من المقرر أن يصل جيك سوليفان إلى بكين الثلاثاء في أول زيارة له للصين كمستشار للأمن القومي الأميركي لإجراء محادثات مع وزير الخارجية وانغ يي على مدار ثلاثة أيام.
لكن على مدار أكثر من عام، عقدت العديد من اللقاءات والمحادثات الصعبة بين الرجلين لسد الفجوة التي كانت تعمقت وتوسعت بين بلديهما بعد أزمة تحليق منطاد تجسس صيني فوق الولايات المتحدة في يناير 2023.
فبعد ثلاثة أشهر من الحادث، شرع سوليفان في مهمة سرية خاصة من أجل إدارة العلاقات بين القوتين العظميين المتنافستين عبر “قناة استراتيجية” خلال فترة محفوفة بالتوترات.
وبحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”، فقد سافر سوليفان إلى فيينا في العاشر من مايو 2023، لحضور “اجتماع سري” يتماشى مع السمعة التاريخية للعاصمة النمساوية، حيث التقى بوانغ يي وأجرى وفدان من البلدين سلسلة من المحادثات في فندق إمبريال امتدت لأكثر من ثماني ساعات على مدى يومين.
وتقول الصحيفة إن هذه الاجتماعات كانت الأولى ضمن لقاءات سرية عديدة حول العالم، بما في ذلك مالطا وتايلاند، فيما أصبح يطلق عليها الآن “القناة الاستراتيجية”.
وتشير إلى أن هذه القناة كانت بمثابة ممتص للصدمات وساعدت في الحد من خطر سوء التقدير من الدولتين، رغم أنها لم تحل القضايا الأساسية بينهما.
وستكون زيارة سوليفان هي الأولى لمستشار أميركي للأمن القومي إلى الصين منذ العام 2016، رغم أن مسؤولين آخرين كبار بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن قاموا بزيارات خلال العامين الماضيين.
ولم تكن حادثة البالون هي الوحيدة التي جعلت العلاقات بين البلدين تنزلق إلى أدنى مستوى بينهما منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية في عام 1979.
فقد اشتعلت التوترات في أغسطس 2022 عندما أصبحت نانسي بيلوسي أول رئيسة لمجلس النواب الأميركي تزور تايوان منذ 25 عاما. وردت الصين بتدريبات عسكرية ضخمة وأطلقت صواريخ باليستية فوق الجزيرة لأول مرة.
وكانت الصين غاضبة من ضوابط التصدير الأميركية على أشباه الموصلات، في حين كانت واشنطن غاضبة من أن بكين بدا أنها تقدم الدعم لحرب روسيا في أوكرانيا.
ويبدو أنه تم اختيار فيينا للاجتماع الأول بين الرجلين لأنها كانت على مسافة متساوية من واشنطن وبكين، وحيث يمكن للمسؤولين الاجتماع دون جذب كثير من الاهتمام.
قبل ستة أشهر، اتفق الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ على إنشاء قناة استراتيجية عندما التقيا في قمة العشرين في بالي بإندونيسيا، لوضع “أرضية” للعلاقة لمنعها من الانحدار أكثر. ولكن في غضون أشهر، خرجت الخطة عن مسارها بسبب قضية البالون، فكانت فيينا فرصة لمحاولة إعادة العلاقات.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاجتماعات السرية في فيينا تضمنت أربعة مسؤولين من كل جانب.
التقى الرجلان مجددا بشكل سري في مالطا في سبتمبر 2023، قبل أن يزور وانغ واشنطن للقاء بايدن في أكتوبر من نفس العام ليمهد الطريق لقمة بين الرئيسين الأميركي والصيني في سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023.
وبحسب “فاينانشيال تايمز” عقد اجتماع سري ثالث في بانكون في يناير 2024.
وتشير الصحيفة إلى أن كلا من فريقي الطرفين دخل إلى الاجتماعات بقائمة مخصصة من القضايا الاستراتيجية التي أرادوا مناقشتها بالتفصيل.
كانت رسالة الصين الرئيسية تتعلق بتايوان باعتبارها القضية الأكثر أهمية، و”خطا أحمر” لا ينبغي تجاوزه أبدا.
وتنظر الصين إلى مشاركة الولايات المتحدة مع تايوان باعتبارها تدخلاً في شؤونها الداخلية.
