مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، تزداد حدة المعركة ضد التضليل الروسي. وتحركت إدارة الرئيس، جو بايدن، بخطوات كبيرة لتعطيل هذه الحملات وحماية العملية الانتخابية. لكن جهود موسكو للتلاعب بالناخبين واستغلال الانقسامات السياسية لا تزال تمثل تهديدا قويا.

ويعكس استخدام وسائل الإعلام المدعومة من الدولة مثل شبكة (RT) أو “Russia Today” (روسيا اليوم)، إلى جانب الحملات المتطورة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مثل دوبلغانغر، مدى استعداد الكرملين للتأثير على السياسة الأميركية.

والتدخلات الروسية في الانتخابات الأميركية لا تعد ظاهرة جديدة. فمنذ الانتخابات الرئاسية، عام 2016، ظهرت أمثلة عديدة على حملات مدعومة من روسيا تهدف إلى نشر الأخبار الزائفة وإثارة الفتن، ومحاولة التأثير على نتيجة الانتخابات.

وكان لوسائل الإعلام الروسية المدعومة من الدولة مثل شبكة (RT) وغيرها من المنصات دور كبير في انتخابات 2016، حيث روجت لأخبار كاذبة واستخدمت الروبوتات الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم الرسائل المثيرة للانقسام.

تستخدم روسيا شبمات إعلامية لبث معلومات مضللة تستهدف الناخبين الأميركيين

واستهدفت هذه الأنشطة المرشحين والناخبين على حد سواء، بهدف إلحاق الضرر بحملة، هيلاري كلينتون، ودعم دونالد ترامب، كما خلصت تقارير استخباراتية أميركية متعددة.

وفي انتخابات 2024، تتصاعد المخاطر مرة أخرى، حيث تستمر روسيا في مواجهة إدانة دولية وعقوبات اقتصادية بسبب غزوها لأوكرانيا.

ويعتبر أن للحكومة الروسية، تحت قيادة فلاديمير بوتين، مصلحة كبيرة في تشكيل السياسات الأميركية بما يتماشى مع أهدافها الجيوسياسية، خاصة فيما يتعلق بالدعم الأميركي لأوكرانيا.

وقد حذرت وكالات الاستخبارات الأميركية من أن روسيا ترى في الانتخابات المقبلة فرصة للتأثير على تغييرات محتملة في السياسة الخارجية الأميركية.

أدوات معقدة

تعد شبكة (RT)، التابعة للدولة الروسية، واحدة من أكثر الأدوات فعالية التي تستخدمها روسيا لنشر المعلومات المضللة على المستوى العالمي.

ففي عام 2024، أفاد مسؤولون أميركيون أن شبكة (RT)، إلى جانب جهات أخرى مدعومة من روسيا، تقف مرة أخرى في قلب حملة تأثير متطورة تستهدف الانتخابات الأميركية 2024.

ووفقا لما كشفته وزارة العدل الأميركية، فإن اثنين من موظفي (RT) خصصوا ما يقرب من  10 ملايين دولار لإنشاء شركة في ولاية تينيسي الأميركية تعمل كواجهة لإنتاج محتوى عبر الإنترنت يهدف إلى إثارة الانقسامات داخل الولايات المتحدة.

أصبح بالإمكان التحدث إلى المتوفين
تستخدم روسيا الذكاء الاصطناعي لبث معلومات مضللة تستهدف الناخبين الأميركيين

وتضمنت هذه العملية إنشاء ما يقرب من 2000 فيديو نشرت على منصات مثل يوتيوب وتيك توك وإنستغرام وإكس، والتي حصدت مجتمعة أكثر من 16 مليون مشاهدة.

وصممت هذه الفيديوهات لتبدو وكأنها محتوى أميركي أصيل، وتتناول قضايا سياسية مثيرة للجدل بينما تروج للسرديات المؤيدة لروسيا.

ويُعد استخدام المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينشرون هذه الرسائل من دون علمهم جزءا مهما من حملة التضليل الروسية التي تستهدف الانتخابات الأميركية 2024.

حملة “دوبلغانغر”

برزت حملة التضليل الروسية المعروفة باسم “دوبلغانغر” كإحدى أكبر الأنشطة التي تدعمها موسكو للتأثير على انتخابات 2024.

وتشمل هذه الحملة إنشاء مواقع إخبارية زائفة تحاكي وسائل إعلام أميركية معروفة مثل “واشنطن بوست” و”فوكس نيوز”.

وهذه المواقع تنشر محتوى يتماشى مع المصالح الروسية، لا سيما في محاولاتها لتشويه سمعة أوكرانيا وتقويض الدعم الأميركي لكييف ضد العدوان الروسي.

ووفقا لمسؤولي الاستخبارات الأميركية، يدير حملة دوبلغانغر، سيرغي كيرينكو، أحد الشخصيات الرئيسية في إدارة بوتين.

وتستخدم الحملة الذكاء الاصطناعي والروبوتات لإنشاء شخصيات زائفة تدعي أنها مواطنين أميركيين، وتقوم بنشر معلومات مضللة عبر قنوات التواصل الاجتماعي. 

