أسابيع معدودة فقط تفصل الولايات المتحدة عن احتمال مواجهة تعثر في السداد لديونها في سابقة لم تحدث أبدا من قبل وقد تؤدي لـ “كارثة” اقتصادية، ليس فقط داخل البلاد، وأنما ستمتد تداعياتها لدول حول العالم.

ما زال الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي منقسمين بشأن رفع سقف الدين الأميركي البالغ 31.4 تريليون دولار بعد محادثات جرت، الثلاثاء، على الرغم من أن الطرفين اتفقا على إجراء مزيد من المحادثات قريبا.

إذا استمرت حال الجمود بعد الأول من يونيو المقبل فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها غير قادرة على دفع الفواتير والرواتب، وأيضا غير قادرة على السداد لدائنيها.

في تصريحات لها الأحد، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن الولايات المتحدة، لا يوجد لديها “خيارات جيدة” لتجنب “كارثة” اقتصادية، في حال أخفق الكونغرس في رفع حد الاقتراض في البلاد قبل نهاية الشهر الجاري.

يحظر سقف الدين الحالي، ما لم يتم رفعه، على الولايات المتحدة استدانة أكثر من الحد الأقصى البالغ 31.4 تريليون دولار.

وتثير المسألة عادة خلافات بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. وسبق أن رُفع سقف الدين 80 مرة منذ ستينيات القرن الماضي.

ما هو سقف الدين؟

ببساطة تقوم حكومة الولايات المتحدة، حالها حال باقي دول العالم، بالاقتراض عندما تنفق أموالا تفوق قيمتها حجم الإيرادات، وذلك عن طريق إصدار سندات خزينة.

سقف الدين، الذي وضعه الكونغرس قبل أكثر من 100 عام، هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة اقتراضه، والذي يبلغ حاليا، كما أسلفنا، 31.4 تريليون دولار.

تعاني حكومة الولايات المتحدة من عجز متوسط يصل لنحو تريليون دولار سنويا منذ عام 2001، ويعني هذا أنها تنفق أموالا أكثر بكثير مما تحصل عليه من الضرائب والإيرادات الأخرى. 

ولتعويض الفارق، تلجأ إلى الاقتراض لمواصلة تمويل مدفوعاتها ضمن سقف محدد من قبل الكونغرس وهو ما يعرف بـ”سقف الدين”.

يمثل السقف، الحد الأقصى الذي لا تستطيع الدولة تجاوزه في الاقتراض، وبالتالي يصبح عليها لزاما أن تعتمد على سيولتها النقدية للوفاء بمدفوعاتها، من رواتب العسكريين وحتى مبالغ الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية وباقي المصاريف الفيدرالية.

لماذا تم وضع حد للاقتراض؟

قبل عام 1917، كان الكونغرس يأذن للحكومة باقتراض مبلغ ثابت من المال لفترة محددة، وعندما يتم سداد القرض لا يمكن للحكومة الاقتراض مرة أخرى ما لم يُسمح لها بذلك.

تغير هذا بعد أن تم تشريع قانون جديد في عام 1917 وضع سقفا للديون وسمح بتمديد مستمر لعملية الاقتراض دون موافقة الكونغرس.

سن الكونغرس هذا الإجراء للسماح للرئيس آنذاك وودرو ويلسون بإنفاق الأموال التي اعتبرها ضرورية لخوض الحرب العالمية الأولى دون انتظار المشرعين الذين غالبا ما يكونون غائبين، أو لا يستطيعون حضور الجلسات لبعد المسافات بين الولايات وصعوبة الوصول في حينه.

ومع ذلك، لم يرغب الكونغرس في كتابة شيك على بياض للرئيس، لذلك حدد الاقتراض بـ 11.5 مليار دولار، واشترط أن يكون هناك تشريع جديد في حال الرغبة بزيادة المبلغ.

خلال السنوات الماضية تم رفع سقف الدين عشرات المرات، وتم تعليق العمل به في عدة مناسبات، إذ يمكن للكونغرس أيضا أن يختار تعليق سقف الديون أو السماح مؤقتا لوزارة الخزانة بوقف العمل به، بدلا من رفعه بمقدار معين. 

