في الساعة التاسعة من صباح اليوم الاثنين، وصلت الأسيرة الفلسطينية المحررة في صفقة “طوفان الأقصى” الثانية حليمة أبو عمارة إلى منزلها في مدينة نابلس، بعد أكثر من 20 ساعة من الإفراج عنها من سجون الاحتلال الإسرائيلي، تكبدت فيها إجراءات قمعية فرضها جيش الاحتلال ومستوطنوه، لتكدير صفو الإفراج والتنغيص على الأسرى وذويهم.

وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أفرج مساء أمس الأحد، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، عن 69 أسيرة فلسطينية و21 أسير شبل فلسطيني، نقلوا بداية إلى سجن عوفر العسكري الإسرائيلي قبل أن يطلق سراحهم بعد الساعة الواحدة والنصف من فجر اليوم الاثنين، في استمرار لسياسة العقاب والانتقام الموجودة في السجون الإسرائيلية.

وخلال أكثر من 10 أشهر قضتها في سجون الاحتلال، ذاقت حليمة (22 عاما) كبقية الأسيرات والأسرى صنوفا شتى من العذاب والمعاناة، بدءا من لحظة الاعتقال، ومرورا بالتحقيق، وانتهاء بالحبس داخل غرفة تتكدس فيها نحو 10 أسيرات يمارس السجانون الإسرائيليون بحقهن انتهاكات لا حصر لها.

وتتنوع الانتهاكات بين أقلها سوءا وهو الاقتحام المفاجئ لغرفهن ليلا وسط قمع غير مسبوق، وبين الإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من كل ما يعتبر حقا للأسير، كزيارة الأهل والطعام والشراب وحتى النوم.

الأسيرة حليمة أبو عمارة بين والديها بعد الإفراج عنها (الجزيرة)

هول اللحظات الأخيرة

تستذكر حليمة ظروف السجن، فتقول “كانت سيئة فصارت أكثر سوءا بعد بدء الحرب على غزة”، وتضيف أن ذلك لا يقتصر على الطعام والشراب، وإنما يتجاوز إلى انتهاك خصوصية الأسيرات، وقسوة السجانين عليهن خلال فترة العدّ اليومي، وأثناء الاقتحام والتفتيش، “فهناك أسيرات وصلن السجن بلا حجاب ولا غطاء شرعي، بعد أن نزعه الجنود عنهن خلال اعتقالهن”.

لكن كل هذه الانتهاكات هانت أمام هول اللحظات الأخيرة التي عاشتها حليمة في عملية الإفراج عنها، حيث تذكر مأساتها بكل التفاصيل، بدءا بتحقيق مخابرات الاحتلال معهن داخل سجن الدامون الإسرائيلي قرب مدينة حيفا حيث كنّ يقبعن، وما تخلل ذلك من رسائل تهديد وترهيب.

ولأكثر من 4 ساعات، في حافلة السجن (البوسطة) المغلقة وذات المقاعد الحديدية الضيقة، نُقلت حليمة وباقي الأسيرات وأيديهن وأرجلهن مكبلات بسلاسل حديدية، إلى سجن عوفر العسكري قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، حيث تم احتجازهن بظروف صعبة هناك لعدة ساعات.

وتقول حليمة، الطالبة بكلية الشريعة بجامعة النجاح بنابلس، للجزيرة نت “عندما كنا داخل البوسطة ورغم الطقس البارد، فإن السجانين فتحوا مكيف الهواء البارد، ولم نكن نرتدي سوى لباس السجن الخفيف”.

وتضيف “في عوفر ألقوا بنا بساحة مفتوحة على الأرض وسط العراء والبرد القارس، ونحن مقيدات، والكلاب البوليسية الضخمة تحيط بنا، ورؤوسنا محنية صوب الأرض، وهناك حقق معنا ضابط المنطقة الإسرائيلي، وكان الجنود يصرخون علينا ويشتموننا، ومن ثم عزلوا كل 10 أسيرات داخل زنزانة لعدة ساعات”.

