بعدما خَفُت الخطاب الخاص بهم خلال الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة والبرلمان بات اللاجئون السوريون، وملفهم، أكثر ما يردده السياسيون في تركيا قبل خمسة أيام من انطلاق جولة الإعادة، ورغم أن معظم الأطراف تعد بـ”عودتهم” إلا أن الاختلاف يكمن في تفاصيل التنفيذ وطريقة التعاطي.

وعلى مدى الأيام الماضية لم يتوقف مرشح تحالف المعارضة (الأمة)، كمال كليتشدار أوغلو، عن إطلاق الخطاب المعادي للاجئين بالعموم والسوريين على الخصوص، واعدا بترحيل 10 ملايين لاجئ “حال وصوله إلى السلطة”، كونهم يشكلون “خطرا على الأمن القومي”.

ولم يكتف بذلك، إذ أقدم فريقه الإعلامي على تغيير الشعارات والصور الخاصة بحملته، ناشرا إياها في عموم البلاد، خاصة في إسطنبول، تحت عبارة: “السوريون سيذهبون.. قرر”.

في المقابل، وبينما كان مصطلح “السوريون” أكثر ما يتردد ضمن أوساط المعارضة ومرشحها الرئاسي اتجه تحالف الحزب الحاكم إلى سياسة “من شقّين”، الأول بالتأكيد على مشروع “عودة المليون لاجئ طوعا”، الذي كشف عنه الرئيس رجب طيب إردوغان سابقا.

وفي الثاني رد مسؤولو الحزب الحاكم والوزراء في الحكومة على المزاعم المتعلقة بأرقام اللاجئين في البلاد وأنها تتجاوز حد الـ10 ملايين، مستعرضين البيانات الرسمية التي تم توثيقها منذ 2011.

لماذا الآن؟

ولطالما كان ملف اللاجئين السوريين في تركيا مثار جدل وأخذ ورد بين السياسيين، لكن تصديره “ما بين شوطي المنافسة على الرئاسة” يرجعه مراقبون إلى المعطيات، التي فرضتها نتائج الجولة الأولى من الانتخابات.

وأظهرت نتائج سباق 14 مايو تقدما لم يكن متوقعا للأحزاب وللسياسيين القوميين، على رأسهم مرشح “تحالف الأجداد”، سنان أوغان، الذي أعلن دعمه لإردوغان في جولة الإعادة.

وإلى جانب أوغان تسلطت الأضواء على نحو كبير على زعيم “حزب النصر” المعادي للاجئين السوريين، أوميت أوزداغ، والموقف الذي سيعلنه صباح الأربعاء، بعد عقده لقاءات مع كليتشدار أوغلو.

وأوزداغ وأوغان كانا حليفين سابقين، وأعلنا عن شروط و”خطوط حمر” من أجل دعم المتنافسين في جولة الإعادة، وعلى رأسها ملف اللاجئين، والعمل على عملية إعادتهم إلى البلاد.

كما أكدا على فكرة “الدور المحوري” الذي سيلعبانه في 28 من مايو، بناء على قبول شروطهما. ومع ذلك اتجه كل منهما إلى موقف منفرد.

وبينما اختار أوغان الوقوف إلى جانب إردوغان، لم يتحدث الشخصان عن أي اتفاق أو “مساومة” بخصوص ملف اللاجئين.

في غضون ذلك قال أوزداغ في بيان صحفي، الثلاثاء، إنه سيعلن موقفه من جولة الإعادة بعد اجتماعه مع كليتشدار أوغلو، ومن أجل الاتفاق على بروتوكول من شأنه أن يضمن في إحدى الجزئيات “ضمان عودة اللاجئين بقوة إذا لزم الأمر، وفي غضون عام”.

“انقلاب وخريطة طريق”

وتفيد إحصاءات تركية رسمية أن تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، يقدر عددهم بنحو 4 ملايين، فيما تتمركز الغالبية العظمى منهم في مدينة إسطنبول.

