الهجمات التي نفذتها الميليشيات العراقية على إسرائيل خلال الساعات الماضية لا تعتبر جديدة عند قياسها بحوادث سابقة، لكنها تختلف من ناحية التوقيت والغايات، حسبما يقول خبراء ومراقبون لموقع “الحرة” من جميع الأطراف.

وفي حين يقول الخبراء إنها تحمل أهدافا لا تنفصل عن الوضع الذي يعيشه حزب الله في لبنان، يشيرون في المقابل إلى أنها “قد تكون جزءاً من عمليات الإسناد” التي أخذت شكلا جديدا خلال الأشهر الماضية لما يعرف بـ”وحدة الساحات”.

وتم تنفيذ الهجمات، التي أعلنت إسرائيل اعتراضها، تحت غطاء “المقاومة الإسلامية في العراق”، وهو تجمع ميليشيات تم الإعلان عنه والكشف عن مهمته خلال حرب إسرائيل في غزة، المستمرة منذ قرابة عام.

وكان آخر هذه الهجمات، صباح الاثنين، إذ قالت الميليشيات إنها “استهدفت بطائرة مسيرة قاعدة مراقبة للواء جولاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة” وفق تعبيرها.  وذلك بعد 5 هجمات مماثلة تم تنفيذها في يوم واحد، استهدفت مواقعا داخل إسرائيل وفي منطقة غور الأردن، وفق بيانات نشرتها على تطبيق “تلغرام”.

ولم تسفر أي من الضربات التي تم تنفيذها من مسافة بعيدة عن إصابات، وفقا للناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. وأوضح في بيان الاثنين، أن الهجوم الأخير كان عبارة عن طائرة مسيرة وتم اعتراضه بطائرات حربية.

ولم يقدم أدرعي أي تفاصيل إضافية عن طبيعة التعاطي مع هذه الهجمات، خاصة أنها تتزامن مع تصعيد كبير في جنوب لبنان وصلت آخر تطوراته خلال الساعات الماضية إلى حد تنفيذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ضربة جوية.

ويعتقد فيليب سميث، الباحث في جامعة ماريلاند، المتابع لنشاطات وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط، أن “الهدف من الحملة التي بدأتها الميليشيات العراقية هو توجيه رسالة لإسرائيل”.

وربما تكون الحملة أيضا وفق حديثه لموقع “الحرة” جزءا “من محاولة صرف انتباه إسرائيل عن حزب الله اللبناني وإظهار قدراته الأكبر”.

كما لا يستبعد سميث أن تكون “الهجمات تصب في إطار محاولة استعراض القدرات الموجهة للجمهور الداخلي”.

“تسجيل موقف أم إسناد”؟

وسبق أن نفذت “المقاومة الإسلامية في العراق” سلسلة هجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا تخطت حاجز 170 هجوما، مما دفع “البنتاغون” لاتخاذ سلوك مشابه أسفر عن مقتل قادة كبار.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية خفّت حدة تلك الهجمات على نحو كبير، وفي حين أنها لم تنقطع عادت الآن لتتجدد ضد إسرائيل.

ويرى الباحث العراقي في شؤون الحركات الإسلامية المسلحة، رائد الحامد، أن “الفصائل العراقية تحاول الآن لعب دور معين في إطار ما أعيد تسميته مؤخرا بجبهات الإسناد”.

ويقول لموقع “الحرة” إن “المقاومة الإسلامية في العراق” تريد من خلال هجماتها الحالية “تسجيل موقف”، مستبعدا أن يكون لضرباتها “تأثير على إسرائيل، سواء في البنية التحتية والأهداف العسكرية أو أي شيء آخر”.

وكان لافتا خلال الأيام الماضية اتجاه قادة ميليشيات عراقية لإبداء الدعم اللامحدود لحزب الله اللبناني، حتى أن قسما منهم نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتطوع من أجل القتال إلى جانبه ولتجهيز “الاستشهاديين” على حد تعبيرهم.

ويعتبر الباحث العراقي الحامد أن كل ما سبق لا يخرج عن إطار “الاستهلاك الإعلامي”، مشيراً  إلى أن أمين عام “كتائب سيد الشهداء” المدعو “أبو آلاء الولائي” تحدث عن تطويع الآلاف في نهاية عام 2021 لطرد القوات الأميركية من العراق، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

وعاد الولائي، قبل يومين، ليعلن استعداده لزج مئة ألف مقاتل للقتال إلى جانب حزب الله في لبنان. ويتابع الحامد في تعليقه على ذلك بقوله إن “الأمر مجرد تصريحات إعلامية”.

من جهته، يوضح الكاتب والباحث العراقي جاسم الشمري، أن الغرض من الهجمات التي تنفذها الميليشيات العراقية على إسرائيل هو “التهديد”، ولمنعها من “احتمال الدخول إلى جنوب لبنان أو تنفيذ ضربات قوية فيه”.

