لا تشابه انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا، يوم 14 مايو، سابقاتها على مدى العقدين الماضيين، ولذلك يرى مراقبون وباحثون سياسيون أن وصف “التاريخية والمصيرية” الخاص بها يبدو واقعيا إلى حد كبير، وهو الذي أطلقه مرارا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ومنافسوه في أحزاب المعارضة.
وتعوّل أحزاب المعارضة ومرشحها الرئاسي، كمال كليتشدار أوغلو، على إنهاء حكم الرئيس التركي إردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” المستمر منذ 21 عاما، وبالتالي بدء “عهد جديد” في البلاد.
في المقابل، يسعى الحزب الحاكم ورئيسه إردوغان إلى البقاء في الحكم والحفاظ على المكتسبات وتتويج مسيرة 21 عاما، والانتقال بها إلى القرن الثاني لتأسيس الجمهورية.
ومن غير الواضح كيف ستكون نتائج الانتخابات، ولاسيما في ظل الحالة “الاستثنائية” التي تفرض نفسها لعدة اعتبارات، سواء إن كانت داخلية وتتعلق بطبيعة وأدوار الأحزاب المشاركة ومسارات الاقتصاد أو خارجية، بناء على آخر تطورات العلاقات التركية مع المحيط.
ويتنافس في انتخابات الرئاسة إردوغان وكليتشدار أوغلو ومرشحان اثنان هما السياسي، محرم إينجه، وسنان أوغان ذو الجذور القومية.
أما في انتخابات البرلمان يأخذ السباق “مسارا تحالفيا”، إذ تتواجه في المنافسة خمسة تحالفات، على رأسها “تحالف الجمهور” الخاص بالحزب الحاكم، و”تحالف الأمة” الذي تشكّل بناء على مناقشات ستة أحزاب معارضة ضمن إطار ما يعرف بـ”الطاولة السداسية”.
لماذا مصيرية وتاريخية؟
ويشرح الباحث المختص بالشأن السياسي التركي، الدكتور سعيد الحاج، أن الوصف التاريخي والمصيري واقعي، كون انتخابات 14 مايو “استفتاءً على بقاء إردوغان من عدمه، وفي نفس الوقت استفتاء على بقاء النظام الرئاسي، وبالتالي ومن هذه الزاوية ستحدد مصير الرئيس والنظام الرئاسي”.
وفي حال فاز إردوغان بالرئاسة سيظل ماضيا بشكل النظام الرئاسي السائد حاليا، والمطبق منذ عام 2017، أما في حالة فوز منافسه المعارض، كليتشدار أوغلو سيمضي بطريق “النظام البرلماني المعزز”، بعدما اتفق على ذلك مع نظرائه من الزعماء، وعددهم 5.
علاوة على ذلك، يرتبط الوصف الذي يطلق على الاستحقاق من جانب بـ”الفرص المتقاربة والتنافس الشديد والاستقطاب العميق في المجتمع التركي”، ولذلك “لا أحد يستطيع أن يجزم نتائجها، الأمر الذي يزيد من حساسيتها وتعقيدات الموقف”.
ومن جانب آخر يرتبط بـ”منظومة التحالفات القائمة، والأحزاب الصغيرة التي نشأت من رحم الأحزاب الكبيرة، وانضمت إلى التحالفات أو بقيت خارجها”، وفق ما يقول الحاج في حديث لموقع “الحرة”.
ويوضح أن العامل “المصيري والتاريخي” لا يرتبط فقط بالحزب الحاكم ورئيسه وكليتشدار أوغلو وتحالف المعارضة، بل يذهب بجزء إلى “الأحزاب الصغيرة والتي سيتحدد مصيرها بعد الانتخابات المقبلة. إن فازت ستكون في المجال السياسي وإذا خسرت قد يكون الأمر إعلانا لاندثارها أو اختفائها من المشهد”.
ولطالما راهنت الشخصيات السياسية في تركيا بشكل كبير على انتخابات 14 مايو، ولذلك سيتحدد مصيرها بناء على هذا الأساس.
ويحكم إردوغان البلاد منذ 21 عاما هو أبرز الشخصيات السياسية، و”فرضية خسارته في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قد تعني انتهاء مشواره السياسي”.
في المقابل يسود نفس المشهد على منافسه كليتشدار أوغلو، والذي أصر أن يكون مرشحا توافقيا في تحالفه من الأحزاب الخمسة، ولطالما راهن على الفوز. وفي حال خسارته “سيكون ذلك محدِّدا أساسيا لمستقبله السياسي”.
في غضون ذلك، يضيف الباحث الحاج أن “محرم إينجه الذي انشق عن حزب الشعب الجمهوري وعلي باباجان وأحمد داوود أوغلو وشخصيات أخرى وضعت كل رهانها على الانتخابات المقبلة”.
ولذلك “هي مصيرية للأشخاص والقيادات ولأحزاب سياسية ومجمل النظام السياسي في البلاد، حسب المتحدث ذاته.
بدوره يرى الباحث في السياسية الخارجية التركية، عمر أوزكيزيلجيك، أن “انتخابات 14 مايو تاريخية، بسبب النتائج التي ستفرضها على السياسة الداخلية”، وهو السبب الرئيسي وراء أهميتها و”العامل المصيري”.
