خرجت الفنانة التشكيلية الفلسطينية، مها الداية، من منزلها في جنوب قطاع غزة، الاثنين، لشراء خبز، لكنها عادت خاوية الوفاض؛ المخابز مقصوفة وما لم يتعرض للقصف الإسرائيلي وضع على أبوابه المغلقة ورقة تقول:  “نفد الطحين”. 

ومنذ ثلاثة أيام تحاول أسرة الصحفي سيف السويطي شراء طحين، لكنهم لم يتمكنوا من تأمين ولو كيس واحد ( 25 كيلو غراما) “رغم أن سعره أصبح بـ170 شيقل بعد أن كان بحوالي 60 شيقل قبل الحرب”، يقول السويطي لموقع “الحرة”.

ومثل معظم سكان القطاع، تستخدم أسرة السويطي الحطب لطهي ما يتوفر من المواد الغذائية. لا يوجد غاز، لكن ليس جميع السكان قادرين على شراء الحطب، يقول. 

وتقول مها الداية “الغاز انتهى. لا يوجد لدينا غاز في المنازل، اضطررنا إلى شراء الخشب لإيقاد النار سواء للخبز أو طهي الطعام الخفيف الذي لا يحتاج وقتا لأن الحطب ينتهي ولدينا خوف من عدم تمكننا من شرائه في المستقبل”.

تقول إنهم في  الغالب لا يأكلون إلا وجبة واحدة فقط في اليوم، “شوربة عدس أو مجدرة”. 

“عندما كان هناك طحين في المخابز”، يقول السويطي، “كان الوقوف في الطابور يعني ست ساعات في المتوسط يوميا للحصول على 20 رغيفا”. 

وتشير الداية إلى أن “ربطة الخبز كانت بخمسة شيقل، لكن آخر مرة اشتريتها بـ25 شيقل حتى لا أقف في الطابور لأنني وقفت 3 مرات وعانيت أشد المعاناة. قمة الذل والإهانة وتعبت جدا في المرة الأخيرة. نتمنى أن تنتهي هذه القصة لأنها بشعة وتعبنا كثيرا جدا”. 

وفي متجر كبير في خان يونس بدت الأرفف خاوية تماما، ولم يتبق فيها إلا بعض مواد التنظيف ومواد بلاستيكية، أما المواد الغذائية فلم تكن موجودة. 

متاجر خلت من المواد الغذائية في قطاع غزة

وقال صاحب المتجر في مقابلة مع قناة “الحرة”: “قبل السابع من أكتوبر كان هناك حصار خانق والكل يعلم بهذا الأمر، لكن كانت البضائع رغم الحصار متوفرة نوعا ما”. 

وأضاف: “بعد السابع من أكتوبر بدأ مخزوننا كتجار ينفد تماما. المواد الغذائية الأساسية التي تساعد المواطن على المعيشة غير موجودة. الزيت والسكر على سبيل المثال غير موجودين تماما”، مشيرا إلى أن “ما يدخل إلى خان يونس هي مساعدات إنسانية توزع على النازحين فقط”. 

ووفقا للسلطات المحلية، استقبلت خان يونس، التي كان عدد سكانها أقل من 500 ألف نسمة، أكثر من مليون شخص من النازحين القادمين من شمال القطاع، فيما اضطر العديد من الفلسطينيين، الذين تم إجلاؤهم، إلى العيش في مخيمات مؤقتة، بعدما نفدت جميع أماكن الإقامة الشاغرة، وهو ما فاقم من صعوبة الأوضاع الإنسانية في المحافظة.

مئات آلاف النازحين في قطاع غزة

ويقول طارق أحمد دحلان، (28 عاما) وهو من سكان خان يونس، لموقع “الحرة”: “منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ونحن نعاني من قلة المواد الغذائية الأساسية نظرا لإغلاق المعابر وعدم دخول المساعدات الإنسانية الكافية لحوالي 2.2 مليون مواطن فلسطيني في القطاع”. 

ويضيف أن “المعاناة تزداد كل يوم، والأوضاع الإنسانية تتعقد بشكل خطير. عندما نتجول داخل محافظة خانيونس وداخل المراكز التجارية لا نجد أي مواد غذائية أو خضروات أو فواكه أو لحوم وحتى المياه الصالحة للشرب والخبز. وإن توفر بعض الدقيق الخاص بصناعة الخبز، فعليك أن تقف ساعات طويلة أمام المخابز لتتمكن من شراء بعض الخبز الذي لا يكفي ليوم واحد”. 

يشير دحلان أيضا إلى معاناتهم مع مياه الشرب “لعدم عمل محطات التحلية نظرا لانقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود اللازم تشغيل المولدات ما يؤدي لشرب المياه غير الصالحة للشرب، رغم علمنا بأن هذه المياه تصيبنا بالأمراض، لكن ليس أمامنا خيار آخر”. 

