ارتفاع قيمة مهور الزواج في العراق برز بوضوح خلال السنوات الأخيرة، إذ باتت تصل إلى أرقام يصفها البعض بـ “الفلكية” تعكس التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع.

هذا الارتفاع لم يؤثر فقط على ميزانيات العائلات، بل أثر أيضا على قرارات الشباب في الزواج، ودفع الكثيرين إلى العزوف عن هذه الخطوة المهمة في حياتهم.

يقول البعض إن الأمر لا يتعلق فقط بالقدرة المالية، بل يرتبط أيضاً بتغير القيم والأولويات في المجتمع، فالشباب اليوم يتطلعون إلى الاستقلالية والحرية الشخصية، مما يجعل فكرة تحمل أعباء إضافية كالمهر أمراً غير جذاب بالنسبة لهم.

أما الطرف الآخر فيشير إلى أن المهر يرتبط بمكانة العائلة، وأن العديد من الفتيات يرغبن بمهر “غال” لاعتقادهن بأنه سيكون وسيلة لضمان حقوقهن، ودليل على رغبة الشاب الجادة في بناء حياة مشتركة معهن، ومدى التزامه بتحمل المسؤوليات الزوجية.

الحلقة 7 من برنامج "حوار قضائي" بعنوان (مهر الزوجة في القانون العراقي) ضيف الحلقة القاضي باعث عدنان

مهور بالمليارات وقضاة يحذرون من التبعات

يقول باعث عدنان عبد الحسين، قاضي أول محكمة الأحوال الشخصية في منطقة الأعظمية ببغداد في تصريح نشر على موقع مجلس القضاء الأعلى الإلكتروني في شهر أغسطس الماضي، إن شروط المهر وفق القانون العراقي “أن يكون ذا قيمة مالية من أموال أو ذهب أو أوراق مالية أو تجارة وحتى على مستوى ما يملكه الرجل من حيوانات”، ومن الشروط الأخرى “أن يكون المهر حلالا”، بحسب تعبيره.

ويوضح عدنان أن القانون العراقي لم يتطرق قط لذكر أي مقدار للمهر كحد أدنى أو أعلى، فالمادة 19 من قانون الأحوال الشخصية تنص فقط على أن “الزوجة تستحق المهر المسمى بالعقد، ولم يحدد القانون قيمة المهر”.

وأشار القاضي العراقي أيضا إلى أنه يحق للمرأة شرعا وقانونا عدم مطاوعة زوجها في حال تأخر في منحها حقها في المهر، ويذكر أن “المغالاة بالمهور قضية اجتماعية، أصبحت تشكل عبئا على الشباب من محدودي الدخل والمقبلين على الزواج”.

وذكر أن العديد من الفتيات اللواتي يطلبن مهرا غاليا، يقعن ضحيته دون معرفة تبعاته، ويشير إلى حالة وقعت أمامه عندما طلبت فتاة مهرا بقيمة مليار دينار عراقي (نحو 750 ألف دولار أميركي) والمقبوض بمليار دينار عراقي آخر، فأقنعها أنها ستكون مسؤولة لاحقا عن دفع هذا المقبل في حال الطلاق أو عدم إتمام مراسيم الزواج. 

وأوضح عدنان أنه مرت عليه ثلاث حالات كانت قيمة المهور تصل إلى مليار دينار لكنه ذكر أنه أقنع الطرفين بتقليل المبلغ إلى 150 مليون دينار عراقي (114 ألف دولار أميركي).

في شهر مارس من العام الحالي أثار شاب عراقي مقيم في فنلندا، ضجة واسعة بعد أن اشتمل عقد زواجه من كويتية على مؤخر صداق بقيمة “مليار يورو”. وتباينت ردود الفعل بين من انتقد ما يقولون إنها مبالغة كبيرة، وآخرون رأوا أنه فقط أراد أن يعبر عن حبه وتقديره لزوجته.

لكن هذا الزواج لم يستمر أكثر من أسبوعين، حيث أعلن الشاب طلاقه بعد أن أثار فيديو عقد القران ضجة، بسبب المهر الذي سجل حينها.

وفي يونيو عام 2022 تباينت آراء العراقيين بين القبول والسخرية، بخبر عقد زواج لشاب على فتاة في محافظة ديالى، بمهر مقدّم  عبارة عن “باقة ورد وألف دينار عراقي فقط” بينما كان المؤجل حجة لـ”بيت الله الحرام” في مدينة مكة.

واتفق الشاب مع خطيبته، بأن يكون مهرها رمزياً لما تشكله الأوضاع الاقتصادية في البلاد من أزمة حقيقية للشباب، ولأول مرة في البلاد، تكون باقة الورد هي مقدمة لمهر عقد زواج بعد أن كان القرآن يُقدم بديلاً لمن لا يتمكنون من توفير تكاليف المقدم والمؤخر في مهر عقد الزواج.

ردود الفعل تباينت أيضا بعد ان أطلق البعض في ذلك العام حملة “تزوج من دون مهر” فالبعض رحب بها في حين رفض آخرون ذلك وتساءلوا عن سبب إصرار الشباب على الزواج دون أن يمتلكوا أي شيء أو يتمكنوا من تحمل المسؤوليات المالية لتأسيس عائلة.
 

