تقترب إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة من التوصل إلى اتفاق من شأنه إطلاق سراح معظم النساء والأطفال الإسرائيليين، الذين تم اختطافهم في هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
ورغم غياب أي تعليق رسمي يحسم آخر تطورات القضية “الشائكة”، يشير مسؤولون كبار إلى “خطوط عريضة عامة للصفقة أصبحت واضحة ومحددة”.
ونقل كاتب الرأي في صحيفة “واشنطن بوست”، ديفيد أغناطيوس، الثلاثاء، عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن “الاتفاق قد يتم الإعلان عنه خلال أيام، إذ تم حل التفاصيل النهائية”، ويدعو إلى إطلاق سراح النساء والأطفال الإسرائيليين في مجموعات.
وبالتزامن مع ذلك سيتم إطلاق سراح النساء والشباب الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، وتابع المسؤول إن “صفقة تبادل الرهائن والأسرى من المتوقع أن يصاحبها وقف مؤقت لإطلاق النار، ربما لمدة خمسة أيام. ومن شأن هذه الهدنة أن تسمح بالسفر الآمن للأسرى الإسرائيليين”.
ويأتي الكشف عن قرب التوصل لاتفاق بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي دخول قواته البرية إلى مدينة غزة، وفي أعقاب إعلان حماس أنها أبلغت وسطاء باستعدادها لإطلاق سراح نحو 70 طفلا وامرأة خلال هدنة تستمر خمسة أيام.
وما بين هذين الحدثين، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في تصريح لافت، الاثنين: “أمامنا أسبوعان أو ثلاثة قبل أن يتنامى الضغط الدولي (على إسرائيل) في شكل فعلي، لكن وزارة الخارجية تجتهد لتوسيع هامش المشروعية، والمعارك ستتواصل طالما كان ذلك ضروريا”.
وسبقت تصريحات كوهين إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في مقابلة مع شبكة “أن بي سي” الأميركية، الأحد، أن هناك احتمالا للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن، فيما قال مستدركا: “كلما قللت كلامي عن هذا الموضوع، ازدادت فرص تحقّقه”.
“الثمن سيكون باهظا”
وتعتبر قضية الرهائن لدى حماس واحدة من بين اثنتين وضعتهما إسرائيل كأهداف أساسية في حربها الدائرة في قطاع غزة الفلسطيني، وحددت الثانية بـ”تفكيك والقضاء على الحركة بشكل كامل”.
ويقدر الجيش الإسرائيلي أن حوالي 240 شخصا تم احتجازهم رهائن في قطاع غزة، من بينهم 30 قاصرا على الأقل، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الرقم الذي ستشمله الصفقة المرتقبة.
ووفقا لصحيفة “واشنطن بوست”، تريد إسرائيل إطلاق سراح جميع النساء والأطفال المئة الذين تم أخذهم من إسرائيل، لكن من المرجح أن يكون العدد الأولي أقل.
وأشار إلى أن عدد النساء والشباب الفلسطينيين الذين قد يتم إطلاق سراحهم غير واضح، لكن مسؤولا عربيا أخبر كاتب الرأي، الأسبوع الماضي، أن هناك ما لا يقل عن 120 في السجن.
من جانبها نقلت وكالة “رويترز”، الاثنين، عن “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحماس، القول إن وسطاء قطريين بذلوا جهودا من أجل الإفراج عن رهائن من النساء والأطفال لدى حماس، مقابل الإفراج عن 200 طفل فلسطيني و75 امرأة فلسطينية هم مجموع المعتقلين حتى تاريخ 11 نوفمبر من النساء والأطفال لدى إسرائيل.
ويعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن أن “هناك مفاوضات تجري على قدم وساق منذ أسابيع عدة، لكن لم تصل إلى نهايتها بعد بشأن قضية الرهائن”.
ويقول شتيرن لموقع “الحرة”: “هناك بعض الروايات بشأن الثمن. يتحدثون عن 80 مختطف و3 أيام هدنة وهناك حديث عن 100 مختطف”.
ويرفض المسؤولون في إسرائيل التطرق لهذا الموضوع، ويشيرون فقط إلى وجود مفاوضات بعيدا عن التطرق إلى المضمون.
ويضيف المحلل الإسرائيلي: “هذا الأمر صحيح لكن التفاصيل ليست نهائية، وهناك عائلات وأقارب في حالة نفسية سيئة”.
وبينما يرى شتيرن أن “الأثمان الخاصة بالصفقة ستكون باهظة بكل الأحوال”، يوضح المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل، غولان برهوم أن “موضوع الرهائن في إسرائيل مقدس”.
ويقول لموقع “الحرة”: “إسرائيل اجتهدت تاريخيا في هذا الموضوع وأبرمت صفقات. صحيح أنها تريد تفكيك حماس في الوقت الحالي لكنها بنفس الوقت تعمل على الإفراج الكامل عن الرهائن”.
ويضيف: “حتى لو كان هناك نصرا على الأرض لن تكون الصورة كاملة. الموضوع حساس إلى أبعد الحدود، كونه يتعلق بإنقاذ الحياة التي نقدسها”.
