وعلى الرغم من نزيف الدم والمأساة الإنسانية الكبيرة والخسائر الاقتصادية الضخمة، إلا أن الجهود الإقليمية والدولية المستمرة لم تنجح – حتى الآن – في وقف الحرب.

وفشلت حتى الآن 10 مبادرات لوقف الحرب، كانت آخرها اجتماعات جنيف، التي عقدت خلال الفترة من 14 إلى 24 أغسطس.

نزيف دم

مع طول أمد الحرب وتمددها في 14 ولاية من ولايات البلاد الـ18، بما في ذلك ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة التي يعيش فيها نصف سكان البلاد المقدر تعدادهم بنحو 48 مليون نسمة، تزايدت الخسائر البشرية بشكل كبير.

وفي حين تتباين التقديرات حول الأعداد الدقيقة للضحايا، أكد المتحدث الرسمي باسم نقابة أطباء السودان لموقع “سكاي نيوز عربية” أن عدد القتلى يفوق التقديرات المعلنة، مشيرا إلى أن المستشفيات والفرق الطبية تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى البيانات اللازمة التي تعكس العدد الحقيقي للضحايا.

وقدرت منظمة “جينوسايد ووتش” العدد الفعلي للضحايا المدنيين منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023 وحتى الآن بنحو 150 ألف قتيل.

خسائر اقتصادية

ووفقا لأحدث التقديرات على لسان الخبير الاقتصادي الأممي ووزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، فإن الحرب دمرت 20 في المئة من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني والمقدر بنحو 600 مليار دولار، كما أدت إلى تآكل أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.

وعزا البدوي، خلال ندوة نظمتها تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” سبب ارتفاع الخسائر الاقتصادية إلى نشوب الحرب في  العاصمة الخرطوم، التي تشكل مركز الثقل الاقتصادي للبلاد، حيث يتركز فيها نحو 25 في المئة من اقتصاد البلاد، إضافة إلى انتقالها إلى مدن أخرى ذات ثقل اقتصادي كبيير مثل نيالا والفاشر و”ود مدني” عاصمة إقليم الجزيرة الذي يشكل عصب الإنتاج الزراعي في البلاد.

وكان قطاع البنية التحتية من أكثر القطاعات تضررا، حيث تعاني أكثر من 60 في المئة من مناطق البلاد شحا كبيرا في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات، بعد أن دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية. كما تعرضت البنية الصناعية في البلاد إلى دمار وتخريب كامل، حيث تشير التقديرات إلى فقدان البلاد نحو 80 في المئة من وحداتها الإنتاجية بعد الأضرار الكلية والجزئية التي لحقت بأكثر من 600 مصنع منها 400 في الخرطوم وحدها، وفق بيانات اتحاد أصحاب العمل السوداني. وتآكلت العملة الوطنية بشكل كبير حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا فوق 2700 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.

من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي وائل فهمي أن الخسائر لا تتوقف فقط على ما يتعلق بالرصيد الرأسمالي للبلاد، مشيرا إلى جملة من الخسائر تتمثل في الإنفاق اليومي على المجهود الحربي والتوقف شبه الكامل لعجلة الإنتاج، مقدرا إجمالي الخسائر حتى الآن بما يتراوح ما بين 800 مليار إلى تريليون دولار.

وأوضح فهمي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تعتبر هذه الأرقام أقل من الحجم الحقيقي للخسائر إذا ما أضفنا ملايين الدولارات التي تنفق يوميا على المجهود الحربي والخسائر الكبيرة في الممتلكات العامة والخاصة إلى جانب الفاقد الإنتاجي وضياع فرص التمويل للاستثمارات المدنية البديلة لتمويل المجهود الحربي بدلا من دعم النمو”.

وقال الخبير الاقتصادي إن كلما امتدت الفترة الزمنية للحرب زاد حجم الدمار لمكونات الاقتصاد الإنتاجية وبنيتها الاساسية.

