في وقت ينفذ الجيش الإسرائيلي عمليات توغل بري “محدودة ومركزة” في جنوب لبنان، تثار التساؤلات عن الشكل الخاص بالجبهة الداخلية لحزب الله، والتأثيرات التي قد يتركها غياب “الرأس” وقادة الصف الأول على مجريات الميدان على الأرض.

وكان الحزب اللبناني، المدعوم من إيران، المصنف كمنظمة إرهابية من الولايات المتحدة، خسر قبل أيام أمينه العام حسن نصر الله، وجاء ذلك من جراء ضربات جوية إسرائيلية قتلت قبله قادة عسكريين كبار، أبرزهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل قائد “فرقة الرضوان”.

ولم تقتصر خسائر الحزب على صعيد القادة الكبار على ما سبق فحسب، إذ تمكنت إسرائيل خلال الأسابيع الماضية من قتل آخرين غير شكر وعقيل، كان أغلبهم يتولى مهمة قيادة العمليات الاستخباراتية والعسكرية والأمنية.

كما نسب لإسرائيل قبل مقتل قائد “فرقة الرضوان” الهجوم المتعلق بـ”تفجيرات أجهزة الاتصالات”، مما أسفر عن إصابة الآلاف، بينهم عناصر من “حزب الله”، دون أن يحدد عددهم بدقة.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، صباح الأربعاء، أن “الفرقة 36” وقوات إضافية انضمت إلى التوغل البري في لبنان، الذي وصفه بـ”المحدد والمركز”، وبعدما تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن تقدم في منطقة العديسة نشر الجيش اللبناني بيانا أوضح فيه التطورات على الأرض.

وقال إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي اخترقت الخط الأزرق لمسافة 400 متر تقريبا داخل الأراضي اللبنانية في منطقتَي خربة يارون وبوابة العديسة، ثم انسحبت بعد مدة قصيرة.

كيف تبدو جبهة الحزب الداخلية؟

يضم “حزب الله” ما يقرب من 30 ألف مقاتل نشط، وما يصل إلى 20 ألف جندي احتياطي، بحسب ورقة بحثية نشرها “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، ومقره واشنطن في مارس 2024.

وفي عام 2021 قال زعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله إن عدد مقاتلي الحزب يبلغ 100 ألف مقاتل، على الرغم من أن هذا ربما يكون مبالغا فيه.

ووفقا لمركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” تتكون قوات الجماعة المدعومة من إيران في المقام الأول من المشاة الخفيفة، التي تم تدريبها وبنائها تاريخيا للتخفي والتنقل والاستقلالية.

وقد استخدم “حزب الله”، بحسب المركز ذاته، نسخة مما تسميه الولايات المتحدة “قيادة المهمة”، التي تمكّن المرؤوسين من اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة، بناءً على نية القائد.

وتضيف ورقة المركز البحثية أن “تصميم القوة المذكورة للحزب تسمح له بالعمل بشكل فعال، في ظل ظروف القوة النارية الإسرائيلية الساحقة”.

وفي عام 2006، على سبيل المثال، تم تصميم وحدات الصواريخ الخاصة بحزب الله لإنشاء موقع إطلاق نار والتشتت في أقل من 28 ثانية، وذلك بالاعتماد على المعدات المعدة مسبقا والملاجئ تحت الأرض والدراجات الجبلية، لتحقيق مثل هذه النافذة الصغيرة من التعرض.

وفي أعقاب حرب عام 2006 يشير (CSIS) إلى أنه “واصل الاستفادة من نقاط القوة في هذا النهج، فعمل على إزالة مركزية قيادته وسيطرته وإعادة تنظيمه لإجبار جيش الدفاع الإسرائيلي على الانتقال إلى مناطق أكثر حضرية، حيث يمكن لمقاتليه الاستفادة من المواقع المخفية والمحصنة”.

ويعتقد ريتشارد وايتز، كبير زملاء ومدير مركز التحليل السياسي العسكري في معهد هدسون، أن “حزب الله من المفترض أن يكون أكثر قدرة على التصدي لهجوم بري مقارنة بالهجمات الجوية والسيبرانية”.

ويرتبط ذلك بأنه “يمكنه الاعتماد على مجموعات مقاتلين لا مركزية مثلما تفعل الجماعات المتمردة وحركات العصابات”.

كما أن الحزب يعرف المنطقة جيدا (جنوب لبنان)، ومع ذلك يوضح وايتز لموقع “الحرة” أن “مقتل القادة الكبار يعني أن قيادة العمليات الكبرى ستكون أصعب عليه”.

ويشير أيضا إلى أن “القادة مهمون جدا لتنسيق العمليات وتحفيز القوات”.

