عدوى جدري القردة ليست جديدة على أفريقيا، ومع ذلك ليس لدى دول القارة لقاح فعال وهو ما يكشف عن التفاوت الكبير في التوزيع العالمي للقاح حيث تقوم عشرات الدول الغنية بتلقيح الأشخاص الذين يواجهون مخاطر أقل بكثير.

يقول الخبراء إن هذه التفاوتات، إلى جانب المشاكل الصحية المختلفة والتنظيم البطيء، تعرض ملايين الأفارقة للخطر، خاصة بعد أن اكتشف العلماء أن الفيروس يتحور بسرعة الآن، وينتقل من شخص لآخر ويعبر الحدود.

وقالت دودوزيل ندوادوي، عالمة في مجلس البحوث الطبية بجنوب أفريقيا (SAMARA)، في تصريحات لمنصة “تومسون رويترز” إن “نقص توزيع لقاحات جدري القردة في أفريقيا يرجع إلى تحديات في الإمداد والتمويل والبنية التحتية، ولأن المرض أقل انتشارًا مقارنة بأولويات صحية أخرى”.

وكان جدري القردة منتشرًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلاً، منذ يناير من العام الماضي، لكنه لم يصبح مصدر قلق كبير إلا في يناير من هذا العام عندما لاحظ العلماء الطفرة الجديدة والمقلقة.

وتوفر لقاحان لجدري القردة من إنتاج شركة بافاريان نوردك الدنماركية وشركة KM Biologic اليابانية لمكافحة تفشي المرض، في عام 2022، في ما لا يقل عن 70 دولة خارج أفريقيا، وقد تم تقديمه مجانًا في بعض العيادات في الولايات المتحدة وأوروبا.

ولكن قبل أن تتلقى نيجيريا 10 آلاف جرعة من الولايات المتحدة هذا الأسبوع، لم يكن هناك أي لقاح لجدري القردة متاحًا، في أي بلد، في أفريقيا، والسلالة المنتشرة الآن من  بين السكان والنازحين في جمهورية الكونغو الديمقراطية تعد أكثر شراسة من السلالات السابقة، بحسب رويترز. 

في السياق، قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الجمعة، إن لقاحات جدري القردة ستصل إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في الأيام القليلة المقبلة للتصدي لسلالة جديدة من الفيروس المسبب للمرض.

وقال إن الكونغو الديمقراطية سجلت أكثر من 18 ألف حالة مشتبه بإصابتها بالمرض حتى الآن هذا العام و629 حالة وفاة، كما تأكدت أكثر من 150 إصابة في بوروندي.

وأضاف في مؤتمر صحفي “نأمل أن نحصل على أول شحنة في الأيام القليلة المقبلة، وبعد ذلك ستتزايد (الشحنات)”.

وقال مسؤول آخر في المنظمة، تيم نجوين، إن نحو 230 ألف جرعة من لقاح جدري القردة جاهزة على الفور، وفق ما نقلت عنه وكالة رويترز.

وأضاف نجوين أن هذه الجرعات تبرعت بها المفوضية الأوروبية وشركة بافاريان نورديك الدنماركية المنتجة للقاح لجدري القردة.

يذكر أنه في وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن جدري القردة يمثل حالة طوارئ صحية عامة عالمية بعد تفشي العدوى الفيروسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي انتشرت بعد ذلك إلى البلدان المجاورة وبلغ حتى دولا في أوروبا.

وباء خطير

وكان جدري القردة، مشكلة صحية عامة في أجزاء من أفريقيا، منذ عام 1970، لكنه لم يحظَ باهتمام عالمي كبير حتى تفشي المرض دوليًا في عام 2022.

وعادةً ما يسبب جدري القردة أعراضًا شبيهة بالإنفلونزا وقد يكون قاتلًا، بينما تبلغ تكلفة الحماية منه حوالي 100 دولار للشخص الواحد.

وفي حديث لرويترز، وصف جيمي ويتوورث، أستاذ علم الأوبئة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، المتغير الجديد، المعروف باسم “clade 1b pox”، بأنه “قاتل إلى حد ما”.

وقال ويتوورث: “يبدو أن هذا المتغير ينتقل من خلال الاتصال الجنسي”، مضيفا “هناك حاجة الآن لإدراجه في قائمة الأولويات لأنه وباء خطير”.

منذ يناير عام 2023، كان هناك أكثر من 27 ألف حالة مشتبه بها و1100 حالة وفاة في الكونغو، وفقًا للأرقام الحكومية، خاصة بين الأطفال.

وانتشر هذا الفيروس من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى 12 دولة مجاورة، مما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إعلان تفشي المرض كحالة طوارئ صحية عامة.

وتكافح الآن العديد من الدول الأفريقية لمواجهة هذا التحدي.

وقال ويتوورث إن التكلفة البالغة 100 دولار لتوزيع جرعة من اللقاح تشكل عبئًا كبيرًا على الحكومات التي يجب عليها مواجهة تهديدات متعددة مثل الحصبة والملاريا والكوليرا بميزانيات محدودة.

وأضاف “إنه أمر مكلف للغاية لتلقيح جمهورية الكونغو الديمقراطية فقط. إذا سألت الناس، هناك العام الماضي ما كانت الأولوية الأعلى، هل كان لقاح الحصبة أم لقاح جدري القردة؟ كانوا سيقولون لقاح الحصبة”.

