مقدمة الترجمة:

يتناول هذا المقال المترجم عن موقع فورين أفيرز الأبعاد العسكرية للتحالف الناشئ بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وهو محور يبدو أنه يثير الكثير من القلق في واشنطن.

وتجادل الكاتبة أوريانا سكايلر ماسترو، زميلة معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد، والباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن هذا التحالف يفقد الولايات المتحدة أفضليتها العسكرية للمرة الأولى منذ عقود، ولكن الأهم أن واشنطن لم تجد بعدُ صيغة فعالة للتعامل معه بسبب مرونة الارتباط بين أعضائه وقدرتهم على التصرف مجتمعين وبشكل مستقل على السواء.

يضم هذا التحالف، الذي تقوده الصين افتراضيا، ثلاث دول نووية، ودولة رابعة يعتقد أنها تقف على العتبة النووية، وهو ما يخلق معضلة للقوة الأميركية المصممة على التعامل مع صراع كبير واحد في آن واحد، ولم تنخرط في جهود لاحتواء أكثر من قوة نووية في الوقت نفسه.

لذلك تدعو سكايلر واشنطن إلى التعامل مع الدول الأربع كمحور موحد حقيقي يهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية، بدلا من تضييع وقتها في التعامل مع كل دولة على حدة، واستشكاف طبيعة العلاقة التي تجمع هذه الدول مع بعضها البعض.

نص الترجمة:

في مؤتمر صحفي مشترك عقد في يونيو/حزيران 2024، أبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، قلقهما إزاء تعزيز العلاقات بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا. ولا يعد الرجلان بدعا من السياسيين الأميركيين في ذلك الموقف، فقد أصبح الاتفاق غير الرسمي بين هذه الأنظمة الأربعة موضع اهتمام في واشنطن، ووصفه المسؤولون الديمقراطيون والجمهوريون على السواء بأنه “محور شر جديد”.

ويشير المحللون إلى أن هذه البلدان تنسق النشاط العسكري والدبلوماسي بينها، وتتبنى خطابا متشابها، ولديها مصالح مشتركة، ويبدو أنها تشترك في هدف واحد رئيسي هو إضعاف الولايات المتحدة.

يتمتع كل بلد من هذه البلدان بمفرده بقدرات هائلة، ولكن تظل الصين هي اللاعب المركزي في هذا التكتل، فهي تمتلك العدد الأكبر من السكان والاقتصاد الأكبر حجما، وهي التي تقدم أكبر قدر من المساعدات. وتعد بكين الحليف التجاري الرئيسي لكوريا الشمالية، كما ساعدت إيران في التعامل مع العقوبات الدولية، ووقعت اتفاقية “شراكة إستراتيجية شاملة” معها عام 2021.

وبشكل لا يقل أهمية، قدمت الصين لروسيا أكثر من 9 مليارات دولار من السلع ذات الاستخدام المزدوج -السلع ذات التطبيقات التجارية والعسكرية- منذ غزو الأخيرة لأوكرانيا. وقد حال هذا الدعم دون انهيار الاقتصاد الروسي، رغم العقوبات الغربية الهادفة إلى شل قدرات موسكو الحربية (تشكل البضائع الصينية حاليا 38% من الواردات الروسية).

ولكن الصين لا تريد أن يُنظر إليها باعتبارها زعيما لهذا التكتل، بل لا تريد حتى أن يُنظر إليها كعضو فيه من الأساس. ففي أبريل/نيسان 2023، زعم رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، أن “العلاقات الصينية الروسية تلتزم بمبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وتجنب استهداف طرف ثالث”. وقبلها في عام 2016، أكد فو ينغ، نائبُ وزير الخارجية الصيني أن بكين “ليس لديها أي مصلحة” في تشكيل “كتلة معادية للولايات المتحدة أو معادية للغرب من أي نوع”. وبناءً على ذلك، امتنعت الحكومة الصينية حتى حينه عن توقيع معاهدات دفاعية مع إيران وروسيا، حتى إنها عملت أحيانا ضد مصالح إيران وكوريا الشمالية وروسيا في الصراعات الدولية.

الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية

هناك سبب واضح وراء هذا الغموض، فالصين تريد أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في العالم، ورغم أن الشراكة مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا تساعد بكين في هذا الجهد، فإن الثلاثي يمكن أن يقوض أهدافها أيضا. فمن ناحية، تساعد الدول الثلاث في إضعاف واشنطن من خلال جذب مواردها وتشتيت انتباهها عن بكين، لكنها من ناحية أخرى تثير عداوات شديدة مع جيران أقوياء لا تريد الصين تنفيرهم مثل ألمانيا واليابان والمملكة العربية السعودية. ونتيجة لهذا، يتعين على المسؤولين الصينيين أن يسيروا على خط رفيع بين توثيق علاقتهم مع هذا المحور بما يكفي للسيطرة عليه وتوجيهه، دون الوصول إلى الحد الذين يتحملون فيه المسؤولية عن سلوكياته.

المؤسف أن الولايات المتحدة تسمح للصين بالحصول على أفضل ما في الأمرين. لقد ركزت واشنطن تركيزا زائدا على استكشاف ما إذا كانت هذه البلدان ستشكل تحالفا دفاعيا تقليديا، وذلك بغية فهم النهج الريادي الحالي الذي تنتهجه بكين في التعامل مع شراكاتها ومدى نجاح هذا النهج.

لكنْ في ظل الترتيب الحالي، تتسبب إيران وكوريا الشمالية وروسيا في إحداث المتاعب للغرب. ولأن أيا من هذه الدول ليس حليفا رسميا للصين، فلا يمكن محاسبة بكين على أفعالها. الأخطر أن هذا المحور يقسم التحالف الأميركي، حيث يرفض العديد من أصدقاء الولايات المتحدة، المنشغلين بمثيري المشكلات في مناطقهم، الانضمام إلى واشنطن في منافستها ضد بكين.

هذا النهج الصيني سيكون فعالا في حالة نشوب حرب، فإذا اضطرت بكين وواشنطن إلى المواجهة، فإن المحور أصبح الآن قويا بما يكفي ومنسقا في الشؤون العسكرية بحيث يمكنه خوض قتال مشترك وهزيمة الولايات المتحدة. ولأن دول المحور ليست كتلة متناسقة بإحكام، فقد تشن بسهولة صراعات منفصلة تؤدي إلى تقسيم الموارد الأميركية، وتشتيت انتباه حلفاء الولايات المتحدة، وبالتالي مساعدة الصين على الانتصار.

لذا يتعين على واشنطن أن تغير مسارها، فبدلاً من محاولة تخمين مدى قرب هذه البلدان من بعضها البعض أو العمل على تمزيقها، يتعين على الحكومة الأميركية أن تبدأ في التعامل معها باعتبارها كتلة واحدة، وتشجيع حلفائها في مختلف أنحاء العالم على القيام بالمثل. ويتعين عليها أيضا أن تتعامل مع الصين باعتبارها قائد هذا المحور، سواء أكان هذا هو الواقع فعليا أم لا.

 

قدم في الداخل وأخرى في الخارج

بحلول عام 1950، ومع اندلاع الحرب الباردة، أبرم الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي السوفياتي معاهدة صداقة وتحالف ومساعدة متبادلة لمدة 30 عاما. هذه المعاهدة التي أُبرمت في أعقاب انتصار الشيوعيين على القوميين في الحرب الأهلية الصينية، تم تأطيرها من قبل الطرفين على أنها التقاء طبيعي بين دولتين اشتراكيتين ثوريتين.

وعلى هذا النحو، دعت المعاهدة بكين وموسكو إلى الدفاع عن بعضهما البعض والتشاور “بشأن جميع القضايا الدولية المهمة التي تؤثر على المصالح المشتركة للاتحاد السوفياتي والصين”.