“سيستغرق وقتا”

من ناحية أخرى لا يمتلك حزب الله في الوقت الحالي القدرة على تنفيذ هجوم بري واسع النطاق وبشكل فعال، بحسب ديفيد دي روش، وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

كما لا يمتلك القدرة على “تنفيذ عمليات منسقة على نطاق واسع بسبب فقدان القيادة وتعطل شبكة الاتصالات”، وفق حديث دي روش لموقع “الحرة”.

لكن في المقابل لا يستبعد المسؤول السابق في “البنتاغون” أن يكون قادرا على “الرد بطريقة عشوائية إلى حد ما أو حشد القوات إذا كان هناك تحذير كافٍ من أي هجوم”.

وفي حين أن دي روش لا يستبعد إمكانية “إصلاح حزب الله لجبهته الداخلية على المستوى العسكري” يرى أن هذا المسار “سيستغرق وقتا طويلا ربما لسنوات”.

ويجد المسؤول السابق في البنتاغون أن “الأفكار التي يتم تداولها بأن الحزب يمتلك قدرة سحرية على إعادة تكوين نفسه وتحديد ما يريد القيام به هو أمر مبالغ فيه”.

وبحسب تقرير لشبكة “سي إن إن” الأميركية، عن قدرات حزب الله، فالتنظيم على الأرجح هو الأكثر تسليحا في العالم بين التنظيمات المماثلة، إذ يمتلك ترسانة أسلحة أكثر تطورا من حركة حماس.

لكن الشبكة أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي بالطبع لا يزال يتفوق على حزب الله في القوة.

وأضافت أن الحزب يمتلك من الصواريخ والقذائف ما يصل عدده إلى ما بين 120و200 ألفا، واستمر في تخزين الصواريخ والقذائف منذ صراعه الأخير مع إسرائيل في عام 2006.

ويشرح الخبير العسكري اللبناني، العميد المتقاعد ناجي ملاعب أنه يجب التفريق ما بين “عمل الميليشيات وحركات المقاومة وما بين الجيوش على الأرض”، عند قياس المؤشرات المتعلقة بجبهة حزب الله العسكرية من الداخل.

ويقول لموقع “الحرة” إن الميليشيات أو كما يصفها بـ”حركات المقاومة” وعندما تخسر قائد لواء يحل مكانه قائد كتيبة تظّل لديه “فكرة خاصة على إعداد المناورة وكيفية الهجوم والدفاع”، أي خطة القتال على الأرض.

وتضم “قوة الرضوان” نخبة مقاتلي حزب الله، ويروج لها من جانب الأخير منذ سنوات على أنها الجهة التي تمسك بزمام الأمور على الأرض، وستخوض المواجهة ضد إسرائيل.

ويضيف ملاعب أن “عناصرها مدربون بشكل فردي ومكتمل لخوض أي مواجهة في مختلف الحالات الصعبة”.

كما أن لديهم خططا موضوعة تمت الموافقة عليها من القيادة، بحيث في حالة ذهاب قائد يأتي غيره بشكل مباشر، وفقا لملاعب.

ويستبعد الخبير العسكري اللبناني أن “تتغير خطط قوة الرضوان بمقتل القادة الكبار”، بناء على ما سبق واستنادا “للجبهة الواحدة” التي كان يجهز لها حزب الله منذ سنوات.

“غير فعالين”

وبعد الحرب التي خاضها في 2006 دخل حزب الله إلى سوريا عام 2011 داعما آنذاك عمليات قوات النظام السوري ضد معارضيه.

وخاض في تلك البلاد عدة عمليات عسكرية، بداية من القصير بريف حمص وسط البلاد.

وانتشر قادته ومسلحوه بعد ذلك بالتدريج في أرياف إدلب وحلب ومحافظة دير الزور شرق سوريا، مما عكس صورة أن لديه “مجموعة كبيرة من القادة البدلاء ذوي الخبرة”.

ولم يكن أولئك القادة البدلاء فعالين للغاية خلال الأسابيع الأخيرة، بحسب مدير التحليل العسكري والسياسي في معهد هيدسون، ريتشارد وايتز.

ومع ذلك يقول إنه “من غير الواضح ما إذا كان ذلك بسبب نقاط ضعفهم أو لعوامل أخرى (مثل التكتيكات الإسرائيلية الذكية، أو التفوق التكنولوجي الإسرائيلي)”.

ويعتقد وايتز أنه سيكون من الصعب استعادة الحزب لصفوفه الداخلية على المدى القصير.

لكنه يؤكد في المقابل أنه “قد يتجه للعمل بطريقة لا مركزية” لمواجهة عمليات التوغل البرية التي بدأها الجيش الإسرائيلي.

