ذكرت وكالة “بلومبرغ” أن كلا من الرئيس الأميركي، جو بايدن، ودوري الغولف الأميركي “بي جي أيه” تعلما نفس الدرس الصعب في الأشهر الأخيرة، وهي أن السعودية دولة غنية جدا وبالتالي لا يمكن تجنبها.

وأوضحت الوكالة أن بايدن توعد أثناء خوضه سباق الرئاسة بأن “تدفع السعودية ثمن” سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وهو ما تكرر عندما وصف مفوض رابطة لاعبي الغولف المحترفين، غاي موناهان، دوري الغولف الذي تموله السعودية “إل آي في” بأنه محاولة فاضحة لإقحام الرياضات في غسيل خطايا المملكة الماضية. وفي النهاية، أُجبر كلاهما على التراجع عن تصريحاتهما.

ووفقا للوكالة، أظهر الإعلان المفاجئ، الأسبوع الماضي، أن “بي جي أيه” و”إل آي في” نحيا خلافهما وأعلنا اندماجهما، في إشارة إلي أن السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان، أصبح لهما اليد العليا مرة أخرى في عملية الشد والجذب بين واشنطن باعتبارها قوة عظمى عالمية وبين الرياض باعتبارها دولة غنية بالنفط، كان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها الشريك الأصغر.

وعندما طُلب من البيت الأبيض مناقشة الصفقة، رفض التعليق على الاندماج الخاص، رغم أنه سيتعين عليه الخضوع لتدقيق مكافحة الاحتكار، بحسب “بلومبرغ”.

وفي الواقع، ترى الوكالة أن صفقة الغولف أكثر من مجرد صفقة رياضية، لأنها ترمز إلى اضطرار بايدن للتخلي عن تعهده بجعل السعودية تواجه عواقب انتهاكاتها الحقوقية، والتي تجسد بشكل واضح في مقتل كاتب العمود، جمال خاشقجي.

واتضحت فكرة أن القوى الأجنبية تمارس القوة الناعمة على الولايات المتحدة، وليس العكس، بحسب الوكالة.

وعندما سُئل عن الصفقة في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، تهرب بايدن بمزحة، حيث قال إنه كان سينضم إلى “بي جيه إيه”.

وترى الوكالة أن هذا الأمر سلط الضوء على التوازن الصعب الذي يجب أن يحافظ عليه الرئيس، الذي يمارس لعبة الغولف في بعض الأحيان في عطلة نهاية الأسبوع، بين عدم الرغبة في إثارة غضب السعوديين وعدم الرغبة في الإساءة إلى الجمهور السياسي في الداخل.

وذكرت وكالة “رويترز” أنه عندما وقع صندوق الاستثمارات العامة السعودي اتفاقا، الأسبوع الماضي، يتضمن دمجا مع أعلى هيئة في أميركا الشمالية مسؤولة عن لاعبي الغولف المحترفين، كان ذلك مؤشرا بالنسبة للبعض على الانتهاء من تأهيل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمساعدة الولايات المتحدة، بعد خمس سنوات من قتل الصحفي جمال خاشقجي الذي تعتقد أجهزة المخابرات الأميركية أن الأمير أصدر الأمر بتنفيذه، وهو ما تنفيه السعودية.

وأُعلن عن الاتفاق، وهو اندماج ثلاثي بين رابطة لاعبي الغولف المحترفين ومقرها الولايات المتحدة وجولة موانئ دبي العالمية (دي بي وورلد تور) وليف غولف المنافسة المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في الوقت الذي وصل فيه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المملكة.

وتعهد بايدن بجعل بن سلمان، ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، “منبوذا” بعد قتل خاشقجي، الذي نفى الأمير إصدار الأمر بتنفيذه. لكن قبل عام تقريبا تبادل بايدن تحية بقبضة يده مع الرجل البالغ من العمر 37 عاما خلال زيارة لجدة. والرياض وجهة رئيسية للمبيعات العسكرية الأميركية.

وامتنع المسؤولون الأميركيون بشكل كبير عن التعليق على صفقة الغولف، لكنهم يقولون إن واشنطن والرياض تربطهما علاقة معقدة تمس قضايا متنوعة تشمل الأمن الإقليمي والطاقة وحقوق الإنسان.

وفي ختام زيارته، الخميس، ذكر بلينكن للصحفيين أنه تطرق إلى قضايا حقوق الإنسان مع المسؤولين السعوديين و”أوضح أن التقدم في مجال حقوق الإنسان يعزز علاقتنا”.

وقال في مؤتمر صحفي “حقوق الإنسان دائما على جدول أعمال الولايات المتحدة”.

لكن بعض المدافعين عن الحقوق يقولون إن صفقة الغولف تظهر أن الإدارة اختارت السياسة على حقوق الإنسان.

وقال المدير في “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”، سيث بيندر: “بالنسبة لي، فإن أهم استنتاج هو أن بي.جي.إيه (رابطة لاعبي الغولف المحترفين) لم تكن لتفعل هذا أبدا لو لم يكن بايدن قد ذهب إلى جدة وأعاد الاعتبار لمحمد بن سلمان”.

