لندن ـ تحولت الكتلة الناخبة المسلمة في بريطانيا إلى “بيضة القبان” القادرة على حسم العشرات من المقاعد البرلمانية، وهو ما يفسر اهتمام الأحزاب البريطانية بهذه الكتلة وخصوصا حزب العمال الذي نجح في عهد زعيمه السابق جيرمي كوربن في احتكار هذه الكتلة بشكل كبير لولا أن الأمور تغيرت كثيرا في عهد الزعيم الجديد للحزب كير ستارمر.

وتسود حالة من الغضب في صفوف الجالية المسلمة بسبب مواقف حزب العمال من الحرب على قطاع غزة، حيث اختار الحزب ولمدة أشهر الوقوف في صف إسرائيل والتغاضي عن جرائمها، مما دفع أكثر من 20 نائبا برلمانيا للاستقالة من الحزب، إضافة لأكثر من مائة ممثل للحزب في البلديات.

كما نجم عن هذا الغضب اختيار عدد من المرشحين المسلمين الذين كانوا سابقا ينتمون للحزب أن يتقدموا للانتخابات العامة التي ستجري يوم الرابع من يوليو/تموز كمرشحين مستقلين، واضعين فلسطين في قلب أجندتهم السياسية.

حزب العمال البريطاني يخسر 20% من الأصوات بسبب تأييده للحرب الإسرائيلية على غزة

كتلة مهمة

يبلغ عدد المسلمين في بريطانيا 3.9 ملايين مسلم، حسب آخر إحصاء سكاني في بريطانيا لسنة 2021؛ ولذا  يشكلون 6.5% من السكان، وحسب نفس الإحصاء فإن أكثر من ثلثي هذا العدد هم من فئة الشباب وما فوق، وهو ما يجعل الكتلة الناخبة المسلمة في بريطانيا تبلغ حوالي 2.9 مليون شخص.

ووفقًا لآخر استطلاع أجراه معهد “سورفيشن” (Survation)، فإن 43% من المسلمين في بريطانيا سوف يصوتون لحزب العمال وهو ما يشكل انخفاضا كبيرا مقارنة بالسنوات الماضية، حيث حصل حزب العمال على أصوات حوالي 80% من أصوات المسلمين في انتخابات سنة 2019، أما حزب المحافظين فلن يحظى إلا بدعم 6% من المسلمين حسب نفس الاستطلاع.

ومن خلال العودة للانتخابات المحلية التي جرت في شهر أبريل/نيسان الماضي، فإن الحزب خسر 39% من حصته في التصويت بالدوائر التي يشكل فيها المسلمون أكثر من 70% من السكان.

وتشمل المدن الرئيسية التي يمكن أن تكون فيها الأصوات المسلمة حاسمة: برمنغهام ولندن ومانشستر، وهي المدن التي تعرف وجودا كثيفا للمسلمين، وفي مدينة لندن وحدها فإن الصوت المسلم قادر على حسم أكثر من 20 مقعدا، وكذلك مدينة برمنغهام التي يشكل فيها المسلمون 30% من السكان، وتعتبر برمنغهام ثاني أكبر مدينة في بريطانيا بعد لندن.

سامح حبيب: خسارة حزب العمال لبنك الأصوات التقليدي يمكن أن يحرمه من عدة مقاعد مهمة (الجزيرة)

قوة الصوت المسلم

اختار السياسي البريطاني من أصول فلسطينية سامح حبيب الاستقالة من حزب العمال احتجاجا على سياساته في الملف الفلسطيني، والانضمام لحزب “العاملون” (Workers) الذي يتزعمه السياسي البريطاني جورج غالاوي، للترشح للانتخابات البرلمانية.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، أكد سامح حبيب أن هذه الانتخابات هي أبرز انتخابات برلمانية تكون السياسة خارجية فيها حاضرة بقوة ولها تأثير مباشر على قرار الناخبين “بسبب قوة الصوت العربي والمسلم الذي صدم من مشاهد الإبادة الجماعية الحاصلة والمتواصلة ضد أهالي قطاع غزة والموقف المخزي لكل من حزب المحافظين والعمال تجاه ما يحصل”.

وأضاف السياسي البريطاني أن تبني رئيس الوزراء ريشي سوناك وتماهي حزبه التام مع السياسات الإسرائيلية لم يقابله إلا دعم كير ستارمز زعيم حزب العمال لما أسماه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعدم اتخاذ موقف من الإبادة الجماعية الجارية في غزة، “وهذا يعكس ثقل وحجم نفوذ اللوبي الصهيوني على السياسات البريطانية في المنطقة”.

وأكد حبيب أن الناخب المسلم والعربي انتبه لهذا الخلل ولهذه السياسة المنحازة لإسرائيل، وبالتالي يمكنه “مقاطعة التصويت لحزب العمال الذي يراهن تاريخيا على دعم الأقليات”، وهذا يعني أن “خسارة الحزب لبنك الأصوات التقليدي يمكن أن يحرمه من عدة مقاعد مهمة”.

فلسطين حاضرة

لسنوات طويلة انخرط البروفيسور كامل حواش في حزب العمال وشارك معه في أكثر من موعد انتخابي إلا أن الحرب على غزة كانت موعدا فارقا لهذا السياسي البريطاني من أصول فلسطينية ليقرر -وعلى غرار سامح حبيب- الاستقالة من الحزب والترشح للانتخابات مستقلًّا.

واختار حواش الترشح في مدينة برمنغهام، وفي حديثه مع الجزيرة نت، أكد أنه استقال من حزب العمال “ردا على موقف كير ستارمر من الحرب الإسرائيلية على غزة”، وقرر المشاركة في الانتخابات مرشحا مستقلًّا.

وأضاف الناشط السياسي الفلسطيني أنه لمس أهمية وجوده كمرشح داعم للقضية الفلسطينية حين اختار حزب العمال الاستعاضة عن مرشحه الذي هو رئيس رابطة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، والدفع بكولونيل سابق في الجيش البريطاني عمل في أفغانستان، كمشرح بديل.

ومن خلال متابعته للنقاشات السياسية خلال الحملة الانتخابية، أكد حواش أن القضية الفلسطينية في قلب الحشد الانتخابي في الدائرة التي ترشح فيها على غرار دوائر أخرى، “وهو ما نلمسه في حديثنا مع الناخبين”.

وأضاف أن “المزاج العام في الدائرة حيث أترشح يشغله موضوع الإبادة الجماعية في غزة بشكل قوي وواضح، البريطانيون لن يصوتوا لحزب المحافظين لكنهم أيضا غير مقتنعين بمواقف حزب العمال وربما هذا ما قد يدفعهم للتصويت لمرشح مستقل مثلي”.

وشدد حواش على وجود كتلة مستقلة من البرلمانيين البريطانيين المؤيدين لفلسطين “سوف يشكل تغييرا كبيرا في المعايير التي يتم عبرها التدافع السياسي في البرلمان البريطاني، لأن حزب المحافظين الذي من المفترض أن يحتل موقع المعارضة، لا يبدو أنه جاهز لأداء هذه المهمة بكفاءة بالنظر للانقسامات الموجودة”.

وأعرب عن اعتقاده بأن صعود كتلة من البرلمانيين المستقلين لو تم انتخاب عدد كاف منهم ستعطي دفعة جديدة وغير مسبوقة لتدبير النقاش والقرار السياسي البريطاني.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version