استهلت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا عن مقابلة مطولة لها مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قائلة إنه دبلوماسي مخضرم عمل مع الرئيس جو بايدن لمدة عقدين، وتم اختياره للتركيز على رسالة مفادها أن عصرا جديدا من الاستقرار في العالم على الأبواب.

وقبل 4 سنوات، بعد إدارة دونالد ترامب الأولى المضطربة، تولى الرئيس جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، واعدا بإعادة بناء التحالفات القديمة والدفاع عن الديمقراطية، واختار للقيام بذلك على المسرح العالمي بلينكن، الدبلوماسي المخضرم الذي عمل معه لمدة عقدين من الزمان، وكانت الرسالة إلى حلفاء أميركا وأعدائها على حد سواء هي أن عصرا جديدا من الاستقرار على الأبواب.

وأشارت الصحيفة إلى أن بلينكن عانى منذ البداية، من سلسلة متصاعدة من الأزمات الدولية، فبعد الأزمة التي خلفها الانسحاب الكارثي من أفغانستان جاءت مشكلة حرب روسيا على أوكرانيا، وبعدها كان هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، وحرب الأرض المحروقة التي شنتها إسرائيل لاحقا على غزة، وبذلك غرقت المنطقة في أزمة وأدت إلى زعزعة استقرار المناخ السياسي في أميركا.

وفي نهاية هذه الفترة، التي اتسمت بالحرب والانقسام، دافع وزير الخارجية المنتهية ولايته عن إرثه بشأن غزة وأوكرانيا، وقال إنه جعل أميركا أقوى، وواصل الدفاع عن رؤية بايدن للدبلوماسية الأميركية القوية لحل العديد من مشاكل العالم.

انحدار سابق

بدأ لولو غارسيا نافارو مقابلته مع بلينكن باستغراب أن يكون هو الذي يسلم إلى ترامب التركة التي ورثها منه قبل 4 سنوات، ليرد بلينكن بأن الإدارة التي ينتمي إليها ورثت أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الأعظم، وأسوأ أزمة صحية عامة منذ 100 عام على الأقل، مع دولة منقسمة، وعلاقات متوترة مع الحلفاء والشركاء في جميع أنحاء العالم، إلى جانب الظهور بمظهر بلد في انحدار لا هوادة فيه.

وأضاف بلينكن بأنهم الآن يسلمون أميركا لإدارة ترامب في وضع أقوى بكثير بعد أن تم التغلب على الأزمة الاقتصادية، وكذلك الأزمة الصحية، والتغيير نحو الأفضل في عيون العالم. وأوضح أن الناخبين لا يريدون رؤية ترامب لأميركا أقل مشاركة في العالم، بل إن معظم الأميركيين يريدون أن تشارك بلادهم في العالم، ولكن مع التأكد من بقائها بعيدا عن الحروب، و”هذا بالضبط ما فعلناه”، فعندما كان بايدن نائبا للرئيس أشرف على نهاية مشاركتنا في العراق، وبصفته رئيسا أنهى أطول حرب في تاريخنا، أفغانستان”.

ومع اعترافه بمنطقية تشكك الأميركيين في تعامل إدارة بايدن مع السياسة الخارجية الذي بدأ بالطريقة الكارثية التي خرجت بها إدارته من أفغانستان، قال إن هناك إجماعا على أنه يجب إنهاء تلك الحرب تماما، معترفا بأن الطريقة التي تم بها ذلك كانت ضارة للغاية، ولكنه قال “لا أقدم أي اعتذار عن إنهاء أطول حرب أميركية. أعتقد أن هذا إنجاز كبير حققه الرئيس. خصومنا يرغبون في بقائنا متورطين في أفغانستان لعقد آخر”.

إذا غابت الدبلوماسية الأميركية

وقال بلينكن إن الدبلوماسية الأميركية إذا غابت “ستكون هناك دبلوماسية من قبل بلدان أخرى ستشكل العالم بطرق قد لا تكون صديقة لمصالحنا وقيمنا الخاصة، ويمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي، ولكننا نعلم أن آخرين سوف يتدخلون، وعلينا أن نقرر ما إذا كان ذلك في مصلحتنا”.