وأضاف “جعل بايدن الأمر عاديا للعالم بأسره، وخاصة مجتمع الأعمال، ألا يقلق بشأن إعادة التواصل مع محمد بن سلمان”.

وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن، تحدث مشترطا عدم نشر هويته، إن من الأفضل تناول الجهود الأميركية المبذولة بشأن قضايا حقوق الإنسان المحلية السعودية خلال محادثات خاصة مع المسؤولين السعوديين، وأحجم عن ذكر قضايا بعينها.

وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة أحرزت تقدما كبيرا مع السعودية في مجموعة من القضايا منذ زيارة بايدن، مثل الهدنة في حرب اليمن. وقال المسؤول إن فوائد تلك الهدنة، التي انتهت، في أكتوبر، ما زالت سارية “بفضل الدبلوماسية الهادئة والمستمرة والناجعة جدا، وليس بفضل الصخب وقرع الطبول”.

وتابع المسؤول “هناك مكان للدبلوماسية العلنية وهناك مكان للدبلوماسية الفاعلة وراء الكواليس، ونحن نثق بشدة بالدبلوماسية وراء الكواليس”.

ولم يرد متحدث باسم رابطة لاعبي الغولف المحترفين على طلب للتعليق، وفقا لرويترز.

وأطلق ولي العهد برنامجا طموحا لتحديث المملكة وتقليل اعتمادها على عائدات النفط، لكن الحكومة قمعت في الوقت نفسه منتقديها، بمن فيهم بعض المواطنين الأميركيين.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تتخذ من نيويورك مقرا، إن عشرات من نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين يقبعون في السجون أو يحاكمون في المملكة وإن القمع “تصاعد” بعد زيارة بايدن العام الماضي.

وردا على سؤال عن سجل حقوق الإنسان في السعودية، قال وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، للصحفيين “نحن منفتحون دائما على إجراء حوار مع أصدقائنا، لكننا لا نستجيب للضغط. عندما نفعل أي شيء، نفعله من أجل مصلحتنا الخاصة”.

وحتى قبل إعلان اتفاق الغولف، كانت المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان تنافس مخاوف الأمن القومي الأميركية الملحة.

وحمل بلينكن معه قائمة بالمسائل العاجلة لطرحها خلال لقائه بالسعوديين، بما في ذلك مقاومة مبادرات الصين التي تحاول إحراز تقدم دبلوماسي في الشرق الأوسط، ومواجهة البرنامج النووي الإيراني، وإقناع الرياض بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

كما كان الحصول على مساعدة السعوديين لتجنب ارتفاع أسعار النفط مجددا على جدول الأعمال.

وكانت صادرات النفط من أسباب لقاء بايدن بمحمد بن سلمان، العام الماضي، والذي جاء في وقت كانت الإدارة الأميركية تخشى فيه من أن يضعف التضخم فرص الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وأثارت الرياض غضب واشنطن بعد ثلاثة أشهر فقط عندما خفضت مجموعة أوبك+، التي تضم روسيا، إنتاج النفط قبل الانتخابات.

وقالت مديرة هيومن رايتس ووتش في واشنطن، سارة ياجر، إنه مع “تودد” الولايات المتحدة القوي للسعودية، تحصل الرياض على التعاون الذي تريده مع واشنطن دون أن تضطر لإجراء إصلاحات في مجال حقوق الإنسان.

ودعا المواطنون الأميركيون والمقيمون الذين تحتجز السعودية أفرادا من عائلاتهم بلينكن في رسالة، الثلاثاء، للضغط من أجل الإفراج الفوري عنهم. وشملت القائمة رجل الدين البارز سلمان العودة واثنين من أبناء المسؤول الكبير السابق بالمخابرات سعد الجبري والمدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني وموظف الإغاثة عبد الرحمن السدحان.

وقال بلينكن إنه أثار قضايا محددة خلال زيارته، لكنه أحجم عن الخوض في تفاصيل.

وفي مارس، أفرجت السلطات السعودية عن مواطن أميركي حُكم عليه بالسجن 19 عاما لنشره انتقادات للحكومة على تويتر، لكنها منعته من السفر إلى خارج البلاد. ونشر سعد إبراهيم الماضي (72 عاما) تلك التغريدات بينما كان في فلوريدا.

وذكر مصدر مطلع أن الإدارة الأميركية تضغط على الرياض لإلغاء منعه من السفر.

وقالت تيس ماكينيري، وهي مسؤولة سابقة في مجلس الأمن القومي بإدارة بايدن، إن التهوين من اعتبارات حقوق الإنسان من أجل منافع قصيرة الأجل على صعيد الأمن أو الطاقة أو الاقتصاد سيلحق الضرر بأمن الولايات المتحدة وكذلك بحقوق السعوديين على المدى الطويل.

وأضافت “في نهاية المطاف… بعد 5 أو 10 أو 15 عاما من الآن، سنرى التداعيات الأمنية الوطنية والدولية السلبية لاسترضاء الحلفاء المستبدين مثل السعودية”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version