وأضاف: “مع استمرار الحرب يزيد حجم الفاقد لمدخلات الإنتاج المتاحة من عمال وموظفين ورؤوس أموال عينية وتمويلية فرض عليها النزوح الداخلي المستمر والهروب للخارج، بما يؤدي إلى زيادة معاناة المواطنين من الفقر والجوع والأمراض”.

وأردف فهمي: “بغض النظر عن بيانات الأمم المتحدة، وتقديرات وزارة المالية التي أشارت إلى فقدان الناتج المحلي الاجمالي نحو 40 في المئة من قيمته، إلا أن هنالك العديد من المؤشرات التي تؤكد ضخامة الأضرار الاقتصادية وأبرزها دخول أكثر من نصف سكان البلاد في دائرة المجاعة”.

أفق ضبابي

في ظل غياب أي بوادر لحل قريب، تتزايد المخاوف من استمرار الحرب لفترة أطول وبالتالي ارتفاع حجم الخسائر البشرية والاقتصادية.

وخلال الأشهر الستة عشر الماضية، سعت الأطراف الدولية والإقليمية لإقناع طرفي القتال بوقف الحرب ووضع حد للتدهور الإنساني المريع.

وفي حين طرحت تلك المبادرات حلولا وخطوات عديدة لوقف الحرب وتوصلت إلى مقررات شملت عقد لقاءات مباشرة بين قائدي الجيش والدعم السريع، إلا ان تلك المقررات لم يتم تنفيذها.

ويعزي مراقبون وفاعلون سياسيون فشل كل تلك المحاولات والجهود إلى تعدد المنابر وعدم رغبة بعض الأطراف في الوصول إلى سلام إضافة إلى الضغط الذي تمارسه مجموعات رافضة لوقف الحرب على قيادات الجيش.

واتهم المبعوث الأميركي للسودان توم بيريلو في إيجاز إلكتروني قدمه للصحفيين يوم الخميس، عناصر نظام المؤتمر الوطني – الجناح السياسي لتنظيم الإخوان – بممارسة ضغوط على قيادات الجيش ودفعهم للاستمرار في الحرب من أجل العودة للحكم مجددا.

لكن بيريلو أكد عزم الإدارة الأميركية والوسطاء الدوليين والإقليميين على العمل لإيجاد حل للأزمة، وتعهد بدعم تطلعات السودانيين وإتاحة الفرصة لهم ليحددوا مستقبلهم بأنفسهم.

تداعيات خطيرة

  • 12 مليون فروا من مناطق القتال، إذ عبر مليونان منهم الحدود إلى بلدان أخرى فيما اختار 10 ملايين النزوح إلى مناطق داخلية ويتركز نحو 70 في المئة منهم في 4 ولايات، هي البحر الأحمر وكسلا ونهر النيل والشمالية والتي تعيش جميعها حاليا أوضاعا مأساوية بسبب الفيضانات التي اجتاحتها خلال الأسبوعين الماضيين.
  • فقد نحو 60 في المئة من السودانيين مصدر دخلهم بسبب الحرب التي أدخلت 25 مليون سوداني في دائرة الجوع، وسط صعوبات كبيرة تواجه المنظمات الإنسانية في إدخال المساعدات، وارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسب تراوحت ما بين 100 إلى 400 في المئة منذ اندلاع الحرب.
  • ألحق القصف الجوي والمدفعي المكثف دمارا جزئيا وكليا بعشرات الآلاف من المباني السكنية وأكثر من الأسواق والمباني والمنشآت  الحيوية بالعاصمة ومدن أخرى من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل. ومنذ بداية القتال وحتى الآن فقدت اكثر من 80 في المئة من المستشفيات طاقتها العملية إما بشكل كامل أو جزئي.
  • فقد نحو 19 مليون طالب وطالبة عامان دراسيان كاملان، حيث توقفت الدراسة في المراحل المختلفة كليا منذ اندلاع الحرب، قبل أن تعاود بعض المدارس والجامعات العمل بشكل جزئي في الولايات الأربع الآمنة نسبيا خلال الشهرين الماضيين.
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version