ولكن على صعيد الممارسة العملية، سرعان ما أصبحت العلاقات بين البلدين أكثر تعقيدا، فقد تعاونت الدولتان في كثير من الأحيان، وكان أبرز ميادين تعاونهما دعمَ مؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ في حربه ضد جارته الجنوبية. لكن البلدين اختلفا حول الأحقِّ بقيادة الكتلة الشيوعية، وقد تجلى ذلك في تنافسهما على تسليح فيتنام الشمالية، ومقاومة الصين للجهود السوفياتية الرامية إلى إحداث انفراجة مع الولايات المتحدة.

واليوم أصبحت علاقة الصين مع خصوم أميركا تدور تحت شعار “قدم في الداخل وأخرى في الخارج”. من ناحية أخرى، هناك الكثير من التعاون، على شاكلة قيام بكين في عام 2021 بتجديد معاهدة الدفاع المشترك بينها وبين كوريا الشمالية، وشرائها نحو 90% من النفط الإيراني عام 2023.

يشكل التعاون بين كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية خطرا على هيمنة أميركا عالميا (الجزيرة)

وفي غضون ذلك تجري الصين وإيران وروسيا مناورات بحرية مشتركة منتظمة في خليج عمان. وفي عام 2018، وافقت الصين على الانضمام إلى روسيا في مناورة عسكرية وطنية تدرب فيها الجيشان، من بين أمور أخرى، على كيفية التعامل مع حرب محتملة في شبه الجزيرة الكورية.

ولكن على الجانب الآخر، لم تؤيد الصين غزو أوكرانيا ولم تقدم لروسيا مساعدة عسكرية مباشرة في هذا الصدد، بل إن الخارجية الصينية اعتبرت أن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في يونيو/حزيران الماضي وتوقيعهما على معاهدة تتضمن دعم بعضهما البعض عسكريًا إذا تعرض أيٌّ منهما للهجوم، مسألةٌ ثنائية بين موسكو وبيونغ يانغ.

وعندما اشتبكت الإمارات العربية المتحدة مع إيران حول مناطق السيادة البحرية، أصدرت بكين بيانًا مشتركًا مع الإمارات أعلنت فيها دعمها “لحل سلمي”. وفي يناير/كانون الثاني 2024، طلب المسؤولون الصينيون من نظرائهم الإيرانيين الحد من هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، في إشارة إلى أن استمرار الهجمات يعرض علاقاتهما الاقتصادية للخطر.

خلال الحرب الباردة، دفعت الصين ثمنًا لإرسال رسائل مختلطة إلى حليفها السوفياتي، وبمرور الوقت، ابتعدت موسكو عن بكين، مما أدى في النهاية إلى ما يسميه المحللون الانقسام الصيني السوفياتي. ولكنْ في هذه المرة، تستفيد بكين بشكل أمثل من موقفها “المزدوج”، حيث تحصل على الغاز الطبيعي من روسيا بخصم 44% مقارنة بما تدفعه أوروبا. ولم توقع إيران على خطاب يدين الصين بسبب عنفها ضد الإيغور في شينغيانغ، وعرضت على بكين الدعم السياسي لسيطرتها على هونغ كونغ ومطالباتها بجزيرة تايوان.

في الوقت نفسه، تمكنت بكين من الحفاظ على علاقات جيدة مع معظم حلفاء الولايات المتحدة. مثلا، لا تدعم كوريا الجنوبية، ولا اليابان إلى حد بعيد، جهود الردع الأميركية ضد الصين بشكل كامل، حيث تظل بكين الشريك التجاري الأكبر لكلا البلدين. وحتى الاتحاد الأوروبي لا يزال يشعر بالراحة في تداول أكثر من 800 مليار دولار من البضائع مع الصين في عام 2023، بنسبة 15% من إجمالي تجارته. وخلال زيارته للصين في عام 2023، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده لن تتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى في الأزمات التي لا تهمها، في إشارة إلى تايوان، بينما أكد المستشار الألماني أولاف شولتز في مناسبات عديدة أن برلين ليست جزءًا من كتلة جيوسياسية ولن تنضم إلى واحدة. وبالمثل، لم تُعرّض شراكة الصين مع إيران علاقاتِها مع دول الخليج أو إسرائيل للخطر.

