مع بدء العد التنازلي لموعد الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التركية تخيم على البلاد أجواء “استثنائية” تختلف عن تلك التي عاشتها في سباق 14 مايو، وترتبط بسلسلة التطورات التي حصلت بالتدريج، وصولا إلى دخول شخصيتين سياسيتين على الخط، بإعلان دعمهما لكلا المتنافسين.

وهاتان الشخصيتان هما السياسي القومي أوميت أوزداغ، الذي أعلن دعمه لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، وسنان أوغان حليفه السابق، الذي اختار دعم مرشح التحالف الحاكم رجب طيب إردوغان.

وفي حين كان ينظر إلى تشكيلة الأحزاب وأسماء زعمائها وتوجهاتها وقوة التحالفات التي انخرطت بها في الجولة الأولى بات هذا المشهد في الوقت الحالي من الماضي، بعد بروز أوزداغ وأوغان، ليرسما صورة جديدة للاستحقاق.

وأطلق حضور هذين الشخصين بقوة في المشهد السياسي الداخلي تساؤلات عن التأثير الذي قد يفرضانه على السباق المرتقب، وما إذا كانا سيلعبان دورا في تعديل كفة المنافسة بين إردوغان وكليتشدار أوغلو.

وكان إردوغان قد حصل في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة على نسبة 49.40 بالمئة، بحسب بيانات “الهيئة العليا للانتخابات”، وكليتشدار أوغلو على نسبة 44.96 بالمئة.

وخالف أوغان التوقعات بحصوله على نسبة 5.2 بالمئة. ومع ذلك لا يعني أن القاعدة التصويتية المتمثلة بهذا الرقم ستذهب كاملة إلى إردوغان، مع اتجاه أوزداغ في منحى آخر بدعم كليتشدار أوغلو.

“بلغة الأرقام”

ومنذ إعلان أوغان دعمه لإردوغان، قبل يومين لم تصدر أي تعليقات ترتبط بالأثر الذي قد يفرضه هذا السياسي، على خلاف المسار الخاص بأوزداغ مع مرشح تحالف المعارضة.

ولم يوقع أوغان وإردوغان رسميا أي اتفاق يضمن قرار الدعم، بينما جاءت خطوة أوزداغ بناء على بروتوكول من سبعة بنود تم توقيعه بشكل رسمي مع كليتشدار أوغلو، صباح يوم الأربعاء.

وتضمنت البنود تأكيدا على “إرسال 13 مليون لاجئ إلى بلادهم خلال عام على أبعد تقدير”، بالإضافة إلى مواصلة “مكافحة الإرهاب”، والسياسة المتعلقة بتعيين “الأوصياء”، وهو ما أثار حفيظة حزبين كرديين كانا قد دعما كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى.

ويوضح الباحث المختص بالشؤون التركية، محمود علوش أن “دعم أوزداغ لكليتشدار أوغلو لن يجلب للأخير إلا نسبة 2.40 بالمئة كحد أقصى، وهي الأصوات الصلبة لحزبه (حزب النصر)”.

كما أن أوزداغ قد يدفع بأصوات أخرى دعمت كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى إلى التخلي عنه في الجولة الثانية، وعلى رأسهم الأكراد والمحافظون، بحسب حديث الباحث لموقع “الحرة”.

“حتى لو تمكن كليتشدار أوغلو من الحصول على النسبة الكاملة التي حظي بها تحالف الأجداد (5 بالمئة) فلن تكون كافية له لتحسين فرصه الضعيفة للغاية”.

ومع ذلك يقول علوش إن “دعم أوزداغ يُعطي دفعة معنوية متواضعة للمعارضة التي تبحث عن سبل لإقناع ناخبيها المحبطين بالعودة إلى صناديق الاقتراع في 28 مايو”.