في فيينا، على سبيل المثال، أكد سوليفان أن واشنطن لا تحاول إشعال حرب، وفقا لما نقلت الصحيفة عن أحد المطلعين على هذه الاجتماعات
وبينما حاول سوليفان والمسؤولون الأميركيون توضيح أن وجود منافسة بين الدولتين لا ينبغي أن يمنع التعاون، رفض الصينيون تأطير الولايات المتحدة للعلاقة باعتبارها “منافسة”، وأرادوا تعريف العلاقة والاختيار ما بين “شركاء”، بحسب الصحيفة.
وفي مالطا، ناقش الطرفان الصفقات المحتملة للقمة، بما في ذلك التسوية التي تتضمن رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على معهد الطب الشرعي التابع للحكومة الصينية في مقابل قيام بكين باتخاذ إجراءات صارمة ضد تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل. كما تحدثا عن إحياء قنوات الاتصال بين الجيشين التي أغلقتها الصين بعد زيارة بيلوسي لتايوان، كما دار حوار بشأن الذكاء الاصطناعي.
وخلال المناقشات التي تمت، تحدثت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن مساعدة الصين لروسيا في إعادة بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية، وهي قضية تم الحديث عنها علنا من جانب واشنطن.
والجمعة، أعلنت واشنطن سلسلة جديدة من العقوبات تستهدف 400 كيان وفرد، في روسيا والخارج وبينهم العديد من الشركات الصينية.
وتشمل العقوبات شركات في الصين تقوم بشحن الأجهزة الإلكترونية الدقيقة وأدوات الآلات إلى روسيا، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية يوضح العقوبات.
وبعد شهرين من القمة في سان فرانسيسكو، التقى وانغ وسوليفان مرة أخرى في بانكوك.
ركز وانغ هذه المرة على قضيتين هما تقاطع الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن، وتايوان.
كانت الصين قد عبرت مرارا وتكرارا عن غضبها من ضوابط تصدير التكنولوجيا الأميركية، وترى أن الولايات المتحدة تحاول احتواء صعود الصين الاقتصادي.
وبالرغم من أن هذه “القناة الاستراتيجية” لم تحل الكثير من القضايا إلا أنها على ما يبدو منعت تصعيد الأزمات وحلت أيضا بعض المشاكل.
ففي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت الصين فرض قيود جديدة على المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل، وهي مادة أفيونية صناعية قوية، تعتبر “التهديد الأكثر فتكا الذي واجهته الولايات المتحدة على الإطلاق”، بحسب وصف وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند.
وبدءا من الأول من سبتمبر، ستفرض السلطات الصينية رقابة أكثر صرامة على إنتاج وبيع المواد الثلاث الكيميائية، بما في ذلك إلزام المصدرين بالحصول على ترخيص، وفقا لإشعار حكومي نُشر عبر الإنترنت الاثنين، بحسب ما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
بعد سنوات من الضغط الأميركي.. الصين تقيد استخدام الفنتانيل
بعد سنوات من الضغط، أعلنت الصين أخيرا فرض قيود جديدة على المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل، هي مادة أفيونية صناعية قوية، تعتبر “التهديد الأكثر فتكا الذي واجهته الولايات المتحدة على الإطلاق”، بحسب وصف وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند.
واستباقا لزيارة سوليفان، قالت شبكة البث الرسمية “سي سي تي في” نقلا عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية إن “الصين ستركّز على التعبير عن مخاوف جديّة وتوضيح موقفها القوي وتقديم مطالب صارمة تتعلّق بمسألة تايوان وحقوق التنمية وأمن الصين الاستراتيجي”.
وأفادت “سي سي تي في” بأن “مسألة تايوان أول خط أحمر لا يمكن تجاوزه في العلاقات الأميركية الصينية واستقلال تايوان هو الخطر الأكبر على السلام والاستقرار في مضيق تايوان”.
وأضافت أن “على الولايات المتحدة الامتثال إلى مبدأ الصين الواحدة والبيانات الأميركية الصينية الثلاثة المشتركة والإيفاء بالتزامها عدم دعم استقلال تايوان”.
من جانب آخر، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية الجمعة أن سوليفان ووانغ يي سيناقشان خلال المحادثات، التي ستجرى بين 27 و29 أغسطس في بكين، قضايا تايوان والمحادثات العسكرية بين البلدين والذكاء الاصطناعي، ودعم الصين لصناعة الدفاع الروسية وجهود مكافحة المخدرات فضلا عن تطورات الأوضاع في بحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية والشرق الأوسط وميانمار.
وذكر موقع أكسيوس أنه من المتوقع أن يضع سوليفان ويي الأساس لاجتماع محتمل بين بايدن ونظيره الصيني في وقت لاحق من العام لمتابعة نتائج القمة التي عُقدت في كاليفورنيا في نوفمبر الماضي.