للمرة الثانية يواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اتهامات جنائية، لكنها هذه المرة فيدرالية، في سابقة تاريخية بحق رئيس أميركي سابق، وقد تضع البلاد في وضع استثنائي، على اعتبار أن “المتهم” ليس فقط رئيسا سابقا، بل هو المرشح الأوفر حظا لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، لعام 2024، لمواجهة الرئيس الحالي، جو بايدن.

تحقق وزارة العدل فيما إذا كان ترامب قد تعامل بشكل خاطئ مع وثائق سرية احتفظ بها بعد مغادرة البيت الأبيض في عام 2021. كما نظر جزء من التحقيق فيما إذا كان ترامب أو آخرون قد سعوا لعرقلة تحقيقات الحكومة.

وأظهرت وثائق كشفت عنها محكمة اتحادية أن ترامب يواجه 37 تهمة جنائية من بينها اتهامات بالاحتفاظ دون وجه حق بوثائق سرية والتآمر لعرقلة العدالة بعد مغادرة البيت الأبيض في 2021.

وأعلنت وزارة العدل عن لائحة الاتهام يوم، الجمعة، الذي شهد استقالة اثنين من محامي ترامب في القضية ومع توجيه اتهامات لمساعد سابق له.

وترتبت الاتهامات على تعامل ترامب مع مواد حكومية حساسة أخذها معه عندما غادر البيت الأبيض في يناير  2021.

ومن المقرر أن يمثل ترامب أمام المحكمة لأول مرة فيما يخص هذه القضية في ميامي يوم الثلاثاء قبل أن يتم 77 عاما بيوم واحد فقط.

في الولايات المتحدة، يُلزم قانون صدر في 1978 كل الرؤساء الأميركيين بإرسال خطاباتهم ورسائل البريد الإلكتروني ووثائق العمل الأخرى إلى الأرشيف الوطني. ويحظر قانون آخر متعلق بالتجسس على أي شخص الاحتفاظ بوثائق سرية في أماكن غير مصرح بها وغير مؤمنة.

مع ذلك، عند مغادرته الرئاسة ليستقر في منزله الفخم في مارالاغو بولاية فلوريدا، نقل ترامب صناديق كاملة من الملفات. 

وفي يناير 2022 بعد مذكرات عدة وافق على إعادة 15 صندوقا تحتوي على أكثر من مئتي وثيقة سرية. وأكد محاموه في رسالة بعد ذلك عدم وجود أي أوراق أخرى.

وبعد فحص ما تسلمته، قدرت الشرطة الفدرالية أن ترامب لم يعد كل شيء وأنه لا يزال يحتفظ بالكثير من الوثائق في ناديه في بالم بيتش في فلوريدا.

توجه بعدها عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي إلى المكان في الثامن من أغسطس وصادروا حوالى ثلاثين صندوقا آخر ضم 11 ألف وثيقة بعضها حساس جدا بشأن إيران أو الصين.

دافع ترامب في السابق عن احتفاظه بالوثائق، مشيرا إلى أنه رفع السرية عنها عندما كان رئيسا. ولكنه لم يقدم دليلا على ذلك ورفض محاموه تقديم هذه الحجة في وثائق المحكمة.

ويوم الخميس، جدد ترامب الدفاع عن نفسه وقال في فيديو مصور إنه “بريء” ووجه اتهامات للإدارة الحالية بمحاولة “التدخل في الانتخابات” عبر ملاحقته ومحاولة “تدمير سمعته للفوز في الانتخابات”.

وكان ترامب اتهم رسميا في مارس بعدد من عمليات الاحتيال الحسابية من قبل قاضي ولاية نيويورك، في قضية دفعه قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016، أموالا لإسكات ممثلة أفلام إباحية تقول إنها كانت عشيقته. 

ودافع قطب العقارات السابق الذي يتقدم حاليا بفارق كبير عن المتنافسين الآخرين لكسب ترشيح الحزب الجمهوري، باستمرار عن نفسه من تهمة الاختلاس ويعتبر أنه ضحية “اضطهاد سياسي”. 

وتعليقا على التهم الجديدة ضد ترامب يرى المحلل السياسي الجمهوري توم حرب أن “هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها ترامب اتهامات من هذا النوع”.

يقول حرب لموقع “الحرة” إن “الحملة بدأت ضده منذ عام 2015 عندما ترشح لخوض الانتخابات الرئاسية في محاولة للتأثير على إدارته للبلاد”.

ويشير حرب إلى أن “الشعب الأميركي متضامن مع ترامب ومع القانون والعدالة الأميركية وأنه مدرك تماما أن هناك تمييزا في تطبيق العدالة عندما يتعلق الأمر بأي من الحزبين”.

ويشدد حرب أن “نظام العدالة يسقط في الوقت الحاضر على اعتبار أن المرشحة الرئاسية السابقة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون لم تعاقب وآخرون من الحزب الديمقراطي لم يتم التعامل معهم بنفس الطريقة”.

ويبين “وحتى عندما يتم التحقيق معهم فيتم إخلاء سبيلهم من دون توجيه أي اتهامات لهم”.

