سلط تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، الخميس، الضوء على الارتفاع الهائل في أسعار العقارات بالعاصمة العراقية بغداد وارتباطه بعمليات فساد يقول مراقبون وخبراء إنها مرتبطة بسياسيين عراقيين.

تقول الصحيفة إن “الطفرة العقارية التي تشهدها بغداد أدت إلى تغيير وجه العاصمة، حيث يقوم عمال البناء بهدم المنازل القديمة واستغلال المساحات الخضراء لبناء وحدات سكنية أصغر تباع بمبالغ فلكية في مؤشر على تنامي الفساد في البلاد.

وتضيف الصحيفة أن سعر المتر المربع الواحد لمنزل في منطقة لا تتوفر فيها خدمات مياه أو كهرباء حكومية في جانب الكرخ يمكن أن يصل لـ2300 دولار على الأقل. وفي ضاحية المنصور الراقية مثلا، يمكن أن تصل المعدلات إلى ستة أضعاف هذا الرقم.

تشير الصحيفة إلى أن السياسيين العراقيين يرون في هذا علامة على ازدهار العاصمة، مضيفة لكنه في الوقت ذاته يعد أحد أعراض الفساد المتجذر في هذا البلد.

كذلك يعد هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار علامة على اتساع الهوة وعدم المساواة حيث الغالبية العظمى من العراقيين لا يستطيعون دخول هذه السوق وأصبح حلمهم في امتلاك منزل في هذه المدينة العريقة بعيد كل البعد.

تنقل الصحيفة عن سمسار العقارات في منطقة زيونة الراقية رعد الشمري القول إن من يمتلك مليون دولار بالكاد يمكنه شراء منزل هنا.. لم يعد الأمر متاحا للناس العاديين”.

“أكياس بلاستيكية”

تشير الصحيفة إلى أنه وفي واحد من أكثر البلدان فسادا في العالم، أصبحت العقارات نقطة جذب للأموال القذرة، حيث تغمر أسعار النفط المرتفعة الأسواق العراقية بالنقد، وتحد اللوائح التي فرضتها الولايات المتحدة من تحويل الثروة غير المشروعة إلى الخارج.

يقول المراقبون إن الأموال تصل في حقائب وأكياس بلاستيكية وفي كثير من الحالات، يتم تسجيل العقارات بأسماء الأقارب أو الشركاء، مما يحمي المالكين الحقيقيين من عمليات التدقيق.

تنقل الصحيفة عن المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي القول: “عندما يكون من الصعب على الناس إرسال أموالهم إلى خارج البلاد، فإنهم يضعونها في ممتلكات هنا”.

ويقول أحد الوسطاء، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، إن السياسيين كانوا من بين أفضل زبائنه وكانوا يقررون الشراء من دون تردد وعلى الفور عندما تتوفر أي فرصة.

لم تكن العملية وليدة اليوم أو الأشهر القليلة الماضية، بل جرت على مدى سنوات حتى وصلت الأسعار إلى ما هي عليه الآن من ارتفاع هائل في أسعار العقارات.

“ارتفاع جنوني”

يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني لموقع “الحرة” إن هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار بدأ أواخر عام 2018 عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات سياسية عراقية وتم حجز أموالهم بالخارج”.

ويضيف المشهداني أنه “قبل هذا التاريخ كانت العقارات تباع بالدينار العراقي، فعلى سبيل المثال في حي الجامعة الراقي في الكرخ ببغداد كان سعر المتر مليون وأربعمائة ألف دينار تقريبا (1100 دولار أميركي)”.

“مباشرة بعد القرار ارتفعت الأسعار بشكل كبير وتحولت من الدينار إلى الدولار، ففي نفس المنطقة مثلا أصبح سعر المتر يتراوح بين 1700-1800 دولار، وبعدها بدأت بالتصاعد المستمر لغاية اليوم حتى وصلت لـ2400 دولار” وفقا للمشهداني.

