غزة- خلال رحلة نزوحها إلى جنوب قطاع غزة، باعت صفاء حبيب بعض حليّها لشراء خيمة تؤوي عائلتها المكونة من 6 أفراد، ولدى عودتها مشيا على الأقدام برفقة أسرتها إلى شماله، وجدت نفسها مجددا بدون مأوى، دون أن تمتلك شيئا لتبيعه هذه المرة لشراء خيمة جديدة.

لكن بعض “أهل الخير” تبرعوا لأسرتها بخيمة، أقامتها قرب منزلها المدمر بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، لتبدأ فصلا جديدا من المعاناة.

ولم تستطع العائلة أن تحمل متاعها الذي جمعته خلال رحلة النزوح، والذي يشمل الخيمة والفراش والملابس، وبعض الأثاث، نظرا لإجبار إسرائيل غالبية النازحين على العودة مشيا على الأقدام لمسافة تصل إلى 14 كيلومترا.

ومنذ 27 يناير/كانون الثاني الماضي، شرع عشرات الآلاف من النازحين بالعودة إلى مناطقهم التي هُجّروا منها، حسب ما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

شريط من الأحزان

تحتفظ ذاكرة صفاء حبيب بالكثير من القصص المؤلمة لرحلة النزوح الأولى، ولا تبدو متفائلة بانتهاء معاناتها عقب عودتها لمسقط رأسها بشمال القطاع.

ونظرا لقرب منزلها من الشريط الحدودي مع الاحتلال شرقي مدينة غزة، نزحت حبيب منذ الأيام الأولى للحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاركة أغراضها وأثاثها، قبل أن يدمر الاحتلال المنزل بالكامل.

وخلال الحرب أصيب زوجها في رقبته، وقررت الأسرة النزوح إلى جنوب القطاع هربا من جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية.

وبسبب الظروف الصعبة التي عاشها النازحون، وسياسة التجويع الإسرائيلية، أصيب أبناء حبيب بسوء التغذية، ففطمت طفلتها الرضيعة مبكرا، ونزل وزن ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات إلى 15 كيلوغراما فقط، وهي علامة خطرة.

وفي فترة النزوح، جنوبي القطاع، بنت حبيب حياة جديدة، بعد أن اشترت الخيمة، وعاشت حياة بدائية تعتمد على إشعال النار، وعلى طعام المساعدات.

وكانت أسرة حبيب ممن قرروا العودة مبكرا إلى شمال القطاع عقب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وتحديد موعد عودة النازحين، وإن كان ذلك قد كلفهم فقدان خيمتهم ومتاعهم، نظرا لعودتهم مشيا على الأقدام في رحلة قاسية اضطرت فيها للنوم في الشارع، ومقاساة الجوع والعطش والبرد.

فقدت أسرة القصاص أثاثها ومتاعها في جنوب القطاع بعد أن أجبرتهم إسرائيل على العودة مشيا (الجزيرة)

ذاهبون إلى المجهول

وبعد أن وصلت العائلة إلى حيّها “الشجاعية”، اصطدمت بالواقع الجديد، الذي لا يقل صعوبة عن الحال الذي عانته في بداية الحرب، حيث لا يوجد منزل أو متاع.

وترى حبيب أنها محظوظة لأنها وجدت من يتبرع لها بخيمة. وبدأ زوجها في تسوية الأرض تمهيدا لنصب الخيمة، والتي ستكون “شبه فارغة من الفراش والأثاث”.

وفي انتظار إقامة خيمتها كي تأوي إليها مع أطفالها، تختم حبيب حديثها قائلة “من خيمة إلى خيمة.. نحن ذاهبون إلى المجهول”.

خيمة علي القصاص (يمين) مجاورة للمقبرة ويقول إنه كان يقيم داخل مقبرة أيضا في جنوب القطاع
خيمة علي القصاص مجاورة للمقبرة ويقول إنه كان يقيم داخل مقبرة أيضا في جنوب القطاع (الجزيرة)

من المقبرة إلى المقبرة

وفي حي الشجاعية أيضا، فرّ المُسن علي القصاص بأسرته البالغ عددها 25 شخصا، وتضم أبناءه وأحفاده، هربا من جرائم الاحتلال إلى جنوب القطاع، في بداية الحرب.

وهناك عانت الأسرة الأمرين، حيث سكنت في مقبرة، وأقامت خياما مهترئة، لا تقي الحر ولا تحمي من البرد، وسط ظروف معيشية قاسية بسبب الفقر وقلة الطعام والماء.

وكانت رحلة عودة الأسرة، صعبة للغاية، حتى إن الأب علي القصاص، قد أغمي عليه في الطريق بسبب الإرهاق الشديد، وجرى نقله للمستشفى.

فرِح القصاص لوصوله لغزة، كما يقول. لكن الأوضاع الصعبة التي تعاني منها المدينة نغصت عليه سروره، فقد وجد منزله مدمرا.

لجأت الأسرة إلى مراكز إيواء صغيرة، يبدو أنها أُقيمت على عجل في بعض الأحياء، لكنها أبت أن تستقبلها كون جميع الخيام الفارغة محدودة العدد و”محجوزة” لعائلات أخرى سبقتها بتسجيل أسمائها.

ويضيف “أخذت أبكي، ثم بعنا بعض الأشياء من نسائنا واشتريت خيمة، ووضعناها هنا قرب المقبرة، في الجنوب كنا في مقبرة وهنا في مقبرة”.

فرحة رغم الألم

ولا تتوقف مأساة الأسرة على السكن فقط، فالعائلة بلا مال لتشتري الطعام والماء، والذي اعتادت الحصول عليه بسهولة نسبية في أواخر عهدها بالنزوح في الجنوب. وتابع “اليوم الصبح ذهبت لأسجل للحصول على الطعام والمساعدات، ولم أجد”.

وتلتقط زوجته غادة القصاص طرف الحديث لتكشف جانبا آخر من المعاناة، حيث تقول إن ابنتها وضعت طفلا قبل 3 أيام، وتقيم معهم في الخيمة ذاتها، كما أن زوج إحدى بناتها “شهيد” والآخر “جريح”.

وتشير إلى أحد أبنائها وتقول “هذا جاء (من الجنوب) بدون خيمة وبدون أي أغراض لأنه لم يستطع أن يحملها، يسكن معي، نحن 25 شخصا، لا نعرف أين نذهب”.

ورغم المعاناة الشديدة، فثمة فرحة للأسرة بالعودة إلى مسقط رأسها، حيث تقول الزوجة القصاص إنها قبّلت الأرض لدى عودتها لحي الشجاعية.

لكنها تأمل أن تتحسن الظروف، وأن تصل للعائدين المساعدات التي تمنع إسرائيل إدخالها حتى الآن، كالبيوت المتنقلة، لعلها تنسيهم قليلا ما فعلت بهم الخيام.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version