قال مسؤولون أميركيون إن هناك دلالات بتأييد جنرالات روس للتمرد المسلح لزعيم مرتزقة “فاغنر”، الذي رمى إلى تغيير القيادة العسكرية في البلاد.

وفي حديثهم لصحيفة “نيويورك تايمز”، أفاد مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون بأن زعيم المجموعة شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، لم يكن ليشن تمرده ما لم يعتقد أن آخرين في مناصب السلطة سيساعدونه.

وبحسب الصحيفة ذاتها، فإن الجنرال سيرغي سوروفيكين، نائب قائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا كان على علم مسبق بالتمرد قبل حدوثه.

ومع ذلك، قال المسؤولون إنهم يحاولون معرفة ما إذا كان سوروفيكين قد ساعد في التخطيط لتمرد بريغوجين، الذي شكل التهديد الأكثر خطورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال 23 عاما في السلطة.

وتحدث المسؤولون ممن قابلتهم الصحيفة الأميركية بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة معلومات استخبارية حساسة، بينما لم ترد السفارة الروسية على طلب الصحيفة بالتعليق.

“الصراع كبير جدا”

وتثير هذه المعلومات التي كشفتها “نيويورك تايمز” تساؤلات بشأن إمكانية وجود انقسامات حادة داخل القيادات العسكرية الروسية منذ بدء الغزو الشامل على أوكرانيا في فبراير من العام الماضي. 

ويرى المحلل المتخصص في الشؤون الروسية، نبيل رشوان، أن “الصراع في المؤسسة العسكرية الروسية كبير جدا”.

وقال لموقع “الحرة” إن روسيا “لم تعتد على وزير دفاع من خارج المؤسسة العسكرية … ولم تصل إلى أن يكون الجيش محترفا بحيث يكون على رأس وزارة الدفاع رجل سياسي”.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن هناك علامات أخرى على انقسام الولاءات في الرتب العليا داخل الجيش الروسي، الذي يخوض حربا ضد أوكرانيا منذ فبراير لعام 2022.

ووجه جنرال روسي آخر، فلاديمير ألكسييف، تصريحاته الخاصة عبر فيديو، واصفا أي إجراءات ضد الدولة الروسية بأنها “طعنة في ظهر البلاد والرئيس”. 

ولكن بعد ساعات، ظهر الجنرال نفسه في مقطع فيديو آخر وهو يتحدث مع بريغوجين في مدينة روستوف، حيث استولى مقاتلو “فاغنر” على منشآت عسكرية.

ولم يستبعد رشوان أن يكون الجنرال سوروفيكين على علم بالتمرد، مشيرا إلى “علاقة وثيقة” تجمعه مع بريغوجين.

وأضاف أن “هناك شراكة بين الاثنين منذ (التدخل الروسي في) سوريا، ويقال إن سوروفيكين عندما كان قائدا للقوات في أوكرانيا جاء بتوصية من بريغوجين”.

وخلال اشتباكاته المعلنة مع وزارة الدفاع الروسي خلال الأشهر الماضية، صرح بريغوجين أن سوروفيكين هو الوحيد الذي “يعرف كيف يقاتل” بين حاملي الرتب الرفيعة في الجيش، بحسب فرانس برس.

ويشير الباحث العسكري والاستراتيجي، ناجي ملاعب، إلى أن إقصاء سوروفيكين من منصبه قائدا عاما للعمليات العسكرية في أوكرانيا يمثل “عزلا”.

وقال لموقع “الحرة” إن هذا التغيير الذي أحدثه الرئيس بوتين ربما سبب “امتعاضا” لدى سوروفيكين.

“سمعة سيئة”

وُلد سوروفيكين في سيبيريا عام 1966، والتحق بالقوات المسلحة الروسية منذ سنة 1982، وله خبرة في قيادة العمليات العسكرية خارج حدود البلاد، إذ شارك في حرب أفغانستان في الثمانينيات وأيضا في الانقلاب ضد ميخائيل غورباتشوف عام 1991 الذي بشر بسقوط الاتحاد السوفياتي بعد شهور قليلة.

وتخرج سوروفيكين من الأكاديمية العسكرية لهيئة الأركان العامة عام 2008، بالموازاة مع خدمته العسكرية الميدانية. ومنذ أكتوبر 2013، شغل منصب قائد المنطقة العسكرية الشرقية. 

الجنرال سوروفيكين مع الرئيس بوتين (أرشيف)

وشارك في العمليات العسكرية الروسية في كل من أفغانستان وطاجيكستان والشيشان.

واكتسب سوروفيكين “سمعة سيئة” لأول مرة خلال محاولة الانقلاب عام 1991 التي شنها المتشددون السوفييت، عندما قاد فرقة مرت عبر الحواجز التي أقامها المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية، وفقا لصحيفة “الغارديان”. 

