تنذر الاشتباكات التي شهدتها منطقة الدورة جنوبي بغداد مؤخرا، بالمزيد من التوتر في العراق، وتسلط الضوء مجددا على تنامي قوة الميليشيات الموالية لإيران والتهديدات التي تمثلها على مستقبل البلاد، وفقا لمراقبين.

الحادثة التي وقعت، الاثنين، هي الأولى من نوعها خلال فترة حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي تبوأ السلطة بدعم من قوى الإطار التنسيقي الذي يضم فصائل وأحزاب موالية لطهران.

جرت الاشتباكات بين قوة من الشرطة الاتحادية وعناصر من ميليشيا كتائب حزب الله الموالية لإيران في منطقة البوعيثة جنوبي بغداد، وفقا لوسائل إعلام محلية.

ونقلت العديد من وسائل الإعلام المحلية، بينها “ناس نيوز”، عن مصادر أمنية القول إن الاشتباكات أسفرت عن إصابة اثنين من عناصر الشرطة الاتحادية بجروح.

بدوره ذكر موقع “شفق نيوز” أن الاشتباكات وقعت نتيجة رفض كتائب حزب الله تجريف أراض زراعية في المنطقة “وادعائهم بأنها تابعة لهم”.

وأظهرت مقاطع مصورة، نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام محلية، مجموعة من عناصر الشرطة الاتحادية يحتمون خلف عربات مدرعة، فيما تسمع أصوات إطلاق نار.

وانتظرت السلطات العراقية نحو 24 ساعة قبل أن تصدر بيانا وصفت خلال الحادث بأنه “اعتداء” أدى لإصابة شخصين بجروح طفيفة.

وقالت خلية الإعلام الأمني إن القوات الأمنية اعتقلت منفذي “الاعتداء” من دون أن توضح الجهة التي ينتمون لها، مبينة أن “الاعتداء وقع على مفارز أمانة بغداد والمفارز الأمنية المرافقة لها، المكلفة بإزالة التجاوزات على الأملاك العامة في المنطقة المشار إليها”.

و”كتائب حزب الله” فصيل عراقي موال لإيران منضو تحت مظلة الحشد الشعبي في العراق.

وتعليقا على ما جرى يقول النائب السابق في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حامد المطلك إن “الحادثة كانت متوقعة في ظل وجود جهات تحمل السلاح ولا تعترف ولا تلتزم بأوامر الدولة والقانون”.

ويضيف المطلك في حديث لموقع “الحرة” أنه ومع ذلك “لم نتوقع حصول حوادث بهذا المستوى الخطير داخل بغداد”.

ويشدد على أن “هناك من يحمل السلاح باسم الحشد أو باسم جهات سياسية معينة، لكنه لا يلتزم بتوجيهات الدولة.. وقد صرحوا بذلك عدة مرات”.

ويبين المطلك: “عندما يكون الاشتباك بين جهتين محسوبتين على الدولة فهذا أمر خطير ويعني أن هناك شرخ في تطبيق القانون”.

ويحذر من أن تكرار هذه الحوادث، ولو بشكل محدود، يعني أن المخاوف من توسعها في المستقبل أمر وارد”.

ويرى أن “ما يجري حاليا في السودان يمكن أن يتكرر في العراق، حيث هناك مؤسسة عسكرية ممثلة بالجيش تحارب قوات الدعم السريع، وهي مؤسسة أمنية يفترض أنها خاضعة لسلطة الدولة”.

وكتائب حزب الله، أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران وهي مدرجة على القائمة السوداء في الولايات المتحدة، وكذلك مجموعة من قادتها.

ضربة أميركية قتلت عشرات من عناصرها.. حقائق عن كتائب حزب الله العراقية

ضربة أميركية قتلت عشرات من عناصرها.. حقائق عن كتائب حزب الله العراقية

وفي يونيو من عام 2020 أقدمت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي على اعتقال 13 عنصرا من عناصر كتائب حزب الله، على خلفية هجمات صاروخية ضد مصالح أميركية في البلاد، في سابقة هي من الأولى من نوعها في حينه.

وقال مصدر حكومي، ومسؤولان أمنيان آخران، إن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في منطقة البوعيثة في جنوب بغداد، ضبطوا وفي حوزتهم صواريخ معدة للإطلاق وهم ينتمون إلى فصيل كتائب حزب الله، وفقا لفرانس برس.

