القدس المحتلة- تجمع اليوم العشرات من سكان “كيبوتس نير عوز” في منطقة “غلاف غزة” الذي أصبح رمزا لإهمال الحكومة الإسرائيلية بحق القتلى والأسرى جراء إخفاق السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في الشارع الرئيس استعدادا لاستقبال توابيت الأسرى الإسرائيليين الأربعة الذين أفرجت عنهم حركة حماس مقابل تحرير 50 أسيرا فلسطينيا.

وحمّل السكان ملصقات رسمت عليها “قلوب مكسورة” ووقفوا دقيقة صمت وحداد منكسين الأعلام الإسرائيلية، في مشهد عكس حالة الصدمة بالمجتمع الإسرائيلي، وتعبيرا عن الغضب من الحكومة ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي طالما تغنى بأنه سيعمل على إعادة جميع الأسرى أحياء.

وتسببت مشاهد التوابيت -وكذلك الانتقادات ومشاعر الغضب التي عبر عنها بعض الإسرائيليين ومنتدى عائلات الأسرى- الحرج للحكومة الإسرائيلية، وتعزز عندما أكدت حركة حماس أن هؤلاء الأربعة كانوا على قيد الحياة وقتلوا مع آسريهم في قصف الجيش الإسرائيلي لأماكن احتجازهم، حيث حمّلت حماس حكومة نتنياهو مسؤولية عرقلة صفقة التبادل مرارا.

ومثّل مشهد دخول مركبات الصليب الأحمر الدولي إلى الموقع الذي شهد مراسم تسليم توابيت الأسرى، قرب مقبرة الشهداء بمنطقة بني سهيلا في خان يونس جنوبي قطاع غزة، حالة مفاجئة للمؤسسة الإسرائيلية وبات نتنياهو في حرج كبير، حيث سبق أن أعلن الجيش الإسرائيلي عن اكتشاف قواته نفقا تحت الأرض في نفس المنطقة نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

يُذكر أن قوات الاحتلال شنت عملية في المنطقة التي تم فيها تسليم التوابيت الأربعة، وحفرت فيها القبور وانتشلت عشرات رفات الموتى، وفحصت ما إذا كانت تتبع لإسرائيليين. واستمرت عملية البحث عن الأسرى القتلى في المقبرة ليلة كاملة، وتخللها قتال كبير واشتباكات مع فصائل المقاومة، وأقرت إسرائيل في حينها نقل جثث من نفس المقبرة في عملية عسكرية، ولكن تبين فيما بعد أنها جثث فلسطينيين.

حزن وغضب

وأمام هذه الحقائق، عبرت إيليه أشكنازي، وهي من أحد سكان “الكيبوتس” -في حديثها للموقع الإلكتروني “واي نت”- عن مشاعرها حيال مشاهد تسلم التوابيت ووقع ذلك على الإسرائيليين، قائلة “هناك الكثير من الحزن والغضب، لأننا أردنا رؤيتهم أحياء، وكان من الممكن ذلك”.

ووجهت أشكنازي انتقادات شديدة اللهجة لحكومة نتنياهو وحملتها المسؤولية قائلة “هذا يوم صعب على المجتمع الإسرائيلي، هي لحظات تعكس الإخفاق في 7 أكتوبر، بل واستمرار الفشل من خلال تعامل الحكومة بنوع من اللامبالاة والإهمال مع المحتجزين وعائلاتهم، يجب التوقف عن هذا الاستخفاف والاستهتار بمشاعر العائلات، فما زال هناك محتجزون في جحيم الأسر”.

وذات المشاعر عبرت عنها رينانا يعقوب، التي أطلق سراح ابنيها أور وفيجيل بالصفقة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قائلة إن “الناس بإسرائيل بحاجة إلى التذكير أن هناك أشخاصا يقبعون في نفق في غزة، نعلم كيف يبدو النفق، لقد مر وقت طويل وهم عالقون بالأسر هناك، مجدر التفكير أنهم ما زالوا هناك تحت الأرض لا يمنحني الهدوء أو الراحة”.