“في نفس المنطقة بالنسبة للأماكن التجارية، كان المتر يباع بـ 2500 إلى 2800 دولار، لكنه اليوم يتجاوز الـ 10000 دولار”.

يشير المشهداني إلى أنه “عندما بحثنا وجدنا أن معظم السياسيين الذين كانوا يهربون أموالهم للخارج اتجهوا للاستثمار في سوق العقارات الداخلي”.

ويتابع: “كل منطقة معروف من يشتري فيها العقارات، المناطق السنية يشتري فيها نواب من السنة والمناطق الشيعية النواب من الشيعة، وطبعا ممكن أن تكون بأسمائهم الشخصية أو بأسماء أقاربهم”.

في منطقة الكرادة، وصل سعر المتر المربع الواحد للمناطق السكنية إلى أكثر من خمسة آلاف دولار، وفقا لتقرير صحيفة واشنطن بوست.

ويقول المشهداني إن “بعض المناطق السكنية تحولت اليوم إلى تجارية كالمنصور واليرموك، حيث يصل سعر المتر المربع الواحد فيها إلى 15 ألف دولار”.

في الوقت الذي كان يجري مراسلو صحيفة “واشنطن بوست” مقابلة مع سمسار في منطقة اليرموك، تشير الصحيفة إلى أن سيارة رباعية الدفع توقفت أمام المكتب ونزلت منها نائبة في البرلمان مع اثنين من حراسها.

لم تكشف الصحيفة عن اسم النائبة، لكنها ذكرت أن السمسار أخذهم مباشرة إلى غرفة خلفية وأغلق الباب.

وتضيف الصحيفة أنه بمجرد إتمام الصفقة، يمكن نقل سندات الملكية إلى البنوك وإيداعها كضمان للحصول على قروض بثلاثة إلى خمسة أضعاف من قيمة العقار، والتي يتم تحويلها بعد ذلك إلى عمليات استحواذ جديدة.

مع ارتفاع معدلات النمو السكاني في العراق، دفع نقص المياه سكان الريف إلى الهجرة للمدن، وأصبحت البلاد بحاجة ماسة إلى المزيد من المنازل.

وفي عام 2021، قدرت وزارة التخطيط أن البلاد بحاجة إلى 2.5 مليون وحدة إضافية على الأقل.

يؤكد المشهداني أن المدينة تشوهت، في السابق كانت هناك مشكلة هجرة الريف إلى المدينة، اليوم المشكلة في أن البيت الواحد بمساحة 400 متر مثلا انقسم الى أربع وحدات سكنية أو أكثر”.

“بالتالي أصبح هناك عبء كبير على الخدمات الأساسية وحتى بات من الصعوبة الحصول على مكان لركن سيارتك أمام منزلك”.

تسبب هذا في تشويه العاصمة وضياع ملامحها التي أعتدنا عليها، حتى بدأنا نعد أشجار النخيل المتبقية”، وفقا للمشهداني.

ويؤكد المشهداني أن “الحكومة العراقية أعلنت عن خطط لبناء مدن عصرية على غرار ما يجري في مصر، وهذا أمر إيجابي”.

ويضيف: “لكن هناك نقطة سلبية تتمثل في تواطؤ الدوائر البلدية مع المخالفين، لأن القانون يمنع تقسيم القطع السكنية من دون موافقات رسمية ولا يمكن أن يكون هناك بناء من دون إجازة رسمية”.

ويتابع المشهداني أن “هناك محددات تتعلق بضرورة أن تكون واجهة المنزل لا تقل عن 8 أمتار وأن تخصص ثلث مساحة المنزل الجديد للمساحات الخضراء”.

ويرى المشهداني أن “الفساد المستشري في دوائر الدولة المعنية سهل للمخالفين تجاوز هذه الشروط وبناء منزل على طريقة الأمر الواقع”.

ويحذر المشهداني أنه “من دون تنفيذ صارم للقوانين فلن تعالج المشكلة وسيبقى الوضع كما هو عليه وربما يصبح أسوأ”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version