ومباشرة بعد تسريب خبر عملية الاعتقال، عاشت العاصمة العراقية لحظات فارقة بعد أن انتشر المئات من عناصر ميليشيا حزب الله في شوارعها وجابوا بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة الأحياء القريبة من المنطقة الخضراء، وفقا لمصادر أمنية عراقية تحدثت لموقع “الحرة” في وقت سابق.

وانتشرت مقاطع مصورة تظهر عناصر حزب الله بشاحنات صغيرة يتجولون في العاصمة ويرددون هتافات منددة برئيس الوزراء العراقي وقتها مصطفى الكاظمي ويتوعدون بالانتقام.

كما تمكن بعض عناصر هذه المجموعة من الدخول للمنطقة الخضراء “بعجلات حكومية وبدون موافقات رسمية نحو مقرات حكومية من داخل المنطقة الخضراء وخارجها وتقربت من أحد مقار جهاز مكافحة الارهاب داخل المنطقة الخضراء” في بغداد، كما أفاد بيان عسكري عراقي.

وجرى بعدها إطلاق سراح المعتقلين.

واعتبر الخبير الأمني والاستراتيجي مخلد حازم أن حادثة يوم الاثنين في البوعيثة تمثل “خرقا للقانون والدستور، وتهديدا للأمن والاستقرار في العراق بسبب وجود فصائل مسلحة تتجاوز الدولة”.

ويصف حازم في حديث لموقع “الحرة” ما جرى بأنه “محاولة لإضعاف الدولة”.

ويرى أن “وجود هذه المجموعات يقلق أمن الدولة، لعدم قدرة الحكومة أو الأجهزة الأمنية على التصادم معها”.

ويضيف: “لم نر أي بيان واضح وصريح من السلطات العراقية بشأن ما جرى، وهذا يؤشر لوجود ضعف تجاه التعامل مع هكذا مجموعات”.

لكن المحلل السياسي المقرب من قوى الإطار التنسيقي، خالد السراي، يقلل من خطورة الحادثة، ويشدد على أن “كتائب حزب الله كانت طرفا أساسيا في حضور اجتماعات الإطار التنسيقي الذي تشكلت من خلاله الحكومة الحالية، وهي لا بالتأكيد لا تريد إرباك مسيرة الحكومة”.

ومع ذلك ينتقد السراي في حديثه لموقع “الحرة” ما وصفها بـ “غياب الشفافية في الموقف الحكومي الرسمي الذي لم يوضح حقيقة ما جرى، وتسبب بخلط الأوراق وتعدد الروايات”.

ويشير السراي إلى أن “المرحلة الحالية تتطلب بناء الدولة، وهذا لا يحتمل وجود خطابات متعددة بداخلها”، مبينا أن “دخول بعض الفصائل للعملية السياسية ساهم بشكل إيجابي في تهدئة الأوضاع”.

بالمقابل يوضح مخلد حازم أن “هناك مجموعتان من الفصائل، واحدة اصطفت مع الحكومة أصبح لديها تمثيل في الكابينة الوزارية، وهي بالتالي ملتزمة بأوامر قادتها بوقف التصعيد”.

ويتابع: “هناك أيضا مجموعة أخرى لم تشترك وهي دائما ما تخترع لنفسها قصصا وروايات تتحرك وفقها”.

وعن طبيعة تشكيل كتائب حزب الله يؤكد حازم: “هناك تكتم إعلامي على هذا الفصيل ودوره والسلاح الذي يمتلكه”.

ويتابع أن “كل المعلومات المتوفرة تشير فقط أنه يتواجد في جرف الصخر (جنوب بغداد) ويريد أن ينشأ قواعد أخرى له في البوعيثة”.

ويؤكد حازم أن “البوعيثة منطقة زراعية تضم بساتين كثيفة وتمتد لمناطق وسط العراق في بابل وكربلاء”، مبينا أن ” المنطقة كانت في وقت سابق مأوى لعناصر إرهابية، وبالتالي كتائب حزب الله تمتلك وجودا مكثفا هناك بحجة حماية العاصمة”.

ويختتم بالقول: “لكن الجميع يعرف أن لديهم هدف أكبر وهو أن يتواجدوا بالقرب من حزام بغداد، لإنه منطقة استراتيجية تربط بين العاصمة وباقي المحافظات”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version