وضرب الوزير مثالا بالصين، وقال: “أعتقد أن ترامب كان محقا في تحديد بعض التحديات التي تفرضها الصين، ولكن ما أختلف معه فيه، وما قد أقترحه عليه من نهج اتبعناه، هو أننا أكثر فعالية في التعامل مع التحديات التي تفرضها الصين عندما نعمل بشكل وثيق مع بلدان أخرى. فعندما تولينا السلطة، كان الاتحاد الأوروبي على وشك توقيع اتفاقية تجارية كبرى مع الصين، لأنه لم يكن متأكدا من قدرته على الاعتماد على الولايات المتحدة”.

وعند السؤال عن حرب أوكرانيا، وتجنب واشنطن للصدام المباشر مع روسيا، قال بلينكن إن رؤية واشنطن للصراع قادما قبل أن يقع مكنتها ومكّنت حلفاءها وأوكرانيا من التأكد من الاستعداد، كما مكنتهم قبل حدوث العدوان الروسي بوقت طويل، من إيصال الكثير من الأسلحة إلى أوكرانيا للدفاع عن نفسها.

أوكرانيا على مسار عضوية الناتو

ورجح وزير الخارجية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يتخلى عن طموحاته، وأن أي وقف لإطلاق النار سيمنحه الوقت للراحة وإعادة التجهيز والهجوم في مرحلة ما في المستقبل، لذا فإن ما سيكون حاسما لضمان استمرار أي وقف لإطلاق النار هو التأكد من أن أوكرانيا لديها القدرة على المضي قدما لردع المزيد من العدوان، ويمكن أن يأتي ذلك من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونحن نضع أوكرانيا على مسار العضوية فيه.

وعند الانتقال إلى محور غزة، كان السؤال هل تعتقد أن تصرفات إسرائيل متسقة مع قواعد الحرب؟ حيث تشير أحدث أرقام الأمم المتحدة إلى أن عدد القتلى الفلسطينيين بلغ 45 ألفا، وأن أكثر من 90% من سكان غزة أصبحوا الآن نازحين، وهم يتضورون جوعا. وتم تدمير جميع المستشفيات، وأصدرت لجنة تابعة للأمم المتحدة تقريرا وجد أن ممارسات الحرب الإسرائيلية “متسقة مع خصائص الإبادة الجماعية”.

برّر جرائم إسرائيل

فكان رد بلينكن أن كرر ما أبدته إسرائيل من أهمية عدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول مرة أخرى، وأكد أن الوضع أصبح جيدا بعد أن دمرت إسرائيل قوة حماس واغتالت قياداتها، وأنهم يعملون الآن على استعادة المحتجزين ووقف إطلاق النار.

ولكن المحاور أعاد السؤال قائلا إنه حتى وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعلون أشار إلى ما يحدث باعتباره جرائم حرب وتطهير عرقي، ليرد بلينكن قائلا “نحن بحثنا وما زلنا ندرس هذا الأمر بعمق. وننشر تقاريرنا الخاصة بهذا الأمر مع تقييماتنا الخاصة. وعندما يتعلق الأمر بالإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، في دفاعها العادل عن محاولة ضمان عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أكدنا منذ اليوم الأول أن الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع هذا الأمر مهمة.

تبرير الدعم الأميركي لإسرائيل

وتحدث بلينكن مطولا عن محاولاته جعل إسرائيل تقبل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مبررا كل مرة حجج إسرائيل، كما برر مواصلة مدها بالأسلحة رغم أن حماس لم تعد تشكل تهديدا، قائلا “كنا وما زلنا ملتزمين بشكل أساسي بالدفاع عن إسرائيل، وهذا يعني أن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة ضروري للغاية لضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، وقدرتها على ردع العدوان القادم. إن هذا الدعم حيوي لضمان امتلاك إسرائيل لردع ودفاع كاف”.