وإلى جانب قضية الوثائق السرية، يواجه ترامب تحقيقات في أربع قضايا أخرى تتعلق بدفعه مبلغا ماليا للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز مقابل شراء صمتها بشأن علاقة خارج الزواج تعود إلى العام 2006، وكذلك تحقيقا حول الهجوم على مبنى الكابيتول في 2021، وأيضا انتخابات 2020 في ولاية جورجيا، بالإضافة لتهمة الاحتيال المالي والضريبي في قضاياه المالية في نيويورك.

وفي الولايات المتحدة، لا يمنع توجيه الاتهام رسميا إلى أي شخص وحتى صدور حكم عليه لارتكابه جنحة أو جريمة، أن يترشح أو يُنتخب أو يشغل منصبا رسميا.

لكن المحلل السياسي الديمقراطي إريك هام يرى أن “مصير طموحات ترامب الرئاسية بات غير واضح”.

يقول هام لموقع “الحرة” إنه “وبينما يظل ترامب هو المرشح الأول والمفضل للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، إلا أن استمرار مشاكله القانونية قد يجعله يخسر شريحة من الناخبين الرئيسيين المتمثلة في النساء البيض والمستقلين في الضواحي، والذي يحتاج إليهم من أجل الفوز في الانتخابات العامة”.

ويعتقد هام أن “مهمة ترامب في الفوز في انتخابات 2024، في حال حصل على تأييد الحزب الجمهوري، ستكون صعبة للغاية”.

ويبين هام أن “من الواضح أن دستور الولايات المتحدة لا يمنع دونالد ترامب من الترشح مرة أخرى، حتى لو وجهت إليه لائحة اتهام وخضع لتحقيق جنائي”.

لكنه لفت إلى أنه في حال إدانة ترامب، وبالتحديد بموجب انتهاك قانون التجسس، فإن ذلك قد يعرقل مساعيه في الترشح مستقبلا”.

ويؤكد هام أن “من الواضح أن الدافع الحقيقي والرئيسي من وراء ترشيح ترامب لنفسه في الانتخابات الرئاسية هو إحباط التحقيقات الجنائية التي تواجهه”. 

لكن حرب يعتقد بخلاف ذلك، إذ يشير إلى أن “الشعب الأميركي سيتضامن بالنهاية مع الحقائق ومع الرئيس ترامب، الذي ستزداد شعبيته أكثر داخل الحزب الجمهوري ومن قبل المستقلين على حد سواء”.

ويضيف: “من الناحية القانونية لن تؤثر الاتهامات على حملة ترامب للترشح مجددا، اعتقد أن القضية ستأخذ الكثير من الوقت ونحن نعرف أن المحاكم ربما تستغرق سنوات من أجل حسمها وربما يترشح وتنتهي الانتخابات ويفوز بالرئاسة وهي باقية لم تحسم”.

ويبين حرب أن الاتهامات الموجهة لترامب “سياسية بحته”، مشيرا إلى أن “ترامب كان رئيسا في ذلك الوقت وهو الوحيد القادر على رفع السرية عن أي وثيقة”.

ويختتم بالقول إن “الرئيس بايدن كان سيناتورا منذ عدة سنوات وكانت لديه وثائق سرية، وبعدها أصبح نائبا للرئيس ولديه ملفات سرية ولم يفعلوا أي شيء له”.

هل تمنع الإدانة أي شخص من الترشح؟

وضع الدستور الأميركي ثلاثة شروط فقط للترشح للرئاسة وهي أن يكون المرشح مولودا في الولايات المتحدة ويبلغ من العمر 35 عاما على الأقل وأخيرا أن يكون قد أمضى 14 عاما على الأقل في الولايات المتحدة.

ولا يوجد نص في دستور الولايات المتحدة يمنع بموجبه أي شخص مدان أو لديه سجل إجرامي من الترشح لرئاسة البلاد، على الرغم من أن بعض الولايات تمنع هؤلاء من التصويت في الانتخابات.

الفقرة الوحيدة التي وردت في الدستور ومنعت من خلالها شخصا للترشح هي تلك المتعلقة بعدم جواز انتخاب أي شخص خدم كرئيس للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين.

ومع ذلك يؤكد خبراء في الدستور أن إدانة شخص والحكم عليه بالسجن يعني أنه سيواجه صعوبات في الترشح أو إدارة البلاد في حال تم انتخابه رئيسا، على اعتبار أنه سيكون خلف القضبان.

تنقل شبكة “إي بي سي” الإخبارية عن الأستاذة في كلية كاردوزو للقانون كيت شو القول إنه “في حين أن الحبس من المفترض أن يصعب من الحملة الانتخابية أو يجعلها مستحيلة، إلا أن المشكلة عند إذ ستكون عملية وليست قانونية”.

ويشير أستاذ القانون الدستوري في جامعة هوفسترا في نيويورك جيمس سامبلر إلى أن الدستور يحدد الحد الأدنى من المتطلبات للترشح للرئاسة، لكنه يترك الباقي للناخبين، مضيفا أن “الأمر عند إذ سيعتمد على حكمة الناس لتحديد أن كان الفرد غير مناسب لتولي المنصب”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version