نظام الفوضى

في البداية، قد يبدو الأمر وكأن النهج المختلط الذي تنتهجه الصين تجاه إيران وكوريا الشمالية وروسيا مقبول لدى الولايات المتحدة. ففي ظل الوضع الراهن، لا تقدم الصين لروسيا مساعدات عسكرية صريحة لمهاجمة أوكرانيا، وتستمر في دعم الحلول الدبلوماسية لوقف البرنامج النووي الإيراني، وفي الوقت نفسه، قد تعمل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبكين على تعديل سلوك طهران على المدى البعيد.

ظاهريا، يُعد الوضع الراهن أفضل من السيناريو الذي تقدم فيه بكين الدعم الكامل لهذه البلدان. ​​ولكن لا ينبغي للمسؤولين الأميركيين أن يطمئنوا إلى هذا الوضع، بالنظر إلى حقيقة أن التباعد بين الصين وشركائها أو تقاربها مع الغرب لم يضع قيودا حقيقية على بكين. ربما تلوّح الصين بإصبعها أحيانا في وجه إيران أو تنتقد روسيا بهدوء، ولكن عندما يحين الوقت، فإنها تقدم قدراً هائلاً من المساعدة لهذه الدول. على سبيل المثال، دعمت بكين حملة تضليل في عام 2022 زعمت فيها أن المختبرات البيولوجية الأوكرانية الممولة من الولايات المتحدة كانت تصنع أسلحة بيولوجية، وهو ما قدم مبررا لغزو أوكرانيا. كما تعمل الصين وشركاؤها معا لتحدي لغة حقوق الإنسان التقليدية التي تستخدمها المؤسسات الدولية، بحجة أن مفاهيم مثل الحريات المدنية وسيادة القانون هي مفاهيم غربية حصرا.

لكنّ دعم بكين لهذه الدول يتجلى -أكثر ما يتجلى- في مسائل الأمن والدفاع، حيث زودتها بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة، كما شاركت الصين المعلومات الاستخباراتية مع روسيا، بما يشمل شبكتها الواسعة من الأقمار الصناعية، مما ساعد جهود موسكو العسكرية. وفي المقابل، تزود موسكو بكين بمليارات الدولارات من الأسلحة سنويا، الأمر الذي أثمر تحسنا في قدرة الصين على استهداف الطائرات والقواعد والسفن الأميركية. كما قدمت موسكو لبكين التقنيات التي يمكن استخدامها لتطوير أو تعزيز إنتاجها المحلي من الأسلحة.

كنتيجة جزئية لهذا التعاون، فقدت الولايات المتحدة أفضليتها العسكرية للمرة الأولى منذ عقود، فالصين وحدها لديها جنود نشطون أكثر من واشنطن، كما تمتلك بكين وموسكو معا سفنا حربية ودبابات أكثر منها. ونظرا لمدى استعداد البلدين للتعاون، فهناك فرصة جيدة لأن تتغلبا على القوات الأميركية إذا قاتلتا معا في مسرح عسكري واحد، كأن تساعد الصين وروسيا كوريا الشمالية في حرب ضد جارتها الجنوبية، أو تساعد روسيا الصين في شن هجوم على تايوان.

أكثر من ذلك، ربما يكون “التحالف الرباعي” قادرا على إحداث حالة من الفوضى عبر القتال بشكل منفصل (على مسارح متعددة) في وقت واحد. وسوف تعاني الولايات المتحدة لتحقيق النصر في حرب متزامنة على جبهتين، حيث صُمم جيشها لخوض حرب واحدة مع ردع نشوب الصراعات الإقليمية الأصغر. وهذا يعني أنه إذا كانت الحروب مستعرة في أوروبا، والشرق الأوسط، وفي شبه الجزيرة الكورية، وتايوان، فسوف تضطر الولايات المتحدة إلى ترك كل مسارح الحرب، باستثناء مسرح واحد، من أجل الدفاع عن وضعها، على الأقل في البداية.

