أعلن الصندوق السيادي المصري الدخول في شراكة مع شركة صيدليات العزبي، لتقديم “خدمات لوجستية وإدارية للمؤسسات الصيدلية وكذلك خدمات توزيع وتجارة الأدوية”، بحسب بيان رسمي نشرته صحيفة الأهرام الحكومية، الثلاثاء.

وتفاصيل استحواذ صندوق مصر السيادي على 49 في المئة من صيدليات العزبي، التي أعلنها رئيس مجلس الإدارة على قناة “أم بي سي” السعودية، الثلاثاء، أثارت تساؤلات عن تعارض الخطوة مع اتجاه مصر نحو الخصخصة وخروج الحكومة من الاقتصاد بما يتوافق مع شروط صندوق النقد والدول الخليجية.

خصخصة لكن بشكل خاص

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، كريم حسنين أبو المجد، لموقع “الحرة” إن الخطوة التي أعلنت عنها الحكومة ستضر كثيرا بموقف مصر أمام صندوق النقد والمستثمرين الخليجيين والأجانب بشكل عام.

وأضاف أبو المجد أن هذا يعتبر أول استثمار للحكومة المصرية وصندوق مصر السيادي في قطاع الصيدليات وتجارة الأدوية، موضحا أن هذه الخطوة تعتبر استمرارا لتدخل الحكومة بشكل واضح في الاقتصاد، ومزيدا من الضغط على أصحاب الأعمال للتنازل عن ملكياتهم للحكومة، ما سيضر بسمعة مصر أمام المستثمرين حول العالم.

وتوصلت مصر، في ديسمبر الماضي، إلى حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا وتعهدت لصندوق النقد الدولي بتقليص مشاركة الحكومة في الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص، وفقا لشبكة “بلومبرغ”.

وتحدث أستاذ الاقتصاد عن محاولات الحكومة المصرية الدخول في قطاع تجارة الأدوية المربح منذ بضعة سنوات، وتحديدا في عام 2019، حينما أصدرت النقابة العامة للصيادلة في مصر، قرارا بناء على حكم قضائي، بشطب اسم رئيس مجلس إدارة صيدليات العزبي، الدكتور أحمد العزبي، من سجلات النقابة.

وأعلن صندوق مصر السيادي، بحسب الصحف الرسمية، ضخ زيادة رأسمال في الشركة الجديدة التي سيتم إطلاقها بالشراكة مع صيدليات العزبي، خلال العامين المقبلين، لتقديم الخدمات لأكثر من 500 صيدلية في المحافظات بداية من سلسلة فروع صيدليات العزبي القائمة، والتي تتجاوز 250 صيدلية في مختلف المحافظات.

ويرى أبو المجد أن صيدليات العزبي تعتبر من أكبر الشركات المسيطرة على قطاع الأدوية في مصر، ومن الأجدى للحكومة محاربة الاحتكار من خلال فتح الأسواق للمنافسة الحرة، وليس الدخول في شراكة أو منافسة مع القطاع الخاص للسيطرة على مثل هذا القطاع الحيوي.

وأشار إلى أنه “يوجد اتجاه حكومي حاليا يتمثل في محاولة الخروج من الأزمة الاقتصادية العميقة من خلال الاستحواذ على الشركات الناجحة في القطاع الخاص من أجل إعادة بيعها للدول الخليجية للحصول على السيولة اللازمة لسد عجز الموازنة ونقص الدولار”.

ووصف الأستاذ في جامعة لافبروه البريطانية ما يحدث بأنه “خصخصة من نوع خاص”، قائلا إنه على سبيل المثال، “خرجت أنباء بعد شطب العزبي، في عام 2019، برغبة الإمارات في شراء الصيدليات للدخول إلى سوق الدواء المصري، لكن الصفقة توقفت من دون إعلان الأسباب”.

وأضاف أن الحكومة المصرية تسعى حاليا لإعادة جذب الخليج للسوق المصري بعد خروج عدد من الشركات السعودية والإماراتية من مصر في الفترة الأخيرة، لكنه أوضح أن هذه الإستراتيجية ستضر بمصر أكثر مما ستنفعها لأنها تعطي إشارات غير مريحة للمستثمرين عن استمرار سيطرة الحكومة على القرارات الاقتصادية وتطويعها لصالحها.

هدف الملياري دولار

قال خبير الاستثمار والبورصة، عمرو القاضي، من جانبه، لموقع “الحرة” إن هذا القرار يعبر عن حالة التخبط في القرارات السياسية والاقتصادية في مصر، وأوضح أن السبب الوحيد من وجهة نظره هي أن مصر تدرك جيدا أنها لن تتمكن من تحقيق هدف الملياري دولار، قبل نهاية يونيو المقبل، من بيع شركات حكومية، وبالتالي تخلفها عن سدادها لديونها.