وقُتل ثلاثة رجال في الاشتباك بينهم شخص سُحق. ونمت سمعته “القاسية” عام 2004 عندما ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن “كولونيل” يعمل تحت قيادته قتل نفسه بعد أن تلقى توبيخا حادا من سوروفيكين، بحسب الصحيفة البريطانية ذاتها.

وبدأ يتردد اسمه كثيرا في وسائل الإعلام العربية بداية من عام 2017، بعد تدخل روسيا في سوريا لأول مرة لصالح نظام، بشار الأسد، في 2015.

وعين “جنرال يوم القيامة”، كما تطلق عليه وسائل الإعلام الغربية قائدا للقوات الروسية بأوكرانيا في 8 أكتوبر، لكن قيادته لم تتجاوز 4 أشهر قبل أن يتم استبداله.

ومع ذلك، ظل سوروفيكين محتفظا بنفوذه في حرب أوكرانيا بعد أن بقي نائبا لقائد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولا يزال يحظى بشعبية بين القوات، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.

“خيانة مفاجئة”

ويقول محللون إن الجنرال سوروفيكين قائد عسكري محترم ساعد في تعزيز الدفاعات عبر خطوط المعركة، بعد الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا العام الماضي. 

وقالت كبيرة باحثي السياسات في مؤسسة “راند”، دارا ماسيكوت، لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن “سوروفكين جنرال بتاريخ معقد. يقال إنه يحظى باحترام الجنود الذين ينظرون إليه باعتباره يتمتع بالكفاءة”.

من جانبه، قال غليب إيريسوف، وهو ملازم سابق في سلاح الجو الروسي، عمل مع سوروفيكين حتى عام 2020، إن “جنرال يوم القيامة” كان أحد الأشخاص القلائل في الجيش الذين “يعرفون كيفية الإشراف على أفرع الجيش المختلفة وتنظيمها”.

وفي حديث سابق لصحيفة “الغارديان”، قال إيريسوف “إنه قاس للغاية، ولكنه قائد كفؤ أيضا”. 

في الناحية المقابلة، شكك المحلل السياسي الروسي، أندريه أنتيكوف، بصحة المعلومات التي أوردتها صحيفة “نيويورك تايمز”.

واستبعد في حديثه لموقع “الحرة” أن يكون سوروفيكين له دور في التمرد، مضيفا: “هناك مجالا للتشكيك في التقارير.. سوروفيكين قائد في الجيش ومنصبه رفيع المستوى”.

ولدى سؤاله عن سيطرة قوات “فاغنر” على مواقع عسكرية مهمة، أجاب أنتيكوف بأن ما حدث “خيانة مفاجئة”، مما سمح لمجموعة المرتزقة بـ “التقدم بسهولة”.

لكن العميد متقاعد، ناجي ملاعب، يشير لوجود “استياء” من قبل جنرالات في الجيش الروسي مما وصفه بـ “تباطؤ العملية العسكرية في أوكرانيا”، بما في ذلك سوروفيكين نفسه.

“علاقة حميمية”

ومع ذلك، يرى ملاعب أن الوقت لم يحن حتى يعلن هؤلاء الجنرالات مواقفهم التي قد تكون نابعة أيضا من “الاعتماد على رجال سياسة واقتصاد ممتعضين من العملية العسكرية (غزو أوكرانيا)”، على حد تعبيره.

ويقول بعض المسؤولين الأميركيين السابقين في حديثهم لصحيفة “نيويورك تايمز” إن بوتين يمكن أن يقرر الإبقاء على الجنرال سوروفيكين في منصبه، إذا توصل إلى أن لدى الجنرال معرفة بالتمرد دون أن يقدم المساعدة لبريغوجين.

وقال الزميل البارز بمركز كارنيغي روسيا أوراسيا، ألكسندر باونوف، إن “بوتين متردد في التغيير”. وتابع: “لكن إذا وضعت المخابرات السرية ملفات على مكتب بوتين تفيد بتورط سوروفيكين، فقد يتغير ذلك”.

لكن رشوان يختلف بشأن هذا الطرح، ويرجح حدوث “تغييرات كثيرة في القيادات العسكرية الروسية”، بما في ذلك إقصاء سوروفيكين. وقال إن “العلاقة الحميمية بين بوتين و(سيرغو) شويغو قد تحافظ على وزير الدفاع بمنصبه خلال المرحلة المقبلة”.

ومع ذلك، يعتقد رشوان أن أي “انتكاسة روسية” في ساحة المعركة بأوكرانيا “قد تجعل الرئيس الروسي يتخلى أيضا عن وزير الدفاع”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version