رام الله- بموازاة حربه المدمرة ومجازر الإبادة في قطاع غزة يخوض الاحتلال الإسرائيلي حربا موازية على عمال القطاع الذين منحهم تصاريح عمل داخل الخط الأخضر في مجالات مختلفة وأوقف تلك التصاريح منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان آخر تلك الإجراءات وقف مخصصات عمال فلسطينيين تعرضوا لإصابات عمل وأصيبوا بعجز استوجب حصولهم على تلك المخصصات، وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأحد الماضي.

جاء ذلك بعد أيام من إجراء “لجنة العمل والرفاه” في الكنيست الإسرائيلي نقاشا لحرمان 23 من سكان غزة من مخصصات التأمين، والذين يتقاضون نحو 7.3 ملايين شيكل (نحو مليوني دولار) في كل عام، وما زالت تقوم بذلك حتى خلال الحرب.

ويطالب أعضاء الكنيست المبادرون إلى الجلسة بمعرفة سبب استمرار تحويل الأموال، وإعادة فحص هويات مستحقي تلك الأموال.

وقد وصفت شخصيات مختصة الإجراء الإسرائيلي بأنه “انتقامي” بحق أشخاص أصيبوا بإعاقة دائمة، وتطرقت إلى صنوف العذاب والملاحقة التي يتعرض لها عمال القطاع منذ نحو 7 أشهر.

عقوبة وانتقام

المستشار القانوني لنقابة العمال العرب في الناصرة وهبة بدارنة قال للجزيرة نت إن ما يجري لعمال غزة هو “ضمن سلسلة العقوبات والانتقام الجماعية الإسرائيلية منذ شهور”.

وأضاف بدارنة أن ما نشرته صحفية هآرتس يشير إلى قرار بقطع مخصصات هي حق لأصحابها الفلسطينيين في غزة.

وفي توضيحه لحيثيات تلك المخصصات بيّن بدارنة أن كل عامل فلسطيني من الضفة أو غزة حاصل على تصريح عمل من منسق الحكومة الإسرائيلية ومسجل بوزارة الداخلية يعتبر عاملا أجنبيا، ومن حيث الحقوق له نفس حقوق العمال الإسرائيليين.

وبالتالي، عندما يتعرض العامل الفلسطيني لإصابة عمل فمن حقه -وفق القانون- الحصول على كل النفقات والتغطيات الطبية عن طريق “صندوق المرضى”، ثم يتولى “التأمين الوطني” الإسرائيلي معالجة قضايا المصابين، يضيف بدارنة.

وعلى سبيل المثال، فإن القانون ينص على إجازة مدتها 90 يوما مدفوعة الأجر من قبل التأمين الوطني لمصابي العمل، بعدها يحق لمن لديه نسبة عجز تصل 50% فما فوق الحصول على معاش شهري، بغض النظر عن مكان السكن سواء داخل إسرائيل أو الضفة أو غزة، والكلام لبدارنة.

لكن الجديد -حسب بدارنة- هو التوجه إلى وقف تلك المخصصات “ضمن سياسة مبرمجة للانتقام من العمال الفلسطينيين استكمالا لخطوات سابقة من ملاحقة واعتقال وفتح لمراكز الاحتجاز الخاصة بالعمال وتعذيبهم واستشهادهم في السجون، إضافة إلى معاقبة المشغلين الذين يشغلون عمالا فلسطينيين”.

وتعتزم نقابة العمال العرب في إسرائيل التوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للمطالبة بإلغاء هذا القرار لأنه “لا مبرر من الناحية القانونية لقطع المخصصات إذا اعترف التأمين الوطني بوجود الإصابة”.

ويرى بدارنة أن فرصة نجاح القضية في المحكمة العليا “كبيرة جدا، خاصة أننا نتحدث عن أشخاص معاقين يحق لهم الحصول على مخصصات الإعاقة ومخصصات إصابات العمل”.

وناشد المستشار القانوني للنقابة عبر الجزيرة نت أي عامل لديه إصابة -سواء من الضفة أو غزة ولم يحصل على مخصصاته- أن يتوجه إليهم لتتابع قضيته “لأننا كنقابة لا نستطيع المتابعة دون التوجه لنا”.

