لم تعد مدينة الجنينة السودانية اسما على مسمّى في ظل الواقع القاسي الذي يعيشه الناس العالقون هناك منذ أسابيع نتيجة النزاع بين قوات الجيش السوداني وعناصر الدعم السريع. 

تشير التقديرات إلى أن حوالي 500 شخص على الأقل قد قتلوا منذ بدء النزاع، وأن عددا مماثلا من الجرحى ما زالوا محاصرين داخل المدينة وغير قادرين على الوصول إلى العلاج المنقذ للحياة، وفقا لما أفادت به منظمة أطباء بلا حدود.

لا يستطيع أحد الدخول إلى المدينة لمساعدة المحاصرين أو حتى إخراجهم. وتقول المنظمة إن لديها فريقا جراحيا ينتظر في أدري في تشاد، لكن إجلاء المرضى حاليا مستحيل بسبب القتال المستمر.

والجنينة، هي عاصمة ولاية غرب دارفور التي رزحت تحت وطأة عقود من العنف والنزوح. 

في الأيام الأولى للنزاع الحالي، بقيت الجنينة هادئة، مما أعطى انطباعا بأن العنف قد لا يصلها، ولكن في 24 أبريل اندلع قتال عنيف في المدينة بين أطراف النزاع   بالإضافة إلى الشباب من المجتمعات المختلفة.

دفع القتال بالمجتمعات هناك إلى حمل السلاح للدفاع عن النفس، وأسفر ذلك عن اشتباكات ونهب للموارد.

بالنسبة للمناطق ذات المجتمعات المختلطة والتي تفتقر إلى سيطرة مجتمعية واضحة، فقد غدت بؤرا للقتال العنيف وأعمال النهب المتكررة. 

وجد سكان الجنينة أنفسهم عالقين في موجة عاتية من العنف وانعدام الأمن، وحياتهم مهددة ليس بسبب القتال فحسب، ولكن أيضا لعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية.

أثر ذلك على جميع الفئات السكانية، من النساء الحوامل والأطفال وأي شخص يسعى للحصول على رعاية طبية. 

وإلى جانب تحديات الحياة اليومية، يعاني السكان الآن من محدودية الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل مياه الشرب، مما وضع عبئا إضافيا عليهم وفاقم الصعوبات التي يواجهونها بشكل يومي. 

تقول المنظمة إن فرقها دعمت على مدى السنوات الماضية مستشفى الجنينة التعليمي، وهو المرفق الصحي الأساسي في غرب دارفور. 

لم تقتصر خدمة هذا المستشفى على سكان الجنينة فحسب، بل شملت أيضا بقية غرب دارفور. 

ولكن في 26 أبريل، وقع المستشفى ضحية للنهب وهو حاليا خارج الخدمة، بما في ذلك الأقسام التي دعمتها فرق منظمة أطباء بلا حدود.

خلال الأيام الأولى من القتال، تمكن فريق أطباء بلا حدود في مستشفى الجنينة التعليمي من تقديم المخزون المتبقي من الأدوية لمختلف المجتمعات. 

ولكن مع تدهور الوضع، هوجمت البنية التحتية للمستشفى وأصبح غير قادر على العمل. وتبين المنظمة أن فرقها “لم تتمكن من الوصول إليه، كما لم تستطع إجراء أنشطة العيادة المتنقلة في مجتمعات العرب الرحل في جلالا ومقشاشة ووادي راتي وكيلجيك”. 

وتضيف المنظمة أنه “ورغم قدرتنا على الاستمرار في تقديم الخدمات في مستشفى كرينيك، إلا أن إمداداته التي تُجلب عادة من الجنينة في طريقها للنفاد بسبب القتال”. 

قبل بضعة أيام تمكن موسى إبراهيم، مشرف المنظمة اللوجستي في الجنينة من العبور إلى أدري في تشاد ليشرف على الأنشطة مع فرق أطباء بلا حدود ويقيّم الدعم اللوجستي الممكن لغرب دارفور. 

يشغل إبراهيم، الذي يعيش في الجنينة، منصب المشرف اللوجستي في أطباء بلا حدود منذ يوليو 2021.

يقول إبراهيم: “كانت رحلتي إلى تشاد ضرورية بسبب انقطاع الاتصالات الذي نشهده بفعل تعطل الإنترنت ووسائل الاتصال”.