ورغم أن كليتشدار أوغلو سبق أن أطلق وعودا بـ”إعادتهم إلى وطنهم في غضون عامين” انقلب على هذه الفكرة في وقت كان يجري اللقاءات مع أوزداغ في مقر حزبه، سعيا لكسب الكتلة التصويتية لهذا السياسي القومي.

وفي إحدى بياناته المصورة قال كليتشدار أوغلو، الأسبوع الماضي: “أعلن هنا أنني سأعيد جميع اللاجئين إلى بلادهم بمجرد انتخابي رئيسا”، مدعيا أن عددهم يتجاوز 10 ملايين شخص.

وسرعان ما انضمت إليه حليفته زعيمة “حزب الجيد”، ميرال أكشنار، بتركيزها على فكرة التصويت “لمن يريد ترحيل السوريين ومن يعجز عن ذلك”.

بعد ذلك، وفي أعقاب اللقاء الذي جمع إردوغان وأوغان، أعلن وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، أنهم أعدوا خارطة طريق لعودة اللاجئين، مشيرا إلى أنهم يهدفون إلى “إحياء العملية السياسية وتطهير سوريا من الإرهاب وإعادة اللاجئين بأمان”.

وقال جاويش أوغلو إنهم “سيتعاونون مع بشار الأسد في هذا الشأن”، وأن دعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضروري في هذا الصدد، مؤكدا أنه “سيتم وضع خارطة طريق مع هذه المؤسسات”.

بدوره أكد إردوغان أن تركيا تدعم منذ البداية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين، وأنه بعد الانتهاء من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية “يمكن وضع خارطة طريق بخصوص اللاجئين”.

وأوضح أن “مسألة عودة اللاجئين مدرجة على أجندة مسار الحوار الرباعي المتواصل بين تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، وأن هناك مؤشرات إيجابية للغاية بهذا الخصوص”.

وفي غضون ذلك، ذكّر وزير الداخلية، سليمان صويلو، بأن “السوريين في تركيا ووفقا لآخر إحصائية يبلغ عددهم 3.382.429”.

وبينما نفى صويلو ادعاءات المعارضة بوجود أكثر من 10 ملايين لاجئ، قال في مقابلة تلفزيونية، الثلاثاء، إن “تركيا حصلت على 6 مليارات يورو تم إنفاقها على السوريين عبر كرت الهلال الأحمر (كيزلاي)”.

كما كشف عن “مشروع لبناء 240 ألف مسكن في الشمال السوري، وبتمويل قطري سيتم البدء به يوم الأربعاء المقبل”.

هل قابلة للتطبيق؟

ومن غير الواضح ما إذا كان التحالف الحاكم أو المعارض قادرين على تنفيذ الوعود الخاصة بإعادة اللاجئين، ولاسيما أن هذا الملف يوصف بـ”الصعب والشائك”.

ولا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا لا تزال بلدا غير آمن لعودة اللاجئين.

ومع ذلك، وبينما يشير خطاب المعارضة إلى “نبرة ترحيل قسرية” تؤكد الحكومة أن مشروعها سيكون “طوعا”، ويستهدف منطقة “آمنة” في شمال سوريا إلى جانب مناطق سيطرة النظام السوري.

ويعتقد الباحث السياسي التركي، مصطفى أوزجان، أنه “من الصعب تطبيق الوعود التي تطلق بشأن عودة السوريين”.

ويقول لموقع “الحرة”: “لا نعرف حتى الآن كيف ستجري الأمور في الساحة السورية بعد الانتخابات المقبلة. هل سيكون هناك تطبيعا أم لا؟ قد تطول هذه المدة الزمنية”.

وفي حين تسير أنقرة بمسار رباعي مع موسكو وطهران ودمشق ضمن عملية “بناء الحوار”، ولحل سلسلة قضايا من بينها اللاجئين، يواصل النظام السوري نفي فكرة اتجاه العلاقة نحو “التطبيع”.

ويصر النظام حتى الآن على بند يتعلق بـ”انسحاب القوات التركية من سوريا قبل الشروع بأي خطوة”، وهو ما يرفضه المسؤولون الأتراك، من منطلق “التهديد الإرهابي المتواصل على طول الحدود”.