وهذه الأنشطة الأخيرة تشبه إلى حد كبير الحملات الروسية السابقة مثل تلك التي جرت في انتخابات 2016 و2020، ولكنها تطورت باستخدام أدوات تكنولوجية جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، مما يجعل من الصعب اكتشافها والتصدي لها.

الرد الأميركي

ومع تزايد خطر التدخل الروسي في الانتخابات، وخاصة يوم التصويت في الخامس من نوفمبر المقبل، أطلقت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، سلسلة من الإجراءات لمكافحة التضليل الروسي. وخاصة حملة “دوبلغانغر”؟

وكشف المدعي العام الأميركي، ميريك غارلاند، توجيه اتهامات ضد اثنين من موظفي شبكة (RT) متورطين في حملات تضليل سرية، منها تأسيس الشركة في تينيسي. بالإضافة إلى مصادرة 32 نطاقا على الإنترنت تستخدم ضمن حملة “دوبلغانغر”.

واستخدمت هذه النطاقات لنشر سرديات كاذبة حول الحرب في أوكرانيا، بهدف التأثير على الناخبين الأميركيين.

المدعي العام غارلاند قال إن “الشعب الأميركي يستحق معرفة متى تحاول قوة أجنبية التأثير على أفكاره وتوجيه النقاشات العامة لصالحها”.

“ذكاء اصطناعي” و”استغلال” المؤثرين.. تفاصيل العقوبات الأميركية على أفراد روس

عقوبات وملاحقات قضائية فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن بحق مسؤولين روس يتهمون في محاولة “التأثير على الانتخابات الأميركية” التي ستجرى في 2024، والتي يختار فيها الأميركيون الرئيس المقبل للبلاد.

وأضاف أن مثل هذه الحملات “لن تمر دون محاسبة”. وأن هذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها الولايات المتحدة عن محاولات روسية للتدخل في الانتخابات الأميركية.

كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركات وأفراد روسيين متورطين في هذه الحملات، بما في ذلك رئيسة تحرير شبكة (RT)، مارغريتا سيمونيان، ومساعديها.

وتستهدف العقوبات الأصول والموارد التي تمول عمليات التضليل، بهدف تقويض قدرتهم على نشر المعلومات الكاذبة.

كما وضعت الإدارة الأميركية نظام مكافآت، يصل إلى 10 ملايين دولار، لمن يقدم معلومات تؤدي إلى تعطيل التدخل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية.

وهذا الجهد، الذي يأتي جنبا إلى جنب مع التحقيقات المستمرة التي تقودها قوة المهام التابعة لوزارة العدل الأميركية والمعنية بالتهديدات الانتخابية، يمثل تحركا كبيرا ضد التأثير الروسي الذي يستهدف الانتخابات الرئاسية 2024.

ضمان أمن الانتخابات

وعلى الرغم من هذه الحملات التضليلية الأجنبية، أكد المسؤولون الأميركيون أن البنية التحتية للانتخابات آمنة.

وعملت وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية (CISA) على ضمان أن 97 بالمئة من الناخبين في انتخابات 2024 سيقومون بالإدلاء بأصواتهم في دوائر انتخابية توفر سجلات ورقية قابلة للتحقق، مما يزيد من الشفافية ويقلل من مخاطر التلاعب بنتائج الأصوات.

وأشارت جين إيسترلي، مديرة وكالة (CISA)، إلى أنه رغم أن روسيا ودولا أخرى قد تحاول التلاعب بتصورات الناخبين ونشر المعلومات المضللة، فإن عملية التصويت الفعلية تبقى قوية ومحمية بشكل جيد.

وشدد المسؤولون الأميركيون على أنه، حتى الآن، لا يوجد دليل على أن أي حملة تضليل، سواء كانت أجنبية أو محلية، قد نجحت في تغيير عدد الأصوات في الانتخابات السابقة.

شبكات إعلامية مرتبطة بالكرملين

وفق تقرير خاص أصدرته وزارة الخارجية الأميركية، في عام 2022، فإن شبكتي”RT” و”سبوتنيك” عملتا كأدوات فعالة لنشر المعلومات المضللة بما يخدم أهداف الكرملين.

ويكشف التقرير أن هاتين الشبكتين جزء أساسي من النظام البيئي للدعاية الروسية، وتحت إشراف مباشر من الحكومة الروسية.

وتركز هذه القنوات على تقديم وجهات نظر تخدم السياسات الخارجية للكرملين، مستخدمة تقنيات إعلامية حديثة تغطي نطاقا واسعا من اللغات والجماهير، بما في ذلك الناطقة بالإنكليزية والعربية والإسبانية وغيرها.

ويقول التقرير إن روسيا تستخدم أساليب معقدة لتضخيم رواياتها باستخدام مجموعة من الأدوات، من ضمنها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة وتضخيمها عبر قنوات متعددة.