وتحدثت بغضب عن الإهمال الحكومي الذي استغرق أكثر من 500 يوم لإحضارهم لكنهم عادوا في توابيت، وقالت “كان من الممكن أن يكون الأمر مختلفًا، إنه أمر محزن ومزعج ومثير للسخط والغضب، لكن من ناحية أخرى، هناك نوع من الارتياح وقبول للواقع المرير عندما يعود الأسرى الموتى، على الأقل يُمنحون الراحة الأبدية”.

مشاهد الصدمة كانت واضحة على الإسرائيليين عند تسلم توابيت الأسرى الأربعة (الإعلام الإسرائيلي)

يوم سيئ

ومع إعادة الجثث الأربع إلى عائلات بيباس وليفشتس، يصف الكاتب الإسرائيلي نير تصادوك هذا اليوم بأنه “أحد أصعب الأيام منذ الهجوم المفاجئ في السابع من أكتوبر، حتى مع استخدام عدسة مكبرة، سيكون من المستحيل العثور على ذرة من الخير في يوم إعادة المحتجزين بالتوابيت، فقط نرى ونعيش الأسوأ من الأسوأ”.

وأضاف تصادوك في مقالة له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” أنه “لم نكن مخطئين عندما اعتقدنا أن النهاية السعيدة فقط بإعادة جميع المحتجزين وهم على قيد الحياة، إن عنصر الموت في القتال والأسر معروف جيدا، ولكن يتم الكشف عنه اليوم فقط بعد أكثر من 500 يوم من الحرب”.

وأوضح الكاتب الإسرائيلي أنه مع التوصل لاتفاق وقف النار في غزة وبدء صفقة التبادل بات واضحا للإسرائيليين أن 36 أسيرا من بين الـ73 المتبقين في غزة ليسوا على قيد الحياة، قائلا “لقد تم بالفعل انتشال جثث من قطاع غزة في عمليات عسكرية. ومع ذلك، ومع كل الحذر، فإن عودة جثث المحتجزين الأربعة ستفتح حفرة تحت أقدامنا، والتي ربما لن يتم ملؤها بالكامل أبدًا، إذا واصلت الحكومة بالمماطلة بتنفيذ الصفقة”.

محللون اعتبروا أن مشاهد التوابيت ستكون لها تداعيات على الحالة الإسرائيلية السياسية والاجتماعية (الإعلام الإسرائيلي)

مسؤولية ضائعة

بدا أمير بار شالوم المحلل العسكري بالموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” أكثر حدة في انتقاداته لرئيس الوزراء، حين علق قائلا “مرة أخرى يلقي نتنياهو باللوم والمسؤولية على الآخرين في فشله، فهو يختبئ وراء لقب المسؤول الكبير المطلع على التفاصيل، ويهاجم المؤسسة الأمنية، ويتهمهم بالفشل بإدارة المفاوضات لإطلاق سراح الرهائن”.

ويعتقد المحلل العسكري أن مشاهد عودة الأسرى بالتوابيت التي بدت كصدمة “ستترسخ في الذهنية الإسرائيلية، وتسبب حرجا لحكومة نتنياهو” مشيرا إلى أن هذا المشهد سيتكرر كثيرا في حال لم يعرقل نتنياهو المراحل الأخرى من صفقة التبادل، بحيث أن وقع مشاهد التوابيت ستكون لها تداعيات على الحالة الإسرائيلية سواء السياسية أو الاجتماعية”.

وفي خضم هذه التداعيات، يتساءل المحلل العسكري “من هو المسؤول عن الفشل بحسب نتنياهو؟” ويجيب “الجميع في إسرائيل يتحملون مسؤولية الفشل، باستثناء رئيس الوزراء الذي يبدو أنه لم يعد قادرا على التخلص من التكتيكات القديمة بتعميق الشرخ المجتمعي والاستقطاب السياسي، والتي أثبتت كفاءتها حتى الآن، فهو يعود مرة أخرى إلى سياسة نحن وهم، وفي كل أزمة يستخدم هذا السلاح بهدف توحيد الصفوف حوله”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version