“تقسيم إلى درجات”
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت “الصفقة الوشيكة” ستشمل باقي الفصائل الفلسطينة في قطاع غزة أم ستقتصر فقط على حماس.
ونقلت وكالة “رويترز”، الأربعاء، عن الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد النخالة قوله إن “المفاوضات بشأن الرهائن الإسرائيليين قد يدفع الحركة للانسحاب من أي اتفاق”.
وأضاف نخالة: “الحركة قد تحتفظ بالرهائن الذين تحتجزهم لظروف أفضل”.
ويعتقد عضو الوفد الفلسطيني المفاوض لعملية السلام سابقا، خليل تفكجي، أن الضغوط الدولية أو المحلية على إسرائيل “هي التي باتجاه انخراطها في الصفقة الخاصة بالرهائن، ووقف إطلاق النار في غزة”.
ويقول تفكجي لموقع “الحرة”: “وقف إطلاق النار في حال إتمامه يعني أننا وصلنا إلى نهاية المطاف، ويدل على أن هناك ضغوطا سواء محلية أو عربية أو دولية على إسرائيل”.
ورغم أن القوات الإسرائيلية دخلت إلى مدينة غزة “لم تسيطر على القطاع كاملا ولم تدخل أيضا إلى بيت حانون وبيت لاهيا”.
ويرى تفكجي أن التوغلات الأخيرة على الأرض “لا يمكن أن تؤثر على فصائل المقاومة والمفاوضات التي ستجريها بشأن الأسرى”، وفق تعبيره.
“منذ اليوم الأول طرحت حماس فكرة تقسيم موضوع الرهائن إلى درجات، بمعنى مدنيين مقابل مدنيين، والعسكريين سيتم ترحيلهم إلى مرحلة أخرى”.
ويتابع تفكجي: “لا يوجد أي تنازل من جانب حماس بشأن قضية الرهائن. والاتفاق الوشيك لن يكون نقطة ضعف، خاصة أن الصواريخ لاتزال تطلق باتجاه عسقلان وتل أبيب”.
و”لا يمكن لأحد في إسرائيل أن يتجاهل قضية الرهائن في الوقت الحالي”، وفق ما يقول المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل، غولان برهوم.
ويضيف الباحث أنه “في حال حصلت صفقة لإخراج الرهائن مع وقف إطلاق نار لفترة معينة لن يكون ذلك بمثابة توقف العمليات العسكرية من الجو والبر والبحر”.
“وقف إطلاق نار أقصر”
وتقصف إسرائيل قطاع غزة بشكل مكثف منذ 5 أسابيع، ردا على الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، وتحرز القوات الإسرائيلية البرية تقدما في شمال القطاع، بينما تخوض معارك مع مسلحي الحركة في مدينة غزة.
لكن في الوقت الحالي وبعد أكثر من شهر “يدرك زعماء العالم أن أهداف إسرائيل في هذه الحرب (أي تدمير حماس) غير واقعية، ولكنهم يريدون أن تتمكن إسرائيل من ادعاء النصر بغض النظر عن ذلك”، كما يقول ألكسندر لانغلويس، وهو باحث أميركي يركز على شؤون الشرق الأوسط.
ويوضح لانغلويس لموقع “الحرة”: “بينما يسيطر جيش الدفاع الإسرائيلي على مدينة غزة بالتوازي مع المفاوضات، فقد نصل إلى نقطة حيث يضغط الغرب (وخاصة الولايات المتحدة) على الإسرائيليين لقبول اتفاقية الرهائن بوساطة قطر”.
وسيكون ما سبق مشابها لحرب غزة عام 2021، وحينها قال الرئيس الأميركي، بايدن: “لقد طفح الكيل”، ودعا إلى النهاية، وهو ما التزمت به إسرائيل بسرعة.
وقد أعطى ذلك لإسرائيل القدرة على المطالبة بدرجة معينة من النجاح دون تمديد الصراع بطرق قبيحة تضر في نهاية المطاف بالدعم الإسرائيلي، وتزيد الانتقادات لمؤيديها، وفق الباحث الأميركي.
ويعتقد لانغلويس أن “واشنطن توصلت تقريبا إلى اتفاق، بمساعدة قطر، لإطلاق سراح الأميركيين مقابل هدنة جادة أو وقف إطلاق النار”، ومن المحتمل ألا يكون هذا وقفا كاملا لإطلاق النار (وربما يعني أيضا أن بعض الأميركيين سيظلون محتجزين كوسيلة ضغط)، بل وقف إطلاق نار أقصر مقابل جزء كبير من الرهائن.
وبالنظر إلى تصريحات كوهين بشأن فترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، فإن “الصفقة الوشيكة يمكن أن تشير إلى اتفاق أوسع في هذا الجدول الزمني ينهي القتال ويؤدي إلى عملية إطلاق سراح أوسع”.
ومع ذلك، يقول لانغلويس إن ذلك “يعتمد على العديد من العوامل المتنافسة”.
وهذه العوامل هي: “استعداد حماس لإطلاق سراح جميع السجناء بالنظر إلى رفض إسرائيل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في المقابل، مصلحة إسرائيل في وقف القتال قبل تدمير حماس، مصلحة الولايات المتحدة في الضغط فعليا على إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار، أي تقدم جدي في اتفاق سلام أوسع بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.