ويظهر التقرير أن “RT” و”سبوتنيك” تعملان بالتنسيق مع ركائز أخرى للنظام البيئي للدعاية الروسية، مثل مواقع الويب الوكيلة والمنصات غير المنسوبة، التي تتواصل بدورها مع وسائل الإعلام الرسمية الروسية لتضخيم الروايات بشكل منظم.

وأحد أبرز الأمثلة على هذه الاستراتيجية هي حملة التضليل الروسية المتعلقة بانتخابات الولايات المتحدة لعام 2016، حيث كشفت وكالات الاستخبارات الأميركية عن دور روسي رئيسي في نشر وتسريب معلومات حصلت عليها عبر هجمات إلكترونية ضد مسؤولين في الحزب الديمقراطي.

وكانت “RT” و”سبوتنيك” جزءا من هذه العملية، حيث قامتا بتغطية المعلومات المسربة والترويج لها في إطار يخدم أجندة الكرملين.

وفقا للتقرير، لا تعتمد روسيا فقط على منصاتها الإعلامية لتشكيل الرأي العام، بل تستخدم أيضا وسائل التواصل الاجتماعي كأداة تضخيم للمعلومات.

فبالإضافة إلى نشر الأخبار عبر “RT” و”سبوتنيك”، تقوم حسابات زائفة وروبوتات إلكترونية بنشر نفس الروايات على منصات مثل منصتي إكس وفيسبوك، مستهدفة بذلك جمهورا عالميا لتضليلهم بشأن قضايا حساسة، مثل دعم الولايات المتحدة لحلفائها.

الفاعلون الأجانب الآخرون

وروسيا ليست القوة الأجنبية الوحيدة التي تحاول التدخل في الانتخابات الأميركية 2024.

وحددت وكالات الاستخبارات الأميركية جهودا مماثلة من دول مثل الصين وإيران. كما تم ربط قراصنة إيرانيين بعملية اختراق وتسريب استهدفت كلا من حملتي ترامب وهاريس، باستخدام استراتيجية مشابهة لتلك التي استخدمتها روسيا في 2016.

وجهود الصين في التأثير، رغم كونها أكثر دقة، تشمل أيضا استخدام حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الناخبين الأميركيين وتشكيل الآراء حول القضايا الدولية المهمة.

والتحركات التي تقف الصين وراءها هي جزء من حملة “سباموفلاج” التي ظهرت لأول مرة في 2019، وركزت في بدايتها على نشر محتوى مؤيد لبكين ومعاد للغرب، باللغة الصينية.

ولكن خلال السنوات الأخيرة، تحولت “سباموفلاج” في أنشطتها إلى استهداف الأميركيين مباشرة، عبر “محاولة زرع الشكوك” حول الإدارة الأميركية، والديمقراطية الأميركية، وفق تقرير جديد لمؤسسة Graphika.

ومنذ عام 2019، تتبعت مؤسسة Graphika حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل رموزا وطنية، مثل علم أميركا، وأسماء أميركيين يقدمون أنفسهم على أنهم ناخبون وناشطون.

وكشف تقرير للمؤسسة، صدر الثلاثاء، بأن هذه الحسابات تتبع  لحملة “سباموفلاج”، الأكثر تأثيرا، والتي ترتبط بالحكومة الصينية، وتتنكر في صورة ناخبين أميركيين لترويج روايات تهدف إلى تعميق الانقسام بين الأميركيين.

وGraphika هي مؤسسة أميركية متخصصة في مجالات الثقة والأمان، واستخبارات التهديدات السيبرانية، والاتصالات الاستراتيجية عبر صناعات تشمل الاستخبارات والتكنولوجيا والإعلام والترفيه، والمصارف العالمية.

ويكشف تقرير المؤسسة أن حملة “سباموفلاج” تستخدم أكثر من 40 منصة إلكترونية، وحسابات غير أصلية لنشر وتضخيم الفيديوهات والرسوم الكاريكاتورية التي تروج لروايات مؤيدة للصين ومعادية للغرب.

الصين تطور أدواتها لضرب الانتخابات الأميركية

عندما ظهر “هارلان” لأول مرة على منصات التواصل الاجتماعي، قدّم نفسه على أنه محارب قديم في الجيش من سكان نيويورك، داعم بحماس لدونالد ترامب، وعرض صورة ملف شخصي لشاب وسيم مبتسم يبلغ من العمر 29 عاما.

ومع ذلك، تظل روسيا التهديد الأجنبي الأكثر نشاطا، بفضل سجلها الطويل في التدخل في الانتخابات.

ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن الكرملين يرى في ترامب “مرشحا مفضلا” نظرا لشكوكه في جدوى دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. وهذا ما يجعل عمليات التأثير الروسية في انتخابات 2024 خطيرة بشكل خاص، حيث تتقاطع مباشرة مع الصراعات الجيوسياسية الجارية.

ومع استمرار وكالات الاستخبارات الأميركية في مراقبة ومكافحة التدخل الأجنبي، فإن نزاهة الانتخابات لعام 2024 ستعتمد ليس فقط على الإجراءات الحكومية، ولكن أيضا على يقظة الأميركيين الذين تستهدفهم هذه الحملات بشراسة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version