وحمل بلينكن حماس فشل الاتفاق على وقف إطلاق النار، وقال إن حماس عندما رأت إسرائيل تتعرض لضغوط علنية تراجعت، ولاحظ باستغراب أنه “رغم منطقية الانتقادات المفهومة للطريقة التي تصرفت بها إسرائيل في غزة، لا أحد يسمع شيئا تقريبا عن حماس. لماذا لم تكن هناك جوقة حول العالم تدعو حماس لإلقاء أسلحتها والتخلي عن الرهائن والاستسلام. لا أعرف ما الجواب على ذلك”.

يشكو من العالم

وقال بلينكن إن إسرائيل عرضت في مناسبات مختلفة مرورا آمنا لقيادة حماس ومقاتليها للخروج من غزة. أين العالم؟ أين العالم ليقول نعم، أوقفوا معاناة الناس التي جلبتموها! طبعا هذا لا يعفي إسرائيل من أفعالها في إدارة الحرب. ولكنني أتساءل كيف لم نشهد إدانة مستمرة وضغوطا أكبر على حماس لوقف ما بدأته وإنهاء معاناة الناس التي بدأتها”.

وعند السؤال عن سلسلة الانشقاقات العلنية التي شهدتها وزارة الخارجية الأميركية بشأن غزة، قال بلينكن إنه يكن احتراما كبيرا للأشخاص في هذه الإدارة الذين كانت لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن السياسات التي انتهجناها وأعربوا عن تلك الآراء، وأكد أنه رد عليهم، وأضاف “مرة أخرى، كان هدفي هو إنهاء هذا الصراع في غزة بطريقة تضمن عدم تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وإنهاء معاناة الناس بطريقة دائمة تعيد الرهائن إلى ديارهم”.

لا يعترف بإبادة جماعية

هل أنت يا وزير الخارجية بلينكن قلق من أنك ربما كنت ترأس ما قد يراه العالم على أنه إبادة جماعية؟ على هذا السؤال رد بلينكن قائلا “لا. ليس الأمر كذلك. أعتقد أنه في أعقاب هذه المعاناة المروعة، هناك صدمة السكان الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين والعديد من غيرهم، هناك ضوء يمكن أن يقدم احتمالات لمستقبل مختلف تماما وأفضل كثيرا. إنه لا يعيد حياة أولئك الذين فقدوا حياتهم. لكنه يقدم طريقا مختلفا للمضي قدما. وقد بذلنا قدرا هائلا من العمل لبناء الأساس لذلك”.

وأوضح بلينكن ضرورة إنهاء الصراع في غزة، وقال “أعتقد أنه سينتهي، وربما سينتهي وفقا للشروط التي أرسيناها في اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الذي طرحه بايدن، والذي حصلنا على دعم العالم أجمع له. وأمضينا شهورا في العمل على خطة ما بعد الصراع مع العديد من البلدان في المنطقة، والشركاء العرب على وجه الخصوص. ولدينا احتمالات لمنطقة مختلفة تماما مع علاقات طبيعية بين إسرائيل والعديد من البلدان الأخرى، ودمج إسرائيل في البنية الأمنية للمنطقة، ولأن ذلك سيكون شرطا لأي اتفاق تطبيع من هذا القبيل، فإن هذا يشكل مسارا حقيقيا للدولة الفلسطينية. لقد قمنا بكل العمل لوضع هذه الخطط موضع التنفيذ”.

وختم المحاور بسؤال بلينكن عن حقيقة ما يقال عن تراجع قدرات بايدن على مدار فترة ولايته، ليرد بلينكن بأن لبايدن سجلا قويا جدا من الإنجازات، تاريخيا في نواح كثيرة، وكل إنجاز من هذه الإنجازات كان نتاجا لقرار اتخذه رئيس الولايات المتحدة، بايدن. وأعرب عن اعتقاده بأن بايدن كان رئيسا فعالا.

وختم بلينكن إجاباته بأنه في الصيف الماضي، أفاده زميله روبرت درابر بأن الناس في السلك الدبلوماسي كانوا قلقين من أن ذاكرة الرئيس كانت تظهر علامات انزلاق أثناء اجتماعه مع زعماء أجانب، ليقول “نحن جميعا نتغير. نحن جميعا نتقدم في العمر”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version