بإعلان دعمه للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يغيّر السياسي القومي، سنان أوغان، موازين المنافسة المرتقبة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في تركيا. 

ورغم أن الخطوة التي اتخذها رسميا كانت متوقعة بناء على تصريحات ولقاءات ومعطيات، إلا أن الصدى الذي أحدثته، أدخل المشهد السياسي في أجواء تحليلات جديدة.

وفي بيان مصور من العاصمة أنقرة، بعد أيام من لقائه إردوغان في مكتبه بإسطنبول، قال أوغان: “أطالب الناخبين الذين صوتوا لنا في الجولة الأولى بدعم السيد رجب طيب إردوغان”.

وأضاف السياسي القومي، مرشح “تحالف الأجداد” الذي أقصي من سباق 14 مايو، أنهم لعبوا دورا فعالا في الانتخابات، بحصولهم على نسبة 5.2 بالمئة من الأصوات، في الجولة الأولى.

وتابع: “عندما نقيم هذه الانتخابات من حيث الأهداف والغايات التي وضعناها أمام المجتمع، نكون قد جعلنا القومية التركية والكمالية أجندة البلاد”.

ووفق ما أشار إليه السياسي فإنهم “جعلوا القوميين الأتراك مفتاحا، في وقت ساهموا في ظهور جمهور ناخب قومي قوي في تركيا”، و”دفعوا المرشحين الاثنين إلى التشبث بذات الخطاب” الذي أطلقوه.

وستكون المنافسة في جولة الإعادة يوم 28 من شهر مايو بين الرئيس رجب طيب إردوغان ومرشح تحالف “الأمة” المعارض، كمال كليتشدار أوغلو.

وخلال الأيام الماضية، وفي حين التقى أوغان بإردوغان كان منافسه كليتشدار أوغلو قد أجرى لقاء مع زعيم “حزب النصر” القومي المعادي للاجئين، أوميت أوزداغ. ومن المقرر أيضا أن يعاد ذلك للمرة الثانية مساء يوم الاثنين.

وفي غضون ذلك وبينما تتجه الأنظار إلى موقف أوزداغ الخاص، كان هذا السياسي قد التقى بنائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، نعمان قورتولموش في مقر حزبه بمدينة إسطنبول، صباح الاثنين.

ما أصداء الدعم؟

وبعدما أعلنت “الهيئة العليا للانتخابات” عن نتائج الجولة الأولى، وأن المرشحين لمنصب الرئاسة لم يحققوا النسبة اللازمة للفوز (50+1) تركزت الأضواء بشكل كبير على كل من أوزداغ وأوغان.

وارتبط ما سبق بالنسبة التي حصل عليها أوغان وداعمه أوزداغ، التي من المتوقع أن تلعب “دورا محوريا” في حسم نتائج جولة الإعادة، بين إردوغان وكليتشدار أوغلو.

لكن وبينما أعلن أوغان عن الاسم الذي سيدعمه، من المقرر أن يتخذ أوزداغ موقفا خاصا في بيان سيعلنه للجمهور، صباح يوم الثلاثاء. 

وفي الوقت الحالي، لم يعد أي دور لـ”تحالف الأجداد”، وبات لكل طرف فيه موقفا خاصا، بحسب ما أعلن أوزداغ في بيان نشره عبر موقع التواصل “تويتر”. 

وقال في إشارة إلى خطوة أوغان بدعم إردوغان إنه “خياره السياسي ولا يمثل حزب النصر”.

وكذلك الأمر بالنسبة لـ”حزب العدالة” أحد مكونات “تحالف الأجداد” سابقا، إذ أعلن زعيمه دعم كليتشدار أوغلو في انتخابات الإعادة.

بدوره نشر كليتشدار أوغلو تغريدة عبر “تويتر” في أعقاب بيان أوغان، جاء فيها: “من الواضح من يقف بجانب هذا البلد الجميل و من يقف بجانب بيع هذا البلد الجميل!”.