وبشأن المساعدات التي تدخل غزة، فإن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هي التي توزعها في المدارس التي لجأ إليها أكثر من 700 ألف شخص رغم أنها لم تكن مستعدة إلا لاستقبال نحو 150 ألف نازح فقط، وبالتالي يعصب الحصول عليها بالنسبة لكثيرين. 

شهادة الأونروا.. قطاع غزة “قُسّم” وحجم التدمير غير مسبوق

“كل الخطط التي كانت موجودة لدينا هي للتعامل من 150 ألف نازح فقط، لكننا نؤوي حاليا 700 ألف في مراكزنا”، يكشف المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة، عدنان أبو حسنة، مشيرا إلى أن الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة “غير مسبوقة”. 

وعندما كان المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، في غزة الأسبوع الماضي، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، قال إن “كل صبية وصبي قابلتهم في ملجأ للأونروا طلبوا مني الخبز والماء”. 

وأضاف خلال القمة المشتركة الطارئة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي: “اعتاد الأطفال التعلم والضحك في المدرسة التي زرتها، أما الآن، فقد أصبحت المدرسة مأوى مكتظا يفتقر إلى الحد الأدنى من معايير الحياة الكريمة”، مضيفا أن “ما رأيته لن يفارق مخيلتي للأبد”. 

وأوضح أن “القصف المستمر والحصار يخنقان غزة وأهلها. الخدمات الأساسية تنهار، وكل شيء ينفد، الطعام، والماء، والدواء، والوقود”. 

نازحون في غزة ينتظرون توزيع المساعدات الغذائية

وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير صدر الجمعة، إن استهلاك المياه انخفض 90 بالمئة منذ بدء الحرب، مضيفا: “يعمل خطان فقط من خطوط أنابيب المياه الثلاثة القادمة من إسرائيل، ولكن يوجد تسريب بنسبة 50 بالمئة في خط الأنابيب الرئيسي بين رفح، على الحدود المصرية، ومدينة خان يونس الجنوبية، حيث فر العديد من اللاجئين من الشمال”. وأشار المكتب إلى أن معظم مضخات الصرف الصحي في غزة، وعددها 65 مضخة، أصبحت خارج الخدمة.

وذكر المكتب أن إمدادات القمح في غزة تكفي لمدة 12 يوما، مشيرا إلى أن المطحنة الوحيدة العاملة في القطاع لا تستطيع تحويل القمح إلى طحين (دقيق) بسبب انقطاع الكهرباء، مؤكدا أنه “لم يعد هناك مخزون من الزيت النباتي والبقول والسكر والأرز”. 

وقال: “يصطف السكان لمدة تتراوح من أربع إلى ست ساعات في المتوسط للحصول على نصف حصة الخبز التي كانوا يحصلون عليها في الأيام العادية”. 

وأشار المكتب إلى أنه “كان يدخل قطاع غزة في المتوسط 500 شاحنة محملة بالأغذية والسلع يوميا قبل اندلاع الصراع. 

وتوقفت جميع الواردات بعد السابع من أكتوبر، ولم تُستأنف إلا في 21 من الشهر ذاته. وعبرت 861 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة منذ 21 أكتوبر وحتى الجمعة الماضي. 

وأصبح معبر رفح الذي تسيطر عليه مصر النقطة الرئيسية لتوصيل المساعدات منذ أن فرضت إسرائيل “حصارا كاملا” على غزة ردا على هجوم شنه مسلحو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) انطلاقا من القطاع الساحلي في السابع من أكتوبر.

المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة

والاثنين، أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أن معبر رفح مفتوح ولم يُغلق فى أى مرحلة من المراحل منذ بداية الأزمة فى قطاع غزة، وأن من يعيق دخول المساعدات إلى قطاع غزة هو الجانب الإسرائيلى من خلال الإجراءات والشروط المعيقة والمبررات الواهية، على حد وصفه. 

وكانت مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سيندي مكين، قد قالت لرويترز، الخميس الماضي، إن التفتيش المبالغ في صرامته للشاحنات عند معبر رفح من مصر إلى غزة أدى إلى تباطؤ تدفق المساعدات الإنسانية بشدة مع تزايد معدلات الجوع وسط الفلسطينيين هناك.

وتقصف إسرائيل من دون هوادة قطاع غزة منذ الهجوم الذي شنته حماس داخل أراضيها في السابع من أكتوبر. ويشن الجيش الإسرائيلي أيضا منذ 27 أكتوبر، توغلا بريا بغية “القضاء” على الحركة الفلسطينية التي تسيطر على القطاع منذ 2007 وتصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

القتال في غزة

وقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل غالبيتهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، في هجوم حماس، بحسب السلطات الإسرائيلية.

في المقابل، أعلنت سلطات القطاع، الاثنين، أن 11 ألفا و240 فلسطينيا قتلوا في القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق المصدر نفسه.

وقبل اندلاع هذه الحرب، كان أكثر من 80 بالمئة من سكان غزة يعانون الفقر، ويعتمد ثلثاهم تقريبا على المساعدات الدولية، وفقا للأمم المتحدة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version