“وكذلك كان سيقول أي شخص آخر في مجال الصحة العامة لأن ذلك كان تهديدًا أكبر في ذلك الوقت”، على حد تعبيره.

وتشهد مناطق وسط أفريقيا زيادة سريعة في حالات جدري القردة، حيث تم تسجيل نحو 4 آلاف حالة خلال أسبوع، وفقًا للهيئة الصحية العامة للقارة.

وناشدت الهيئة مجددًا توفير اللقاحات المأمولة لمكافحة الفيروس الذي يُعتقد أنه أصاب عشرات الآلاف من الأشخاص وأودى بحياة أكثر من 600 شخص منذ بداية العام.

وقدمت الولايات المتحدة، الثلاثاء، 10 آلاف جرعة من لقاح جدري القردة إلى نيجيريا، وهي أول تبرع من هذا النوع إلى أفريقيا منذ بداية التفشي الحالي. 

وقد تعهدت دول أخرى أيضًا بإرسال لقاحات إلى القارة، حيث وعدت إسبانيا وحدها بتوفير نصف مليون جرعة.

ومع ذلك، لا توجد لقاحات متاحة حاليًا في دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث ينتشر جدري القردة منذ يناير من العام الماضي، ويستهدف الفيروس المتغير الجديد السكان الضعفاء والنازحين، بينما تستمر الدول الغنية في تطعيم الأشخاص الذين يواجهون مخاطر أقل.

لماذا التأخر؟

تجدر الإشارة أولًا إلى أنه على الرغم من خطورة أزمة جدري القردة وخطر انتشاره عبر حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يوافق المنظمون المحليون على اللقاح إلا في يونيو، ولم يتم تحديد موعد لتوزيعه حتى الآن.

وهناك ثلاثة لقاحات محتملة ضد جدري القردة، لكن واحدًا منها غير موصى به للاستخدام الواسع بسبب آثاره الجانبية المحتملة.

وهناك لقاح آخر من اليابان يواجه مشكلات إنتاجية، واللقاح الوحيد المستخدم حاليًا هو Imvanex (JYNNEOS) من شركة بافاريان نورديك الدنماركية.

تستطيع شركة بافاريان نورديك إنتاج ما بين 30 إلى 40 مليون جرعة سنويًا، ولكن هناك شكوك حول قدرتها الفعلية على تحقيق هذا الرقم، ويُعتقد أن الإنتاج الفعلي قد يكون حوالي 20 مليون جرعة سنويًا، وفق ما ذكره موقع الإذاعة الوطنية الأميركي “إن بي آر”.

وردا على رسالة إلكترونية للموقع، قال متحدث باسم افاريان نورديك أن الشركة لديها القدرة على إنتاج ما بين 30 إلى 40 مليون جرعة من لقاح “Jynneos” سنويًا. 

ونوه إلى أنه مع نظام الجرعتين الموصى به، سيكون ذلك كافيا ليشمل ما بين 15 إلى 20 مليون شخص.

ونوه الموقع إلى أنه من المفترض أن يتم زيادة عدد الأفراد المشمولين ليصلوا إلى 100 مليون شخص إذا اتبعت دول أخرى ما بادر به مسؤولو الصحة الأميركيون، الذين وافقوا على خطة لخفض كل جرعة بحوالي الخمس باستخدام طريقة مختلفة لحقن اللقاح من أجل الحصول على أقصى فائدة من الجرعات المتوفرة أصلا في البلاد. 

الموقع الأميركي تحدث مع أخصائي مات لاينلي، الذي يعمل مع “Airfinity”، وهي شركة لتحليل البيانات تتخذ من لندن مقرا وتتخصص في تتبع عمليات إنتاج لقاحات جدري القردة وإيصالها، والذي يشكك في أن القدرة الإنتاجية لبافاريان نورديك عالية كما تدعي الشركة. 

ورجح أن يكون كم الأنتاج أقل مما استعرضته الشركة، لكنه نوه إلى أنه “مع التعقيدات الأولية التي كانت لديهم ونقص البيانات التي لدينا (من الشركة)، من الصعب التوصل إلى تقدير مناسب”.

وإذا استهدفت اللقاحات فئة الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال آخرين، والتي قد تشمل 18 مليون شخص عالميًا، فقد يتمكن الإنتاج الحالي من تلبية الحاجة إذا تطلب الأمر تطعيم جزء من هذه الفئة فقط.

ومع ذلك، إذا تطلب الأمر تطعيم جميع أفراد الفئة المستهدفة أو توسيع نطاق التطعيم ليشمل العاملين في الرعاية الصحية أو الأطفال، فإن العرض قد لا يكفي.

وحتى الولايات المتحدة، التي لديها أكبر عقد مع بافاريان نورديك، تواجه صعوبة في الحصول على الجرعات، حيث لم تستلم سوى 1.1 مليون جرعة حتى الآن، ويتم العمل على تسريع الإنتاج واختبار الجرعات المنتهية صلاحيتها لتلبية الحاجة.

في الصدد، طرحت، السبت، منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” مناقصة طارئة لتأمين لقاحات جدري القردة للدول المتضررة من الأزمة بالتعاون مع مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا والتحالف العالمي للقاحات والتحصين “GAVI” ومنظمة الصحة العالمية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version