ويضيف أن “الزيارة هدفت أيضا إلى إقامة تنسيق وثيق مع فريق أطباء بلا حدود المتمركز في أدري، والذي كان على أهبة الاستعداد وجاهزا للتدخل ودعم المبادرات المحلية حيثما كان ذلك ممكنا”.

كان الطريق من الجنينة إلى تشاد مليئا بالمخاطر، إذ غالبًا ما تجول الجماعات المسلحة في دوريات ويمكنها أن توقف المارة. 

يشير إبراهيمإلى أنه “لا ضمان للأمن، وعواقب تصعيد النزاع مدمرة، في ظل الهجمات على المنظمات الإنسانية، ومقار الشرطة حيث سُرقت الأسلحة، والمواقع المدنية مثل السوق المحلي والجامعة الرئيسية”. 

وسط هذه الظروف “المروعة” نُهب المستشفى الذي كنا ندعمه أيضا وسُرقت جميع المواد الطبية ودُمرت أجزاء من المستشفى، وفقا لموسى. 

قدمت أطباء بلا حدود على مر سنوات المساعدة الطبية لجميع المجتمعات في غرب دارفور، والذين كانوا في حال آخر سيفقدون الوصول إلى الرعاية الصحية بفعل تكرار الاضطرابات العنيفة. 

يقول موسى: “بصفتي اختصاصيا في الشؤون اللوجستية الإنسانية، فالألم يعتصرني وأنا أشهد انهيار جهودنا التي تطورت على مر السنين”. 

في مستشفى الجنينة التعليمي، أدارت “أطباء بلا حدود” أقسام الأطفال والتغذية للمرضى المقيمين، وأدارت تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها، وخدمات المياه والصرف الصحي. 

خلال السنوات الماضية استمر تدفق المرضى القادمين ليس فقط من مدينة الجنينة وأقرب مخيمات العائلات النازحة، بل من جميع أنحاء غرب دارفور. 

يؤكد إبراهيم أن “الحركة في المدينة تقتصر حاليا على النطاق القريب من منزل كل منا بسبب خطر إطلاق النار العشوائي والقناصة وسرقة السيارات”.

يُثقل الخطر قدرة الحصول على الضروريات الأساسية، وأصبحت مهمة انتشال الجثث من الشوارع مستحيلة. 

خلال الأيام الأولى للنزاع، تمكن الهلال الأحمر من جمع أجساد الموتى من الشوارع، ولكن مع تدهور الوضع، صار مستحيلا الاستمرار في ذلك، وتُركت الجثث مكانها. 

قبل خمسة أيام، أُتيح الوصول إلى إحدى المناطق، ولكن الجثث كانت قد تحللت عندها لدرجة أنه لا يمكن إزالتها. أفضل ما يمكن فعله حاليا هو جمع الجثث في مكان واحد، بحسب المنظمة. 

وتضيف أن “هذا الوضع لا يطاق ويتطلب تدخلا عاجلا” ودعت إلى أهمية “ضمان المفاوضات بين قادة المجتمع والأطراف المتحاربة لوضع حد لهذا الوضع المروع”.

غادرت معظم المنظمات غير الحكومية، ولكن لتسهيل العمليات الإنسانية التي يقدمها من تمكنوا من البقاء في أجزاء مختلفة من السودان، فإن حماية أرواح المدنيين وضمان سلامة العاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية ضرورة “إنسانية مطلقة”. 

يؤكد إبراهيم أنه “ورغم الظروف، كانت إقامتي في تشاد قصيرة لأن كان عليّ أن أعود إلى عائلتي في الجنينة. وخلال هذه المهمة القصيرة في تشاد، تمثلت إحدى مهامي الرئيسية في تسهيل الدفع للعمال المياومين الذين يعملون على حماية مباني أطباء بلا حدود”.

ويتابع “لحسن الحظ، ظل أحد مكاتبنا ومستودعاتنا من دون أضرار، كما ساعد أناس في المجتمع في منع النهب إذ أدركوا دعمنا”. 

يشدد إبراهيم أن “الوضع لا يزال مترديا، ولا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامة سكان الجنينة والعاملين في المجال الصحي”. 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version