مشاهد لاحتضان أمهات للأسيرات المفرج عنهن من سجون الاحتلال ضمن صفقة وقف إطلاق النار بغزة

الفرح ممنوع

ظهر تنغيص الاحتلال أكثر بإجراءاته القمعية لحظة الإفراج، الذي أخَّره نحو 10 ساعات، ولاحق ذوي الأسرى قرب سجن عوفر وأطلق صوبهم الرصاص الحي والمطاط والغاز المسيل للدموع، وأصاب بعضهم بجروح.

كما نصب العديد من الحواجز العسكرية التي عانت منها عائلات الأسرى، وأخرت وصولهم إلى منازلهم لعدة ساعات، إضافة لاحتجاجات المستوطنين ونصبهم كمائن للمركبات الفلسطينية المارة عبر الطرق الرئيسية بين المدن والقرى.

كما أكد بعض الأسرى والأسيرات أنهم علموا قبل الإفراج عنهم بأيام، وعبر محامين التقوا بعضهم في المحاكم، أن هناك صفقة قد تمت، وأن الإفراج عنهم قريب، ورغم ذلك تعرضوا لتهديد مباشر من ضباط المخابرات بالسجن إذا ما أظهروا أي حالة من الفرح.

وقالت الأسيرة المحررة ميسر الفقيه من مدينة نابلس، عقب الإفراج عنها في حديث للصحفيين، “هددنا مدير السجن بأن يدوس على رؤوسنا إذا أبدينا أي فرح خلال الإفراج، وأنه سيقوم بعزلنا”.

ولم يكتف الاحتلال بذلك، فهدد الأسرى المفرج عنهم بهذه الصفقة بإعادة اعتقالهم إذا ما ارتكبوا أي مخالفة، أو تحدثوا لوسائل الإعلام بعد الإفراج عنهم، بل قدم استدعاءات لبعضهم لمراجعة مخابراته بعد أسبوعين.

الفتى أحمد خشان من جنين تحرر في الصفقتين الأولى والثانية (الجزيرة)

الطوفان حررهم مرتين

شملت صفقة الطوفان الثانية -التي تمت الدفعة الأولى منها أمس الأحد- أسرى وأسيرات سبق أن تم تحريرهم ضمن الصفقة الأولى، كما هو حال الأسيرة الفلسطينية ولاء طنجة من مدينة طولكرم، حيث سبق وأُفرج عنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأعادت قوات الاحتلال اعتقالها بعد أشهر.

كما شملت الصفقة الثانية الأسير الفتى أحمد خشان، الذي أكمل عامه الـ18 في سجون الاحتلال خلال اعتقاله الأخير الذي امتد لنحو عام، حيث اعتقلته قوات الاحتلال أواخر يناير/كانون الثاني 2024، بعد أن اغتالت شقيقه المطارد وسام خشان أمام عينيه، وأقدمت على تعذيبه بالضرب داخل سجونها.

ويقارن خشان -الذي ينحدر من قرية بير الباشا قرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية- بين الإفراج عنه بالصفقة الأولى والثانية، ويقول للجزيرة نت إن “ما حصل بالمرة الماضية لا يذكر أمام انتهاكات الاحتلال بحقهم يوم أمس، واستخدامهم أساليب قمع مختلفة وقاسية، حاولوا عبرها التنغيص عليهم وتكدير فرحتهم بالإفراج”.

ويصف الفتى خشان للجزيرة نت إجراءات القمع بحقهم وبحق الأسيرات، منذ أن بدؤوا بنقلهم عبر الحافلات إلى سجن عوفر، حيث تعمدوا تأخير الإفراج واحتجزوهم بظروف قاسية، ويقول “كانوا يشدون القيود الحديدية حول أيدينا وأرجلنا، ويرفعون أيدينا فوق رؤوسنا، وجثونا على ركبنا، وسرنا مطأطئين الرؤوس، ووجهوا لنا إهانات وشتائم وكلمات نابية جدا، وخاصة ضد الأسيرات”.

“كل ذلك هدفه الانتقاص من فرحتنا بالإفراج والتحرر” يضيف خشان، “ولهذا أخروا الإفراج عنا لعدة ساعات طويلة، وهددوا الأسرى وحققوا معهم”، مذكرا أنهم لم يشاهدوا هذه المعاملة في مقاطع فيديو تسليم كتائب القسام للمحتجزات الإسرائيليات للصليب الأحمر في قطاع غزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version