ويقول الشمري لموقع “الحرة”: “الفصائل العراقية متأكدة أن المعركة قادمة بين إسرائيل وحزب الله، بالتالي ربما ما تفعله الآن محاولة لمنع أو تأخير الهجوم الكبير”.

ماذا عن إسرائيل؟

وغالبا ما تستخدم الميليشيات العراقية المسيرات الانتحارية في هجماتها ضد إسرائيل.

وتسلك عملية عبور تلك المسيرات، قبل وصولها إلى إسرائيل، إما المناطق الغربية الواقعة على حدود الأردن أو المثلث العراقي السوري الأردني، كما يشير الباحث العراقي رائد الحامد.

ويضيف الحامد أن هذا النوع من السلاح “يبدو متواضعا وليس ذا قدرة تدميرية عالية، بسبب المسافة البعيدة واضطرار مشغلي الطائرات لعدم تحميلها بزنات عالية من المتفجرات”.

ويؤكد على ما سبق الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، بقوله إن “إمكانية المسيرات التي تطلقها الميليشيات محدودة بسبب المسافة البعيدة”.

وبينما يعتبر شتيرن أن الهجمات تشكل “مصدر إزعاج لإسرائيل” يستبعد أن تسفر عن “تغيير المعادلة الأكبر”، على حد تعبيره لموقع “الحرة”.

ويضيف: “قد نرى استمرارا لهذه الهجمات، لكن دون رد فعل قوي وملموس من إسرائيل”.

ولا تعتقد إسرائيل الآن أن عليها تركيز الكثير من الموارد من أجل إيقاف “مصدر الإزعاج”، وفق الباحث السياسي الإسرائيلي.

وإضافة إلى أنها تتزامن مع حالة تصعيد إسرائيلية كبيرة ضد إسرائيل، وجاءت الهجمات التي نفذتها الميليشيات العراقية بعد يومين فقط من مقتل مسؤول كبير في “كتائب حزب الله” العراقي في العاصمة السورية دمشق.

القيادي يدعى “أبو حيدر الخفاجي” ونعته الجماعة المدعومة من إيران بشكل رسمي ونسبت المسؤولية لإسرائيل.

وقد يكون من الممكن تسويق حملة الهجمات الجديدة من قبل “المقاومة الإسلامية في العراق” باعتبارها ردا على ما حدث “الخفاجي”، بحسب الباحث فيليب سميث.

أما في ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، يرى سميث أنه “لن يكون من المستغرب أن ترد إسرائيل على الهجمات. وربما بشن غارة جوية”.

ويرجح الباحث سيناريو آخر بأن “إسرائيل قد تتجاهل ما حصل، خاصة أنه حصلت هجمات متكررة في السابق وكانت فاشلة أو تم اعتراضها”.

وحاول موقع “الحرة” الحصول على تعليق من الجيش الإسرائيلي عبر تطبيق واتساب، دون أن يتمكن من ذلك حتى موعد النشر.

 “أهدف داخلية وخارجية”

ونادرا ما تصدر الحكومة العراقية بيانات تعلّق فيها على الضربات التي تنفذها الميليشيات ضد إسرائيل، على عكس الإدانات التي كانت تصدرها عندما تتعرض القوات الأميركية لأي هجوم.

ويقول الباحث السياسي جاسم الشمري إن حملة الهجمات الجديدة “ربما تحرج الحكومة العراقية أمام الولايات المتحدة الأميركية”.

ويتصور أن هدف الحملة بالدرجة الأولى “تخفيف الضغط عن حزب الله”، وفي الدرجة الثانية “ربما لها غايات سياسية منها إحراج حكومة محمد شياع السوداني، التي بدأ اللغط حولها من أجل تقديم الاستقالة”.

ويشير الباحث العراقي الحامد إلى حديث انتشر قبل أيام عن زيارة أجراها قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، ولقائه قادة الفصائل العراقية.

يقال حسب بعض التقارير، كما يقول الحامد، أن “قاآني حث الفصائل العراقية على إسناد حزب الله اللبناني في حال التصعيد الإسرائيلي”.

ويعتقد الباحث أن “الفصائل العراقية ترتبط في معظمها ببيعة شرعية مع المرشد الإيراني خامنئي، بالتالي هي ملزمة بتنفيذ التعليمات”.

وفي ما يتعلق بموقف الحكومة العراقية يبدو أنها “إما عاجزة عن اتخاذ إجراء ضد الفصائل أو أنها منسجمة مع ما تفعله، لاسيما أنها تمثل الإطار التنسيقي الذي يتكون معظمه من أجنحة سياسية لفصائل إيران”، وفق تعبير الحامد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version