في حين أن هذه الخطوة كانت نادرة خلال التسعين عاما الأولى من بدء العمل بالسقف، فقد علق الكونغرس حد الدين سبع مرات منذ عام 2013.

التخلف عن السداد

سيكون لتخلف أكبر اقتصاد في العالم عن السداد، وهي سابقة، عواقب وخيمة مع تداعيات على الاقتصاد العالمي بكامله.

داخليا سيؤدي عدم رفع سقف الدين إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دوافع الفواتير المستحقة بذمتها وهذا يعني من الناحية الفنية انها في حالة تخلف عن السداد. 

كذلك يتوقع أن يتسبب التخلف عن السداد إلى انزلاق الولايات المتحدة في ركود اقتصادي ناجم عن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4 في المئة تقريبا. 

وسيؤدي أيضا لفقدان حوالي ستة ملايين وظيفة، مما يسبب ارتفاعا في معدل البطالة ووصولها لنحو 9 في المئة.

خارجيا سيكون لهذا التخلف عواقب اقتصادية وخيمة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتقليل قيمة الدولار مقابل العملات العالمية الأخرى وإصابة الأسواق العالمية بحالة من الذعر وربما الركود.

وسيدفع الركود المستهلكين والشركات الأميركية لتقليل كمية السلع والخدمات التي يشترونها من خارج البلاد، ما يعني أن بلدان الأسواق الناشئة التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة للحصول على جزء كبير من دخلها ستكون الأكثر تضررا.

وسيكون، كذلك، للانخفاض المتوقع لقيمة الدولار تأثير مماثل، إذ سيجعل شراء الإمدادات من الخارج أكثر تكلفة على الشركات الأميركية، وبالتالي يتسبب بانخفاض حجم التبادلات التجارية على مستوى العالم.

وسيؤثر انخفاض قيمة العملة الأميركية على البلدان التي يرتبط اقتصادها بالدولار، والتي ستشهد تقليصا في القوة الشرائية لمخزونها الحالي من العملة.

ويحذر خبراء اقتصاديون من أن فترة طويلة من التخلف عن السداد من الممكن أن تؤدي لزعزعة استقرار نظام مالي عالمي يعتمد على السندات الأميركية. 

خلافات بين الحزبين

يشترط الجمهوريون الاتفاق على رفع سقف الدين مقابل تخفيضات في الميزانية.

وقال حوالى أربعين عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ في نهاية الأسبوع “لن نصوت لصالح نص يرفع سقف الدين من دون إصلاحات جوهرية في الميزانية والإنفاق الحكومي”.

بالمقابل اتهم زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن ماكارثي بأخذ سقف الدين العام الأميركي “رهينة” بربطه التصويت على رفع الحد الأقصى للمديونية العامة باقتطاعات في الميزانية.

وأكد الرئيس جو بايدن أنه يجب على الجمهوريين أن ينحوا أزمة التخلف عن السداد جانبا ولم يستبعد في نهاية المطاف العودة إلى التعديل الرابع عشر للدستور الأميركي وهو نهج لم يخضع للتجربة ومن شأنه أن يسعى للإعلان عن أن حد الدين غير دستوري. 

وقال إن الأمر سيتطلب إجراءات للتقاضي لكنه خيار قد يدرسه في المستقبل.

وعادة ما تنتهي معارك سقف الدين السابقة باتفاق يجري الترتيب له على عجل في الساعات الأخيرة من المفاوضات ومن ثم تجنب التخلف عن السداد.

حصل هذا في عام 2011، حيث توصل الطرفان لاتفاق قبل يومين فقط من الموعد وأدى في حينه لخفض تاريخي للتصنيف الائتماني من الدرجة الأولى في البلاد. 

ويحذر المخضرمون في تلك المعركة من أن الوضع الحالي أكثر خطورة نظرا لاتساع هوة الانقسامات السياسية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version