وكان لافتا بعد الكشف عن نتائج الجولة الأولى توجه كليتشدار أوغلو إلى “حملة أكثر قومية”، بالتزامن مع اتجاهه لنشر سلسلة تسجيلات مصورة دعا فيها الشباب للتوجه إلى صناديق الاقتراع، والمترددين الذين لم يذهبوا إلى التصويت في سباق 14 مايو.

وفي الوقت الحالي بات أكثر ما يعد به كليتشدار أوغلو “إرسال اللاجئين السوريين إلى بلدهم”، في خطوة تتماهى إلى حد كبير مع الأجندة الانتخابية التي بناها أوزداغ لسنوات، وصعد من خلالها ضمن المشهد السياسي.

في المقابل وفيما يتعلق بأوغان “لن يجلب لإردوغان أكثر من 3 بالمئة كحد أقصى، وربما أقل، لأن هذه الكتلة متحركة، وقد تتفرق على الأرجح بين كليتشدار أوغلو، ومنافسه، والامتناع عن التصويت”.  ولذلك ستكون الكتلة القومية التي تتركز الأنظار عليها “مفتتة”، فيما ستبقى “الكفة راجحة على نحو أكبر لصالح إردوغان، لأن منافسه كليتشدار أوغلو بحاجة إلى كامل 5.17 بالمئة لتحسين فرص الفوز”، وفق الباحث علوش.

“رهان وحسابات”

ومع بقاء أربعة أيام على موعد جولة الإعادة يواصل كليتشدار أوغلو سعيه للفوز في الانتخابات، ويكرر بأنها ستكون “استفتاء بكل معنى الكلمة”.

وفي حين يعتقد البعض من المراقبين أن الكتلة القومية التي يشتد السباق عليها ستكون “مفتتة” بين المتنافسين، إلا أن آخرين يعتبرون أن السباق لا يمكن تقييمه بناء على “عمليات حسابية”.

وكانت نتائج الجولة الأولى “غير متوقعة” وخالفت الأبحاث التي عملت عليها شركات استطلاع الرأي، إذ أظهرت تصدرا قويا للأحزاب القومية، مع خفوت الصوت الكردي، فضلا عن بروز أدوار الأحزاب الصغيرة في كلا التحالفين.

وبينما حظي كليتشدار أوغلو بقاعدة تصويتية في المدن الكردية كسب إردوغان النسبة الأعلى من التصويت في المناطق التي ضربها الزلزال المدمر في فبراير الماضي. 

ومع الترقب الحاصل في الوقت الحالي إزاء نتائج جولة الإعادة والتأثير الذي سيفرضه أوغان وأوزداغ تثار التكهنات بشأن موقف الصوت الكردي من مرشح المعارضة، بعد اتفاقه مع الأخير، الذي يحمل أفكارا متطرفة.

وأثار بند من بروتوكول “كليتشدار أوغلو-أوزداغ” حفيظة حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي وحزب “اليسار الأخضر”، الذي تحالف مع الأول وأدخل أسماء ضمن قوائمه الخاصة بسباق البرلمان.

ونشر الحزبان بيانا انتقدا فيه البند المتعلق بدعم تعيين “أوصياء” على بلديات يتهم رؤساؤها بدعم الإرهاب. وجاء في البيان أن “القرارات المتعلقة بهذه القضية تتعارض مع مبادئ الديمقراطية العالمية”.

وأضاف البيان أن “تعيين الأوصياء غير مقبول من حيث الديمقراطية والقانون، ونهجنا في هذه القضية لا يتغير”، فيما أعلن الحزبان أنهما سيعلنان عن موقفهما النهائي صباح يوم الخميس.

ويرى مراقبون أن قضية دعم أوزداغ لكليتشدار أوغلو وفي مقابلها اصطفاف الأحزاب الكردية إلى جانب الأخير ستكون “رهانا صعبا” بالنسبة لمرشح المعارضة الرئاسي.