صحيح أن العديد من حلفاء الولايات المتحدة يمتلكون جيوشا قادرة على محاربة أعضاء “المحور الصيني”، لكن في ظل انشغالهم جميعا بمواجهة “شياطينهم” الإقليمية فإنهم سيترددون في مساعدة الدول الأخرى في صراعاتها. وفي حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات، فسيرغب هؤلاء الحلفاء في الاحتفاظ بقواتهم في الداخل للدفاع عن النفس، ويعني هذا أن واشنطن لن يكون بمقدورها الاعتماد على حلفائها لمساعدة القوات الأميركية حين تحتاج إلى ذلك.

على سبيل المثال، إذا ركزت الولايات المتحدة على الدفاع عن تايوان بينما كانت كوريا الشمالية تحاول الاستيلاء على كوريا الجنوبية، فإن سول وطوكيو لن ترغبا في تقديم الدعم لواشنطن. والواقع أن المخاوف بشأن كوريا الشمالية جعلت الجارة الجنوبية تتردد فعليا بشأن السماح للقوات الأميركية المتمركزة داخل حدودها باتخاذ أي إجراءات خارج شبه الجزيرة الكورية. ومن المؤكد أن أوروبا، التي تحاول حماية علاقاتها التجارية، ستظل بعيدة عن مثل هذا الصراع.

مقاتلات J-15 من حاملة الطائرات الصينية لياونينغ تجري مناورة في منطقة بحر جنوب الصين. (رويترز)

وبالمثل سوف تعاني الصين لمساعدة شركائها في معاركهم الخاصة إذا اضطروا إلى مواجهة الولايات المتحدة، ودليلها في ذلك درس تاريخي قاسٍ. فخلال الحرب الأهلية الصينية، خسر الشيوعيون تايوان جزئيا لأنهم اختاروا مساعدة كوريا الشمالية، الأمر الذي أعطى الرئيس الأميركي هاري ترومان، الوقت لإرسال الأسطول السابع إلى مضيق تايوان، ولن يرغب الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ في تكرار هذا الخطأ.

ومع ذلك، سيكون كل واحد من أعضاء المحور الصيني قادرا بمفرده على خلق أزمات تستهلك موارد واشنطن وحلفائها، دون إطلاق صراعات محفوفة بالمخاطر وكاملة النطاق. والأهم أن جميعهم يمتلكون القدرة على منح بكين ميزة نوعية دون الانضمام إلى حربها الخاصة. مثلا، يمكن لروسيا أن تساعد الصين على تحمل حصار الطاقة من خلال إرسال النفط والغاز عبر البر، وذلك عبر خط أنابيب “سيبيريا – المحيط الهادي” الذي يرسل النفط الروسي إلى الأسواق الآسيوية، والقادر على تصدير 35 مليون طن سنويا إلى الصين، ومن المقرر أن ترتفع طاقته إلى 38 مليونا في عام 2025. كما يمكن لموسكو المساهمة برأس مالها وعمالتها لمساعدة الصين في التصنيع، وتمتلك الدولتان بالفعل أنظمة تصنيع مشتركة تشمل صناعة الأسلحة.

وإذا ما اختارت موسكو أن تصبح أكثر انخراطا في حرب بين الولايات المتحدة والصين، فسيخلق ذلك صداعا أكبر لواشنطن. على سبيل المثال، يمكن للطائرات المقاتلة الروسية أن تجري دوريات جوية دفاعية مشتركة مع القوات الصينية، كما فعلت في الماضي، بما قد يجعل الولايات المتحدة تحجم عن ضرب الأهداف الصينية، للحيلولة دون الدخول في صراع مباشر مع روسيا. وبغض النظر عن درجة تورط روسيا، فإن شراكتها مع الصين تضيف ديناميكية جديدة مرعبة إلى الحسابات الأميركية.