وقال مرشح المعارضة الرئاسي: “نحن قادمون لإنقاذ هذا البلد من الإرهاب واللاجئين”، في وقت وصف السباق المرتقب بـ”الاستفتاء”، داعيا 8 ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع.

ويحسب هذا الرقم المذكور من الناخبين على “الفئة المترددة”.

وكان إردوغان وجه رسالة مشابهة، صباح الاثنين، بالقول: “نأمل أن نكمل يوم 28 مايو بإرادة ودعم أمتنا الحبيبة، بعدد قياسي من الأصوات”.

ماذا عن “الخطوط الحمر”؟

ولطالما ردد أوغان خلال الأيام الماضية، سلسلة من الاشتراطات و”الخطوط الحمر”، من أجل تقديم الدعم لأي مرشح رئاسي في جولة الإعادة.

ومن غير الواضح ما إذا كان قد توصل إلى اتفاق مع إردوغان بخصوص هذه القضية، التي تشمل ملف الهجرة واللاجئين، وعدم تغيير البنود الأربعة الأولى من الدستور، بالإضافة إلى أمور تتعلق بحالة الاقتصاد التي تعيشها البلاد.

ومع ذلك أوضح في بيانه الاثنين بالقول: “لقد تأكدنا من أن موقفي في مكافحة جميع أنواع المنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني ومنظمة غولن الإرهابيين وقضية الأجانب وما شابههما يجد مكانا في التيار الرئيسي للسياسة”.

وتابع: “لقد عبرنا عن خطوطنا الحمراء دون أي مساومة أو مشاركة أو التزام. وعقدت اجتماعاتنا مع كلا المرشحين مع رجال دولة ولطف متبادل”.

كما عبّر عن أمله في أن “يكون القرار الذي اتخذناه في إطار مبادئنا الأتاتورية والقومية ومفيدا للأمة التركية العظيمة”.

ماذا يقول المراقبون؟

في غضون ذلك، وقبل ساعات من بيان أوغان، كان كاتب العمود في صحيفة “حرييت”، عبد القادر سيلفي، قد أشار إلى أن الأخير وإردوغان اتفقا في اللقاء الأخير على أربعة بنود.

وهذه البنود هي: “ثبات المواد الأربع الأولى من الدستور، وعدم السماح بجهود إزالة تعريف التركية في الدستور”، و”محاربة كل أنواع التنظيمات الإرهابية والإرهاب”.

كما تضمنت “الإرسال التدريجي لطالبي اللجوء ضمن خطة”، والعمل على “تصميم سياسة اقتصادية متوافقة مع الأسواق الدولية وأكثر مرونة في سياسات الفائدة”.  

وأوضح الكاتب التركي أن “حزب العدالة والتنمية خسر في الجولة الأولى من الانتخابات الأصوات في المدن الكبرى، بينها إسطنبول، بسبب الأجانب وخاصة اللاجئين السوريين”. 

وبينما كان أوغان “شديد الحساسية تجاه هذه القضية”، اتفق مع إردوغان على “وضع خطة تدريجية لإرسال الأجانب، وخاصة اللاجئين السوريين”، حسب ذات المتحدث.

ويرى الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك أن قرار أوغان بدعم إردوغان “لن يغير كثيرا”، ولاسيما أن “معظم الناس الذين يصوتون لصالحه سيصوتون لإردوغان على أي حال”.

لكنه يقول: “قد يشجع قراره فقط حوالي ألف ناخب لم يخططوا للتصويت في الجولة الثانية من الشهر على الذهاب للتصويت”.

واعتبر الصحفي المعارض للحكومة، فاتح التايلي عبر “تويتر” أن “اختيار سنان أوغان ليس مهما للغاية بالنسبة للانتخابات الرئاسية. لكنها كانت مهمة لمستقبله السياسي”.