ولا يعرف كيف سيوازن كليتشدار أوغلو هذه القضية بين الطرفين المذكورين، وبين الأطراف المنخرطة في تحالفه “الأمة”، وأبرزهم المحافظون “حزب المستقبل” و”حزب الديمقراطية والتقدم”.

وأبدى مسؤولون في هذين الحزبين صباح الأربعاء تحفظهم على البروتوكول الذي فرضه أوزداغ، وعلى الفكرة التي أطلقها بأنه سيستلم “وزارة الداخلية” حال فوز المعارضة بكرسي الرئاسة.

ويقول الباحث علوش أن “الفرق بين إردوغان وكليتشدار أوغلو يكمن في أن الأول سيتمكن من استقطاب جزء من هذه الكتلة القومية دون خسارة أصوات مقابلها، على عكس الثاني الذي سيخسر على الأرجح قدرا من الأصوات”.

ويضيف الصحفي التركي، روشين تقوى أن “البروتوكول الذي وقعه كليتشدار أوغلو مع أوزداغ تسبب في اضطراب الناخبين الأكراد والديمقراطيين”.

ويوضح أن “الكثير من الأشخاص سيشعرون ويعتقدون أنهم تركوا بمفردهم”، بينما سيزداد عدد الذين يرفضون التوجه إلى صناديق الاقتراع.

ويرى الكاتب قدري غورسيل في موقع “هالك تي في” أن “كليتشدار أوغلو يحتاج في الجولة المقبلة إقناع كامل قاعدة مرشح تحالف الأجداد أوغان”، وجذب 236 ألف ناخب محتج ختموا بكلمة “نعم” على صورة محرم إينجه، رغم علمهم أنه انسحب.

كما يجب عليه أن يجذب أيضا فئة فضلت الجلوس في منازلها في سباق 14 مايو، وأخرى تركز على هدف إرسال اللاجئين.

ويضيف غورسيل أن “الخطاب القومي المتشدد قد يقلل من رغبة الناخب الكردي المنزعج في الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى والتصويت لكليتشدار أوغلو”.

لكنه يتابع مستدركا أن “إدارات حزب الشعوب واليسار الأخضر أعلنتا في 17 مايو أنهما قررتا دعم كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية، كما في الجولة الأولى”.

من هم “الأوصياء”؟

وبند “الأوصياء” أو “الأمناء” الذي تضمنه بروتوكول “كليتشدار أوغلو – أوزداغ” وأثار انزعاج الأحزاب الكردية يرتبط بسياسة حكومية تستهدف البلديات الخاصة بـ”حزب الشعوب الديمقراطي”.

وكان الحزب الكردي قد فاز في انتخابات 2019 بـ 65 بلدية في المدن والمقاطعات والبلدات. ومع ذلك، حلت وزارة الداخلية محل رؤساء البلديات المنتخبين لـ”الشعوب الديمقراطي” في جميع بلديات المقاطعات باستثناء ست بلديات، مستشهدة بالتحقيقات “المتعلقة بالإرهاب”.

وأثارت هذه الممارسة إدانة دولية، بما في ذلك من مجلس أوروبا، الذي قال العام الماضي إنها “تقوض الديمقراطية في تركيا”، مشيرا إلى أن التحقيقات ضد المسؤولين المحليين استندت إلى “تعريف واسع” للإرهاب.

وينص بروتوكول “كليتشدار أوغلو – أوزداغ” على أن ممارسة تعيين مسؤولي الدولة بدلا من المسؤولين الإداريين المحليين الذين لديهم “صلات قانونية مثبتة بالإرهاب” ستستمر كجزء من تعهدهم بشن “حرب فعالة وحازمة ضد جميع المنظمات الإرهابية”.

وما سبق يخالف ما وعد به مرشح المعارضة الرئاسي قبل انطلاق الجولة الأولى، إذ أكد حينها مرارا على أنه ضد إقالة رؤساء البلديات.
 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version