلت إليه الأسعار في العام الماضي”.

بدوره، يقول أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، إن زيادة أسعار الكهرباء قد لا تظهر في بيانات التضخم التي من المُقرر الإعلان عنها في سبتمبر المقبل، حيث إن “هذه المعدلات ستظهر فقط تأثير زيادة أسعار الوقود الذي جرى قبل شهر”.

ويضيف أن “زيادة أسعار الكهرباء قد تظهر في معدلات التضخم لشهر سبتمبر التي سيًعلن عنها في أكتوبر اللاحق”، ويشير إلى أن “هذا يفرض ضغوطا إضافية على لجنة السياسة النقدية لإبقاء أسعار الفائدة في البلاد خلال الاجتماع المقبل عند نفس مستوياتها دون تغيير”.

ويضيف: “البنك المركزي سيحافظ على معدلات الفائدة المرتفعة في ظل الانعكاس المحتمل لهذه الزيادة في أسعار الطاقة على معدلات التضخم، وبالتالي فإن من المستبعد تخفيض الفائدة خلال سبتمبر المقبل”.

ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري، في الخامس من سبتمبر المقبل، لبحث أسعار الفائدة التي رفُعت بالتزامن مع تحرير سعر صرف الجنيه في السادس من مارس الماضي، بواقع 600 نقطة أساس ليصل سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 27.25 بالمئة، و28.25 بالمئة على الترتيب.

ويستهدف البنك المركزي المصري الوصول بمعدل التضخم إلى متوسط عند 7 بالمئة (±2 نقطة مئوية) خلال الربع الرابع من عام 2024، ومتوسط 5 بالمئة (2± نقطة مئوية) خلال الربع الرابع من عام 2026، وفقا لما يشير عبر موقعه الإلكتروني.

أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن “ثمن الإصلاحات”؟

في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي لطالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.

“المزيد من المعاناة”

يجمع الخبراء خلال حديثهم على أن زيادة أسعار الكهرباء ستضيف المزيد من الأعباء على تكاليف المعيشة بالنسبة للمواطنين، خصوصا أن ذلك لا يرافقه ارتفاعا في الدخل، إذ يقول إبراهيم إن “زيادة الأسعار ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالكثير من الخدمات، التي سترتفع أسعارها بالتبعية خلال الفترة المقبلة”.

ويضيف: “رغم أن الزيادة تبدو محدودة في أسعار شرائح الكهرباء الأكثر استخداما من قبل محدودي الدخل والفقراء، إلا أنها كبيرة من حيث النسبة المئوية، وتؤثر على تكاليف المعيشة بالنسبة إليهم”.

وفي تقرير قبل نحو 8 سنوات، قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن زيادة أسعار الكهرباء في مصر بين عامي 2012 و2016 أدت إلى تحمل المواطنين زيادة متراكمة تتجاوز 160 بالمئة في قيم فواتير الكهرباء وحدها، مضيفة أن الحكومة لم تراع التضخم القياسي لأسعار المعيشة على المصريين، خاصة الفقراء، وأصرت على رفع أسعار الكهرباء على جميع شرائح.

لهذا تعتبر رمسيس أن “الطبقات محدودة الدخل والفقراء في مصر الأكثر معاناة بفعل الارتفاعات المتلاحقة في أسعار السلع والخدمات، إذ ينتهز التجار أي فرصة لزيادة سعر أي خدمة أو سلعة لزيادة باقي السلع”.

وتقول رمسيس: “الفقراء ومحدودو الدخل يعانون الأمرّين. الارتفاعات كبيرة جدا، والتجار ينتهزون أي فرصة لتحقيق هامش الربح أكبر على اعتبار أنهم يحاولون تدبير تكاليف المعيشة”.

ومنذ 4 أعوام، لم تنشر السلطات المصرية بيانات الفقر في البلاد. وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير “بحث الدخل والإنفاق” عام 2020، الذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة.

وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق “بحث الدخل والإنفاق”، نحو 857 جنيها للفرد شهريا (55 دولارا بأسعار الصرف في نهاية 2020، وهو 18 دولارا بأسعار الصرف الحالية).

ويبلغ الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص في مصر حاليا نحو 6000 جنيه شهريا (126.49 دولارا)، بعد أن أعلنت السلطات زيادته قبل أشهر.

وتضيف الخبيرة الاقتصادية: “المظلومون في هذه البلد هم المواطنون العاديون من موظفي الحكومة والقطاع الخاص، هؤلاء انتقلوا خلال سنوات قليلة من الطبقة الوسطى إلى الطبقة محدودة الدخل”.

وتؤكد رمسيس أن المصريين “يعانون، لكنهم لا يزالوا يتحملون تبعات الإصلاح الاقتصادي، بسبب المخاطر السياسية الإقليمية المحيطة بالبلاد من كل جانب”، على حد تعبيرها.

ومع ذلك، تُحذر من “استمرار ارتفاع الأسعار بمستويات تجعل الأوضاع غاية في الصعوبة ولا يمكن تحملها”، إذ تقول: “أعتقد أن الحكومة في حاجة إلى السير بحذر أكثر خلال الفترة المقبلة فيما يتعلق برفع الأسعار وتخفيض الدعم، خصوصا أن هذه الخطط لا يقابلها أي زيادة في الدخل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version