و”إذا تُرك الحزب بمفرده فبإمكانه إعادة تكوين نفسه، لكن ذلك سيستغرق ما لا يقل عن خمس سنوات، والأرجح أنه سيستغرق عشر سنوات”، بحسب المسؤول السابق في “البنتاغون”، ديفيد دي روش.

ويشير من جانب آخر إلى أن عملية إعادة التكوين ستكون رهن ما ستفعله إسرائيل.

وفي حال وضعت إسرائيل نفسها في موقف يمكّنها من التدخل في لبنان متى شاءت “سيكون من غير المؤكد ما إذا كان حزب الله سيتمكن من التغلب على ذلك بفعالية”، بحسب المسؤول السابق في الدفاع الأميركية.

“ثقة مهزوزة وتمرّس”

ولم يختر حزب الله حتى الآن خليفة لأمينه العام حسن نصر الله، وأعلن نائبه نعيم قاسم قبل أيام أن هذه الخطوة سنتم “في وقت قريب”.

وقال قاسم أيضا: “رغم فقدان بعض القادة والاعتداء على المدنيين والاعتداءات، لن نتزحزح عن مواقفنا الصادقة والشريفة، وسنواصل مواجهة العدو الإسرائيلي”، على حد تعبيره.

وأضاف نائب نصر الله أيضا أن “المعركة طويلة والخيارات مفتوحة وسنواجه أي احتمال إذا دخل العدو بريا إلى لبنان وقوات المقاومة جاهزة للالتحام البري”.

ويعتبر الخبير العسكري ملاعب أن “كل عنصر في قوة الرضوان الخاصة التابعة للحزب يمكن أن يكون في المرحلة المقبلة قائدا بديلا، كونه معد بالجهوزية التامة”.

ويوضح أن “خطط الدفاع موضوعة بآلية العمل العسكري اللامركزي”.

كما يشير إلى أن “حزب الله كان قد تمرس بمواجهة إسرائيل في 2006″، ويعتقد أن الجيش الإسرائيلي “لن يستطيع البقاء على الأرض في جنوب لبنان، دون خسائر واستنزاف يومي”.

ومن ناحية أخرى يقر الخبير العسكري بالتفوق العسكري والاستخباراتي الموجود لدى إسرائيل، ويرى أن هذا الأمر سيكون تحديا عند القادة الجدد، خاصة “خلال عمليات الانتقال والتمويه”.

لكن في المقابل ينظر المسؤول السابق في “البنتاغون” دي روش إلى جبهة حزب الله الداخلية بعين مختلفة.

ويقول إنه “سيكون من الصعب للغاية على حزب الله استعادة صفوفه الداخلية لأن هناك فقدانا للثقة بين الأفراد في الرتب الدنيا والقيادة العليا”.

“الأشخاص في الرتب العليا هم الذين يقولون: لا تستخدم الهاتف المحمول فهو غير آمن.. استخدم جهاز البيجر”، وبعد ذلك قرروا بأنفسهم شراء أجهزة النداء المذكورة، وفق المسؤول السابق.

ويتابع: “القيادة العليا أثبتت عدم قدرتها على حماية نفسها”، وليس ذلك فحسب إذ يشير دي روش إلى وجود “فقدان ثقة بين حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني”.

ويضيف أنه “لديه قناعة أن اختراق نصر الله لم يكن من داخل حزبه، بل من داخل الحرس الثوري، الذي يضم ضباطا لا تستطيع الجماعة اللبنانية إجراء فحص خلفية لهم أو حتى استجوابهم”.

ماذا عن التجنيد؟

ولا يقتصر “فقدان الثقة” بين الرتب العليا والدنيا داخل الحزب وبين قادة وأفراد الجماعة وضباط “الحرس الثوري” بل تأخذ الحالة مسارا آخرا يرتبط على الخصوص بإمكانية استقطاب عناصر جدد.

وكانت “تفجيرات البيجر” قد أسفرت عن إصابة الكثير من عناصر الحزب اللبناني.

وقبل ذلك منذ اندلاع الحرب في غزة قتل أكثر من 400 عنصر من الجماعة المدعومة من إيران بضربات جوية استهدفت تحركاتهم ومواقع تمركزهم.

ويعتقد دي روش أنه “سيكون هناك نقص في الثقة لدى الشباب الذين يُحتمل تجنيدهم في حزب الله”.

ويشرح حديثه بالقول: “بدلا من النظر إلى الأشخاص الذين قاتلوا في حرب 2006 كأبطال واجهوا إسرائيل مباشرة سيجدون أنفسهم يتعاملون مع أفراد فقدوا أصابعهم أو أصيبوا بالعمى بسبب هجمات البيجر”.

كما قد يتساءل الشبان الجدد: “هل أريد أن أكون جزءا من هذا؟ وهو الأمر الذي سيكون تحديا لعمليات التجنيد”، وفق حديث المسؤول السابق في “البنتاغون”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version