ولا يجد أوزكيزيلجيك أي ربط بين الوصف الذي يطلق عليها بناء على “الخارج”، إذ يقول لموقع “الحرة”: “فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، من المؤكد أن الانتخابات التركية سيكون لها نوع من التأثير، ولكن لا ينبغي المبالغة فيه”.
ويضيف: “لا أتوقع أن تكون هناك انعطافة في أي احتمال للفوز”، وأن “الاختلافات الرئيسية ستكون من حيث النهج والأفكار العامة”.
بماذا يختلف سباق مايو؟
وتختلف الانتخابات التركية عن سابقاتها من زاوية “الغموض الذي يلف نتائجها، فيما لا يستطيع أي أحد الجزم بمن سيفوز أو النسبة التي سيحصل عليها”.
ويقول الباحث الحاج: “الحظوظ متقاربة جدا والتنافس شديد، وهذا يعود لأسباب عديدة”، من بينها الفترة الطويلة التي حكم فيها إردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، ما شكّل رغبة في التغيير بغض النظر عن بعض المعطيات.
وهناك سبب آخر يرتبط بالظروف التي تُنظَّم فيها الانتخابات، من تراجع الاقتصاد وبعض المؤشرات المالية التي تمس حياة المواطن العادية، بينما جاءت كارثة الزلزال المدمّر لتضيف فواتير اقتصادية وبشرية مكلفة للغاية.
وتضاف إلى هذه الظروف مسارات السياسة الخارجية والحرب الروسية-الأوكرانية، والمتغيرات الإقليمية والدولية، وجميعها تأخذ طابعا مختلفا جدا.
داخليا يوضح الحاج أن الانتخابات تشهد لأول مرة اصطفافا كبيرا ومنظومة تحالفات مختلفة.
ويشرح أنه “ليس هناك حزب كبير خارج منظومة التحالفات الأساسية، ولم يعد ممكنا لشخصية قيادية وحزب سياسي أن يخوض الانتخابات بمفرده، لذلك منطق التحالفات هو الذي سيحدد نتيجة الانتخابات أكثر من السيرة الذاتية للشخصيات القيادية والأحزاب، وهو أمر مختلف عن السابق”.
علاوة على ذلك سيواجه حزب “العدالة والتنمية” لأول مرة أحزابا في المعارضة، تجمعها معه تقارب سياسي وأيديولوجي وفكري، مثل حزب أحمد داوود أوغلو (المستقبل) وحزب علي باباجان (الديمقراطية والتقدم).
ويتابع الباحث: “بالتالي، الخطاب والافتراق الإيديولوجي لم يعد كافيا في الحملات الانتخابية والخطاب السياسي”، وأن “هناك معارضون يستطيعون أن يسحبوا من رصيد وكتلة إردوغان التصويتية، لأنهم يتشابهون معه في السيرة الذاتية وكانوا شخصيات بارزة في العدالة والتنمية”.
خارجيا يشير الباحث التركي أوزكيزيلجيك إلى أن “المعارضة تريد تعزيز العلاقات مع الغرب. أي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، فيما سيحاولون تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”.
ومع ذلك، “عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، فإن المعارضة تريد ألا تفعل شيئا معهم”، وفق الباحث.
ويضيف: “إنهم يريدون تقليص الاشتباكات العسكرية التركية والحد من عمليات تركيا عبر الحدود بما في ذلك الصومال وقطر”.
وكانت الحكومة التركية قد استقبلت الانتخابات الحالية بتعديل سياستها الخارجية، ليس مع دولة واحدة فحسب، بل مع مجموعة، من بينها السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر.
ويختلف هذا المسار عما كان سائدا قبل عام 2020، بعدما انخرطت تركيا في العديد من الساحات، الأمر الذي انعكس على علاقاتها مع دول عدة، على رأسها العربية.
و”في العادة ليس هناك تأثير للعامل الخارجي في الانتخابات، فيما يحسم العامل الداخلي النتائج بشكل كبير جدا”.
ومع ذلك، يقول الحاج إنه “لا يمكن عزل الانتخابات عن المحيط، كون تركيا لعبت خلال السنوات الماضية أدوارا كبيرة في عدة مجالات وقضايا ونزاعات وأن السياسة الخارجية صبغت بصبغة إردوغان وكانت أهم محاور الاستقطاب بين الحكومة والمعارضة”.
ويعتقد الباحث في الوقت الحالي أن “هذا العامل تراجع دوره ودلالاته”، وأن “ما كانت تنتقد فيه المعارضة الحكومة “تراجع إلى حد كبير، بعد ذهاب إردوغان للتصالح وتحسين العلاقات من القوى الإقليمية والدولية والنظام السوري والاحتلال الإسرائيلي”.
“كل هذه الأمور تخفف الفروقات الكبيرة بين الحكومة والمعارضة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ومع ذلك هناك اهتمام من قوى إقليمية ودولية بالنتائج، وقد تكون هناك مساعٍ أو رغبة في التأثير على المشهد الانتخابي”، حسب تعبير الباحث السياسي.