هوس السوشال ميديا وغياب التقاليد البسيطة

مديرة مكتب جمعية الأمل العراقية في إقليم كردستان، ميديا فخر الدين، تعزو لموقع الحرة سبب المغالاة بالمهور في العراق إلى أسباب عدة، اجتماعية واقتصادية فضلا عن هوس الفتيات بتقليد مشاهير “السوشال ميديا” اللاتي يظهرن في تسجيلات مصورة وهن يرتدين “ملابس زفاف مطرزة بالذهب، وأحزمة من الذهب، وخطيبها يجلب لها مهرا بمليار دينار”.

تضيف فخر الدين أن ما تنقله أيضا مواقع التواصل الاجتماعي من قصص وحالات خيانة أو طلاق جعلت الفتيات وعائلاتهن يفقدن الثقة بالشاب الذي يرغب في الزواج، “بالتالي هذا الخوف من الانفصال أو الخيانة، سبب آخر يجعل العائلات تطلب مهرا عاليا لضمان حق البنت وحمايتها”، بحسب تعبيرها.

ولا تعترض الناشطة النسوية على موضوع المهر، فهو جزء من طقس الزواج وهو شرعي، لكن شريطة أن “تكون قيمة المبلغ معتدلة، سيما المؤجل بحيث يقدر الشاب على تحملها من جهة، وتضمن حق الفتاة في المستقبل في حال الانفصال، من جهة أخرى”.

وتتحدث أيضا عن التقاليد والأعراف القديمة التي تلتزم بها بعض العائلات والتي تلعب دورا في زيادة قيمة مهور الزواج.. ففي إقليم كردستان مثلا، بات من الشائع أن تطلب الفتاة “حزاما من الذهب”. فضلا هناك حالات وإن كانت محدودة، تطلب فيها بعض العائلات ما يسمى بـ “حق الحليب” وهو أن يدفع الشاب مبلغا تقدره عائلة الفتاة مقابل “الأموال التي صرفتها العائلة طيلة هذه السنوات لتربية الفتاة ورعايتها” فهذا المبلغ قد يصل في بعض الأحيان إلى نحو 40 مليون دينار عراقي (30 ألف دولار أميركي)، بحسب الناشطة النسوية.

تضيف مديرة مكتب جمعية الأمل العراقية في إقليم كردستان للحرة، أن العديد من العائلات والفتيات حاليا لا يدركن أن الأصل في الزواج هو التفاهم والمحبة وليس المال الذي أصبح معياراً لاختيار شريك العمر، وتتساءل: “أين هي المعايير التي كانت  العائلات العراقية في السابق تعتمدها مثل الأخلاق والسمعة؟”

المغالاة في المهور دفعت بالعديد من الشباب إلى التفكير بالزواج من فتيات “أجنبيات” لتزداد نسب العراقيات غير المتزوجات، وتقول فخر الدين إن ظاهرة زواج العراقيين من شابات من جنسيات عربية أخرى أصبحت تزداد “لأن مصاريف الزواج قليلة جدا لا تتعدى مبلغ 4 آلاف دولار” ولهذا تدعو إلى ضرورة سن قانون لتحديد سقف المهور في المحاكم العراقية.

العراق.. “الخيانة” و”المال” على رأس أسباب الطلاق

سجّل العراق 5,402 حالة طلاق خلال شهر أغسطس الماضي، بحسب إحصائية لمجلس القضاء الأعلى العراقي، نشرها اليوم الأربعاء.

لا تصدقوا الصور .. فمعظم الذهب “برازيلي” أو مستعار

أصبح التباهي بالمظاهر وموضة التقاط الفتيات للصور وهن يرتدين مجوهرات موضوعا رائجا، لكن المثير للدهشة أن الصائغ حمزة بريفكاني كشف للحرة عن خفايا عدة، منها أن ليس كل ما ترتديه الفتيات في حفلات الخطوبة والزواج، هو ذهب حقيقي ” فأغلبه مصنوع بعناية ليكون كالذهب ويطلق عليه بالبرازيلي”. لكنه يعترف أن هناك حالات “نادرة” يقدم فيها الشاب كميات كبيرة من الذهب كمهر للفتاة.

بريفكاني، تحدث أيضا عن قصة قريبته التي استعارت الذهب من أحد الصاغة، كوسيلة لإظهار نمط حياة فاخر وجذاب يعزز من شعبيتها بين الأقرباء وعلى مواقع التواصل، ويقول إن “صور الزواج أظهرت الفتاة ترتدي نحو كيلوين من الذهب لكن حقيقة ما كانت تملكه من مهر هو قليل جدا”، بحسب تعبيره.

ويذكر صائغ الذهب العراقي إن المهر المبالغ به لا يعبر بالضرورة عن قيمة الحب والالتزام بين الزوجين، بل أصبح وسيلة للتفاخر والمنافسة بين العائلات، ليصبح ما يملكه الرجل من مال هو المعيار لاختيار شريك الحياة لكنه في الحقيقة هو “خراب للبيوت” فالعديد من الشباب اضطر إلى بيع بيته وسيارته ليتمكن من شراء ما تطلبه الفتاة من كميات كبيرة من الذهب.

حمزة تمنى في نهاية حديثه ألا تتحول المغالاة بالمهور لعرف سائد في المجتمع العراقي وذّكر  الجميع بمقولة “خير الأمور أوسطها”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version