ويضيف أوزجان: “ليس من السهل ترحيل أو عودة اللاجئين السوريين خلال سنة أو سنتين. ربما سيتم ذلك في حال استقرت الأمور”.

ويعتبر أنه “ما دام الأسد يتربع على كرسي الرئاسة فإن العودة ستكون صعبة، لاسيما أن السوريين في تركيا معارضين لتوجهات الأسد وهربوا من قواته خوفا على حياتهم”.

بدوره يوضح الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن عودة ملف اللاجئين إلى المشهد الداخلي في البلاد يتعلق بدخول أحزاب على الساحة، أبرزها “حزب النصر”.

وكان هذا الحزب، الذي يتزعمه أوزداغ، قد لعب على “الوتر الحساس” فيما يتعلق بملف اللاجئين، وبنى أجندة انتخابية كاملة تخص “إعادتهم”.

ويقول جوناي لموقع “الحرة” إن “نيل مرشح حزب النصر (أوغان) لأكثر من 5 في المئة في انتخابات الجولة الأولى يشير إلى أن ملف اللاجئين له شعبية، ويمكن أن يغير نتائج الانتخابات، لاسيما في الجولة الثانية”.

وبعد إعلان سنان أوغان دعمه للرئيس إردوغان في الجولة الثانية “رأت المعارضة أن سلوك ذات الطريق من الممكن أن يجذب أصواتا لصالح كليتشدار أوغلو”.

ويسود ترقب في الوقت الحالي بشأن البيان الذي سيعلنه أوزداغ بعد لقائه كليتشدار أوغلو، مساء الثلاثاء، وما إذا كان سيدعم الأخير في الجولة الثانية أم لا، خاصة مع وجود تباين داخل “تحالف الأمة” من هذه القضية.

وكانت بوادر التباين قد انعكست بعد إعلان استقالة 11 عضوا من حزب المستقبل الذي يتزعمه، أحمد داوود أوغلو، لعدة أسباب على رأسها الخطاب التحريضي الذي يطلقه كليتشدار أوغلو تجاه اللاجئين.

“محل نقاش متوقع”

ويعتقد الباحث السياسي جوناي أن “ملف اللاجئين سيبقى محل نقاش في العهد السياسي المقبل”، سواء فاز إردوغان أو كليتشدار أوغلو.

ويوضح الباحث أن “خطاب مكونات تحالف اليمين الذي يرأسه إردوغان يشير إلى أن الأخير سينتهج سياسة مختلفة مع اللاجئين قياسا بالسابق”.

ويتحالف إردوغان ضمن “تحالف الجمهور” مع حزب “الحركة القومية”، وبدعم سنان أوغان ازداد التوجه الذي يدعو إلى إعادة اللاجئين على نحو أكبر. 

في المقابل بات الخطاب الذي يطالب بإعادة اللاجئين يرتبط بمعظم الأحزاب المشكّلة لتحالف “الأمة” المعارض، وآخرها “حزب الشعب الجمهوري”. 

ويضيف جوناي أن “الحزب وزعيمه كليتشدار أوغلو، عندما رأى أن هذا التوجه يأتي بعائد تصويتي مفيد، بدأ بسلوك ذات المسار”.

وترى أحزاب المعارضة في ملف اللاجئين “هامشا للمناورة”، بحسب الباحث مصطفى أوزجان، و”تعتقد أنها قد تكسب بعض الأصوات منه”.

ومع ذلك لا يرى أوزجان أن استخدام الملف سيعود بالفائدة الكبيرة عليها بسبب وجود قضايا أخرى على جدول الأعمال مثل “الاقتصاد وعلاقة كليتشدار أوغلو بحزب الشعوب” المتهم بالارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني”.

من جهته يعتقد الباحث جوناي أنه “ستتم إعادة جزء من اللاجئين في كل الأحوال، مع وجود اختلاف في التعامل مع هذه القضية بين الحكومة والمعارضة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version