ففي الماضي، لم تضطر الولايات المتحدة قط إلى التعامل مع أكثر من منافس نووي في وقت واحد، لكن عليها الآن أن تتعامل مع موسكو وبكين معا. ومن المؤسف بالنسبة لواشنطن (والعالم)، أن محاولات منع الصراع مع إحدى هاتين القوتين من شأنها أن تقوض الردع ضد الأخرى. حدث ذلك سابقا حين وقعت الولايات المتحدة معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى مع الاتحاد السوفياتي في عام 1987 بهدف تحييد صواريخه النووية المنطلقة من الأرض. لقد نجحت المعاهدة بالفعل في خفض التوترات بين البلدين، لكنها في المقابل تركت الصين بلا قيود، مما ساعدها على اكتساب ميزة كبيرة في مجال الصواريخ الباليستية متوسطة المدى. ويمكن أن تمنح المفاوضات المستقبلية بين أي دولتين من الدول الثلاث؛ الدولةَ الثالثة حافزا جديدا لتوسيع الانتشار النووي.

في سلة واحدة

في ضوء ذلك، اقترح بعض الإستراتيجيين الأميركيين أن على الولايات المتحدة أن تسعى لتقسيم هذا المحور للتعامل معه، وهو نهج وجد آذانا صاغية لدى المسؤولين الأميركيين. ففي مارس/آذار 2023، على سبيل المثال، سعى بلينكن إلى دق إسفين بين بكين وموسكو، مصرحا بأن روسيا “هي الشريك الأصغر” في العلاقة مع الصين. وتعود جذور هذه السياسة إلى الحرب الباردة عندما عملت واشنطن على تقسيم المحور الصيني السوفياتي، ومع تزايد التباعد بين بكين وموسكو، أنشأ الدبلوماسيون الأميركيون قنوات اتصال مع نظرائهم الصينيين، مما أدى إلى إجراء الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون زيارة إلى الصين في عام 1972 أثمرت إقامة علاقات رسمية بين واشنطن وبكين بعد 7 سنوات، وفي نهاية المطاف تعاون البلدان معا في التجسس على السوفيات.

لكن في عالم اليوم، من المرجح أن تكون مثل هذه الجهود غير مجدية، فالتحالف الحالي (مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية) يوفر للصين الدعم السياسي، وإمدادات الطاقة، والتكنولوجيا التي لا تستطيع الحصول عليها من الغرب. والواقع أن محاولة إقناع أي من هذه البلدان بأن حلفاءها الحاليين يشكلون تهديدا أكبر من الولايات المتحدة؛ غيرُ فعّالة بقدر ما هي حمقاء. وبدلا من محاولة تقسيم هذه الكتلة، يتعين على واشنطن أن تفعل العكس: أن تُعامل أعضاءها على أنهم مترابطون تماماً، بما يعني أن “السلوك السيئ” من أحد أعضائها يؤدي إلى فرض عقوبات على الجميع.

 

وبدلاً من فرض عقوبات حصرية على الشركات الصينية التي تدعم المجهود الحربي الروسي، على واشنطن أن تعامل الدولة الصينية ككيان داعم للروس وتفرض قيودا اقتصادية ضدها، وتخبرها أن تلك القيود ستظل قائمة إلى أن تأتي روسيا إلى طاولة المفاوضات، وسوف تصرخ بكين بأنها لا تملك أي نفوذ على موسكو، وربما يكون هذا هو الحال بالفعل، ولكن مع تحملها المسؤولية، ستعمل بجدية أكبر لاكتساب النفوذ الذي تحتاجه للضغط على روسيا بنجاح.