وأشار إلى أن الحكومة تحاول الاستحواذ على الشركات الكبيرة في القطاع الخاص من خلال الضغط على أصحاب هذه الشركات لإعادة طرحها للبيع لتحصل على عائد أكبر.

وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قال، في الأول من مايو، “نحن نسير قدما في برنامج الأطروحات بقوة ولن نتراجع عنه”، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى لتحقيق مبيعات بقيمة لا تقل عن ملياري دولار قبل نهاية يونيو.

وأضاف مدبولي في مؤتمر صحفي أن “الحكومة ستطرح حصصا في أكثر من عشر شركات مملوكة للجيش في إطار برنامج الخصخصة”.

وقال القاضي إن الحكومة تحاول في الفترة الحالية من خلال صندوق مصر السيادي ضم أكبر عدد ممكن من الشركات الكبيرة تحت سيطرتها، مثل مصر للتأمين، والمقاولون العرب، والعديد من الأراضي والمباني ذات المواقع الإستراتيجية، مضيفا أن صيدليات العزبي لن تكون الأخيرة في القائمة”.

وتحدث القاضي عن أن عملية الاستحواذ على الشركات وضمها لصندوق مصر السيادي عملية تحتاج الكثير من الوقت لتعديل قوانين تأسيس وعمل هذه الشركات وهيكلتها لتعمل تحت كيان واحد، مشيرا إلى أن وضع مصر الاقتصادي وتوقيت سداد الديون لن يمهلها مثل هذا الوقت.

ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج. لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الماضي لتصل إلى أكثر من 155 مليار دولار، وفقا لوكالة “رويترز”.

وتراجعت قيمة العملة المصرية وسط ظروف اقتصادية صعبة، ويبلغ سعر الدولار حاليا نحو 31 جنيها مقابل 15.6 في مارس 2022، ما أسهم في ارتفاع معدل التضخم السنوي العام إلى 40 في المئة في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج، بحسب “بلومبرغ”.

وإعلان مصر عن خطة حكومية لبيع أصول مملوكة للدولة جاء للمساهمة في سد الفجوة التمويلية، التي تبلغ حوالي 17 مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي. وفي العام الماضي وحده، تعهدت دول الخليج بتقديم 22 مليار دولار لمصر، حسبما ذكرت وكالة “رويترز”.

أزمة أخرى تحدث عنها خبير الاستثمار وهي أن صفقات الدول الخليجية التي تستهدفها مصر للاستثمار لم تعد مضمونة في ظل حالة التخبط التي يشهدها الاقتصاد المصري حاليا.

وأوضح القاضي أنه بدلا من تنفيذ شروط صندوق النقد والدول الخليجية بإيصال الجنيه إلى قيمته الحقيقية وتحقيق مزيد من الشفافية وإفساح المجال للقطاع الخاص، تحاول الحكومة المصرية التحايل على الوضع باتباع مسارات غير مجدية مرة أخرى.

وقال إن تصريحات أحد أكبر رجال الأعمال ف مصر، سميح ساويرس، في الفترة الأخيرة، بوقفه استثماراته في مصر والتوجه للسعودية، أعطت إشارات مبطنة على مدى الضغط الذي يُمارس على رجال الأعمال في مصر، وسعيهم للانسحاب للخارج.

صندوق مصر السيادي.. استثمارات تتشابه مع الخليج

من جانبه، تحدث خبير الاقتصاد، كريم السعدي، لموقع “الحرة” عن أن أغلب الدول الخليجية أسست صناديق للاستثمار محليا وخارجيا، وتحقق أرباحا طائلة، ولا أحد يتحدث عن تدخل الحكومة في الاقتصاد، ومصر تحاول فعل الأمر نفسه للخروج من الأزمة الحالية.

وأوضح أن تجارة الأدوية والمكملات الغذائية في مصر حاليا تتخطى 130 مليار جنيه، وبالتالي تعتبر منصة الاستثمار في مجال تجارة الأدوية الخاصة بصندوق مصر السيادي فرصة استثمارية كبيرة ستدر عائدا كبيرا على الحكومة وستخدم القطاع الصحي في مصر.

وأكد أن الحكومة تسير في اتجاه الخصخصة التي أعلنت عنها، ولا يتعارض قرار الشراكة مع صيدليات العزبي مع شروط صندوق النقد، لكنه يخدم مشكلة نقص الأدوية في مصر واحتكارها من قبل البعض.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version