القاهرة ـ أثارت زيارة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إلى القاهرة ولقاؤه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدد من المسؤولين، في أول لقاء منذ 3 سنوات، تساؤلات حول أهداف القاهرة من تعزيز وجودها في المشهد الليبي، في ظل تحركات دولية على الجانب الغربي من الحدود المصرية.

تلك التحركات عززها نقل معدات وقوات روسية إلى ليبيا، بالتزامن مع استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة في أنقرة.

وجددت تلك التحركات واللقاءات هواجس عودة مشهد الصدام الذي أوشك على الوقوع بين القاهرة وأنقرة حينما تدخلت تركيا لمساندة الحكومة الليبية ضد محاولات قوات خليفة حفتر الاستيلاء على العاصمة الليبية.

وتباينت آراء محللين بين من يرى أن هذه التحركات تعكس اعتراضات مصرية على أدوار إقليمية متصاعدة، ومن يعتقد أنها تُمهد لتغيرات محتملة في التوازنات داخل ليبيا.

تحركات الأطراف المختلفة تجدد هواجس عودة مشهد الصدام في ليبيا (الرئاسة المصرية)

تفاهمات أم تصعيد؟

وعلّق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير السابق معصوم مرزوق، على زيارة حفتر بالقول إن المحادثات ربما لم تقتصر على الملف الليبي فقط، بل شملت الوضع في السودان أيضًا، في ضوء الدعم المزعوم الذي يقدمه حفتر لقوات الدعم السريع التي تناهض الجيش السوداني الذي تدعمه مصر.

وأكد معصوم، في تصريح للجزيرة نت، أن مصر تسعى إلى تعزيز وجودها على حدودها الغربية والجنوبية، من دون الانخراط المباشر في مواجهة عسكرية.

ورغم ضبابية المشهد، رجح مرزوق سيناريوهات عدة أبرزها إمكانية التنسيق بين القاهرة وأنقرة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، سواء عبر توحيد مؤسسات الدولة الليبية أو صياغة دستور جديد يمهد لإجراء انتخابات تنهي حالة الفوضى المستمرة منذ 2011.

وأضاف مرزوق -الذي كان عسكريا سابقا شارك في حروب مصر ضد إسرائيل- أن خيارات مصر قد تشمل الرهان على خطوات سياسية ودبلوماسية أو حتى خيارات أخرى إذا تعذر التفاهم مع تركيا.

مع ذلك، استبعد إمكانية التصعيد العسكري بين البلدين، خاصة في ظل وجود تركيا كداعم رئيسي لحكومة طرابلس، مشيرا إلى أن التنسيق بين القاهرة وأنقرة يبدو الخيار الأنسب.

معصوم مرزوق المصدر: حسابه عبر الفيسوك
معصوم مرزوق يستبعد تجدد الصراع بين القاهرة وأنقرة بشأن ليبيا (مواقع التواصل)

يوافق على هذا الطرح رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بني سويف نجاح الريس الذي يرى أن تحركات القاهرة في المشهد الليبي تهدف إلى رأب الصدع بين الفرقاء الليبيين وتعزيز التفاهمات بين الشرق والغرب، مؤكدًا أن القاهرة لا تنتوي الدخول في مواجهة عسكرية لحسم الصراع لمصلحة الطرف الذي تؤيده.

وتابع الريس قائلا إن “القاهرة قلقة جدا من إمكانية خروج الأمور في ليبيا عن السيطرة بشكل يهدد أمنها القومي، خاصة أن هذه الفوضى قد تضر بالأوضاع في السودان وتساعد في استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث لا تخفي القاهرة دعمها الكامل للدولة الوطنية في السودان”.

ويرى المتحدث أن زيارة الدبيبة قد تكون أيضًا رسالة لخصومه في الداخل، مفادها أنه لا يزال يحظى بدعم تركي سياسي وعسكري، كون تركيا هي الداعم الرئيسي لحكومة الغرب الليبي.

وفي هذا السياق، أشار الريس إلى أن القاهرة كانت تنظر إلى الوجود التركي في ليبيا كعامل قلق كبير في الماضي، لكن يبدو أن التفاهمات بين القاهرة وأنقرة قد خففت من هذا التوتر، وأصبح البلدان يدركان أن التنسيق والتفاهم بينهما يخدم مصالحهما.

عودة الحرب

تابع الريس أن مصر لا ترغب في أي احتمالات لعودة الحرب في ليبيا، مضيفًا في حديثه للجزيرة نت “بل على العكس، قد يتم إقناع الفرقاء بأن الحوار واقتسام السلطة هو الخيار الأفضل في ظل ضبابية المواقف التي يمكن أن يتبنّاها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب”.

من جانبه، أكد الخبير الإستراتيجي ورئيس جهاز الاستطلاع العسكري المصري الأسبق اللواء نصر سالم أن تنشيط مصر لتحركاتها تجاه الجبهة الغربية يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن القاهرة قادرة على حماية أمنها القومي بشكل عام وحدودها الغربية بشكل خاص.

وأوضح الخبير الإستراتيجي -في حديث للجزيرة نت- أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن مصر تسعى إلى التصعيد العسكري لحل الأزمة الليبية.

ويرى المتحدث أن التطورات الأخيرة تؤكد أن تركيا ليست معنية بالتصعيد في ليبيا، بل من المرجح أن تتعامل أنقرة بإيجابية مع المساعي المصرية لتوحيد المشهد السياسي في ليبيا.

وأضاف سالم “لا يمكن في هذه الأجواء المتوترة فتح جبهة جديدة في ليبيا، لأن ذلك سيشكل ضربة شديدة للرغبة في إعادة استقرارها، إذ إن اشتعال النيران في ليبيا قد يعرض المنطقة كلها للانفجار، وليس ليبيا فقط”.

وأشار إلى أن التفاهم بين القاهرة وأنقرة في المشهد الليبي يعد الخيار الأفضل للبلدين، مضيفًا أن المواجهة العسكرية في ليبيا لن تخدم مصالح أي من البلدين.

تشكيل حكومة موالية

من جهتها، رأت وزيرة الشؤون الاجتماعية الليبية السابقة، سميرة الفرجاني، أن تحركات القاهرة على الحدود الغربية مع ليبيا تستهدف استبعاد حكومة الدبيبة من المشهد السياسي، وتشكيل حكومة جديدة موالية لها تضم شخصيات من الشرق والغرب الليبيين.

وأضافت الفرجاني -في حديث للجزيرة نت- أن القاهرة قد تحاول استغلال تحركاتها على الحدود للضغط على أطراف أخرى، منها تركيا التي تدعم حكومة الدبيبة، لدعم مساعي مصر لإخراج حكومة الدبيبة من المشهد الليبي.

ومع ذلك، استبعدت الفرجاني إمكانية اشتعال مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، معتبرة أن القاهرة لا ترغب في التصعيد العسكري، كما أن عدم وجود اتفاقات دولية تشرعن التدخل العسكري المصري في ليبيا يجعل القاهرة غير ماضية في التصعيد العسكري، خاصة أن تركيا مرتبطة باتفاقيات تعاون مع حكومة طرابلس تخوّلها تقديم الدعم العسكري.

لا تستبعد الفرجاني تصاعد التوتر في ليبيا، خاصة أن هناك أطرافًا أخرى ترغب في الاستفادة من حالة الفوضى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

وأشارت إلى أن روسيا، التي تسعى لتعويض خسائرها في سوريا، قد تسعى للاستفادة من الوضع في ليبيا، حتى لو كان ذلك على حساب استقرارها ومصالح القوى الداخلية الأخرى.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version