إن وضع الصين وحلفائها في سلة واحدة يساعد واشنطن أيضاً على توحيد تحالفها الخاص. ربما لا تدرك أوروبا بشكل كامل التهديد الذي تشكله بكين للنظام الدولي، لكنها بالتأكيد تفهم المخاطر التي تشكلها موسكو. ومع ذلك، لم تبذل الولايات المتحدة ما يكفي من الجهد لإقناع الدول الأوروبية بالسبب الكامن وراء ارتباط الصين وروسيا على نطاق واسع، بل أكدت بدلاً من ذلك على الروابط المحدودة التي تربط بكين بالغزو الروسي لأوكرانيا. وإذا ما نجحت واشنطن في توضيح منظورها للعلاقة الأوسع، فسيكون الأوروبيون أكثر ميلا إلى أخذ التحدي الأمني ​​الذي تشكله بكين على محمل الجد، وأكثر استباقية في محاولة تشكيل سلوكها.

ومع ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تتجنب النهج الأيديولوجي، وأن تبتعد عن تأطير المنافسة الحالية بوصفها مواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، فحتى الشركاء الديمقراطيون في العالم النامي مثل البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، لن تعجبهم هذه الصيغة. والحقيقة، أن الفضل في نجاح الصين في بناء شبكتها الواسعة من الأصدقاء يعود إلى تجنبها الصدام مع الأنظمة، والتركيز بدلا من ذلك على التنمية. وفي خطاباته الموجهة للمستمعين الأجانب، يحب الرئيس شي جين بينغ أن يبرز احترام بكين “لسيادة الدولة”، والتزامها “بعدم التدخل”، ورغبتها في رؤية الدول الفقيرة تنمو وتزدهر.

ويبدو أن العالم النامي يستمع إلى صوت الزعيم الصيني، ففي صيف عام 2024، عندما التقى الرئيس شي مع خوسيه راموس هورتا، رئيس تيمور الشرقية -وهي دولة صغيرة فقيرة ولكنها ديمقراطية- أعلن راموس هورتا أنه لا يهتم بالتنافس بين القوى العظمى أو ماهية حلفاء بلاده، وقال إنه إذا كانت الصين قادرة على تخفيف الفقر وسوء التغذية في تيمور الشرقية، “فإن بكين ستكون البطل بالنسبة له”.

يجب على واشنطن أن تتعلم من كتاب بكين، فإذا كانت تريد أن تكون زعيمة العالم بأسره، وليس فقط العالم الحر، فستحتاج إلى كسب الدعم من الجميع، بما يشمل الدول غير الديمقراطية (وفقًا لمنظمة فريدوم هاوس، يعيش 80% من سكان العالم في دول غير حرة أو حرة جزئيًا فقط). ويعني ذلك أن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر مرونة، وأن تصمم عروضها ورسائلها لمعالجة ما يهتم به كل بلد على حدة. هذه العملية لا تشمل فقط تقديم المساعدات، ولكن أيضا المساهمة في الأنواع الصحيحة من المشروعات، مثل تلك المتعلقة بالرعاية الصحية والتعليم العالي والأمن السيبراني، كما تنطوي أيضا على المزيد من المشاركة الدبلوماسية والتعاون العسكري والعلاقات الثنائية بين الشعوب.

صحيح أن الولايات المتحدة وحلفاءها ربما يدفعون الصين إلى إقامة علاقات أقوى مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا من خلال فرض المزيد من الضغوط عليها، لكن بكين تستفيد فعليا بشكل كبير من هذه العلاقات، وبالتالي ليس أمام واشنطن خيار سوى اتخاذ موقف أكثر صرامة. والحقيقة أن أي شيء تفعله الولايات المتحدة لفرض تكاليف على الصين فسوف يزعجها، والطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي منحها ما تريده، وهو السيطرة الإقليمية على تايوان، والسيادة في بحر الصين الجنوبي، والهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية في آسيا. ولا يمكن لواشنطن أن تتراجع عن تكبيد الصين ثمن مساعدة الفاعلين السيئين، وخاصة عندما يمنحها هذا التراجع القدرة على الادعاء أنها بعيدة عن الصراع.

_______

هذه المادة مترجمة عن موقع فورين أفيرز ولا تعبر بالضرورة عن موقف الجزيرة نت

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version