عمال من قطاع غزة في نابلس يشاركون في فعالية للتضامن مع أهلهم بالقطاع (الجزيرة)

مليارات الشواكل المجمدة

من جهته، يقول عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين عبد الهادي أبو طه إن سلطات الاحتلال تحتجز مليارات الشواكل (الدولار يساوي 3.7 شواكل) منذ عقود وترفض إعطاءها لأصحابها أو للسلطة الفلسطينية.

وكشف أبو طه أن السلطات الإسرائيلية تقتطع مبالغ كبيرة من مستحقات عمال الضفة وغزة تحت مسميات مختلفة -بينها خصومات التأمين- ضمن نظام يسري أيضا على العمال من داخل الخط الأخضر، وأن تلك الخصومات تذهب على شكل راتب تقاعدي لمن هم داخل الخط الأخضر، لكنها تحتجز بالنسبة لفلسطينيي الضفة وغزة.

وطالب الجانب الفلسطيني على الدوام بهذه المستحقات التي بدأ اقتطاعها منذ عام 1972 وفق أبو طه الذي أوضح أن الاحتلال اعترف بعد اتفاق أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي بتلك الحقوق لكن لفترة ما بعد قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، ولدى مطالبة السلطة بها اشترطت إسرائيل وجود مؤسسة للضمان الاجتماعي، وعندما بدأت الحكومة الفلسطينية تشكليها أفشلتها دولة الاحتلال.

وأشار المتحدث إلى وجود تحركات فلسطينية على مستوى منظمة العمل الدولية “لوقف التمييز ضد العمال وصرف مستحقاتهم”.

وبعد منع فلسطينيي الضفة من العمل في إسرائيل تشير تقديرات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى وجود نحو 500 ألف عاطل عن العمل بالضفة وغزة خسائرهم الشهرية تصل إلى مليار و350 مليون شيكل.

سجون وتعذيب

وبالتوازي مع الملاحقات المالية يتعرض عمال غزة للتعذيب والتجويع وفق مدير نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري الذي أكد في حديثه مع الجزيرة نت أن موضوع أسرى قطاع غزة -وبينهم العمال- “من أكبر التحديات التي تواجه مؤسسات الأسرى بشكل عام لأن الاحتلال ما زال ينفذ سياسة الإخفاء القسري والمصير المجهول وعدم الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بهم”.

وتحدث مدير نادي الأسير عن “شهادات مروعة تخرج من المعسكرات تؤكد أن المعتقلين يتعرضون لأساليب تعذيب قاتلة ومميتة”، وانتقد دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر “التي لا تقوم بأي دور حاليا وعلى مدار الأشهر الثمانية الماضية”.

وتفيد معطيات -حصلت عليها الجزيرة نت من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين- بأن نحو 19 ألفا و200 عامل غزي كانت لديهم تصاريح عمل في إسرائيل تم إلغاؤها مع بدء العدوان.

ولا تُمنح تصاريح العمل للفلسطينيين إلا بعد فحص أمني مشدد تجريه سلطات الاحتلال لضمان ما تسمى “السلامة الأمنية”، وأساسه ألا يكون العامل منتميا لأي حزب أو حركة مقاومة فلسطينية أو بيت فيه مقاوم فلسطيني.

وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شن الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في صفوف العمال ونقل معظمهم إلى الضفة الغربية.

ورصد اتحاد العمال وجود نحو 10 آلاف عامل داخل إسرائيل وقت وقوع هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات غلاف غزة، تم اعتقال نحو 4 آلاف منهم داخل أماكن عملهم، ثم أفرج عن نحو 3200 وأعيدوا إلى قطاع غزة، في حين تم تأمين احتياجات نحو 5800 منهم من قبل الاتحاد بعد إبعادهم إلى الضفة الغربية.

وعن مصير العمال المبعدين إلى الضفة، أشار اتحاد العمال إلى بقاء أغلبهم واعتقال نحو 80 أثناء عودة 1488 عاملا من الضفة إلى غزة، في حين رصدت منظمات حقوقية حملات مداهمة مستمرة لأماكن وجود الغزيين في الضفة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version