وتابع: “لا أعرف ما الذي سيجلبه له هذا الاختيار (دعم إردوغان)، ولكن بقدر ما أستطيع أن أرى، فقد اتخذ ذلك لهدف الرئاسة العامة لحزب الحركة القومية”.

وأضافت كاتبة العمود في موقع “خبر تورك”، ناغيهان ألتشي أن “أي شخص يفاجأ بدعم أوغان الصريح لإردوغان يعني أنه لا يعرف النظام الحالي والدولة التركية على الإطلاق”.

وأوضحت الصحفية عبر “تويتر”: “لا يمكن للأتاتوركين والقوميين الأتراك أن يكونوا منشقين حتى لو أرادوا ذلك. هذان التياران هما أيديولوجيتان شقيقتان مع الإسلاموية والمحافظة اليوم”.

ونشر مستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات سابقة لأوغان، وأشاروا إلى تناقض موقفه بين اليوم والأمس. 

وكتبت الصحفية، سيرين بايزن عبر “تويتر”: “لقد عرفت سنان أوغان منذ سنوات… كان ضيفا معي قبل انتخابات 14 مايو، وقال في ذلك اليوم: (أنا هنا حتى لا تتحول أصوات مواطنينا القوميين إلى حزب الحركة القومية)”.

من جهتها اعتبرت الصحفية التركية، سمية جيلان، أن “سياسيي وناخبي المعارضة والصحفيين الذين أعلنوا دعمهم لها قاموا بقتل كل من لم يفكر مثلهم”، مضيفة: “كونك معارضا ليس بالضرورة أن تفرض رأيك الخاص”.

“بلغة الأرقام”

ولا يعني الدعم الذي قدمه أوغان لإردوغان أن كامل كتلته التصويتية لتذهب لصالح الرئيس التركي، حسب مراقبين.

ويوضح الباحث في الشؤون التركية، محمود علوش، أن “دعم سنان أوغان لإردوغان سيُقرب الأخير خطوة إضافية نحو ولاية رئاسية ثالثة”. 

ومع ذلك، فإن قرار أوغان لا يُمثل تحالف “الأجداد” الذي انتهى بعد الانتخابات، بل قراره فقط.  ويقول علوش لموقع “الحرة” إن “حزب النصر الذي كان في تحالف الأجداد ويُمثل القاعدة التصويتية الأساسية للتحالف (حصل في الانتخابات البرلمانية على 2.23 بالمئة من أصل 2.43 بالمئة للتحالف) لم يُقرر بعد دعم أحد المرشحين وسيتخذ قراره الثلاثاء”. 

ومن المحتمل أن يدعم أوزداغ كليتشدار أوغلو، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب “العدالة”، رغم أن تأثيره ضعيفا. 

ويرى الباحث أن “أوغان حصل على 5.17 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى، لكنّ نصفها جاءت من حزبي النصر والعدالة (2.4 بالمئة)، بينما الـ3 بالمئة الأخرى تقريبا كانت عبارة عن أصوات قومية معارضة في التحالف السداسي قررت دعمه بعد انسحاب محرم إينجه”. 

وبالتالي، فإن دعم أوغان الخاص لإردوغان لن يجلب للرئيس التركي أكثر من 3 بالمئة كحد أقصى، وربما أقل من ذلك، لأنّ هذه الكتلة متحركة، وقد تتفرق على الأرجح بين كليتشدار أوغلو، ومنافسه، والامتناع عن التصويت”. 

في المقابل، يضيف علوش: “في حال قرر حزبا النصر والعدالة دعم كليتشدار أوغلو، فإن هذا الدعم سيجلب له 2.4 بالمئة على الأكثر، ولن يكون كافيا له بكل الأحوال”. 

ولذلك فإن “التفتت محتمل للكتلة القومية، التي لم تدعم إردوغان أو كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى سيخدم في جولة الإعادة إردوغان بقدر أكبر، لأن منافسه المعارض بحاجة إلى هذه الكتلة كاملة (5.17 بالمئة) لتحسين فرصه بالفوز”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version